وممن قال بأن الحلي المباح تجب فيه الزكاة : أبو حنيفة رحمه الله ، وروي عن ، عمر بن الخطاب ، وبه قال وابن عباس ، ابن مسعود ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وميمون بن مهران ، وجابر بن زيد ، والحسن بن صالح ، وسفيان الثوري وداود ، وحكاه ابن المنذر أيضا عن ، ابن المسيب ، وابن جبير وعطاء ، ومجاهد ، ، وابن سيرين ، وعبد الله بن شداد . والزهري
وسنذكر إن شاء الله تعالى حجج الفريقين ، ومناقشة أدلتهما على الطرق المعروفة في الأصول ، وعلم الحديث ; ليتبين للناظر الراجح من الخلاف .
اعلم أن من قال بأن الحلي المباح لا زكاة فيه ، تنحصر حجته في أربعة أمور :
الأول : حديث جاء بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
الثاني : آثار صحيحة عن بعض الصحابة يعتضد بها الحديث المذكور .
الثالث : القياس .
الرابع : وضع اللغة .
أما الحديث : فهو ما رواه البيهقي في معرفة السنن والآثار من طريق عافية بن أيوب ، عن الليث ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " . لا زكاة في الحلي
قال البيهقي : وهذا الحديث لا أصل له ، إنما روي عن جابر من قوله غير مرفوع ، والذي يروى عن عافية بن أيوب ، عن الليث ، عن أبي الزبير ، عن جابر مرفوعا لا أصل له ، وعافية بن أيوب مجهول : فمن احتج به مرفوعا ، كان مغررا بدينه ، داخلا [ ص: 127 ] فيما نعيب به المخالفين من الاحتجاج برواية الكذابين ، والله يعصمنا من أمثال هذا .
قال مقيده عفا الله عنه : ما قاله الحافظ البيهقي - رحمه الله تعالى - من أن الحكم برواية عافية المذكور لهذا الحديث مرفوعا من جنس الاحتجاج برواية الكذابين فيه نظر ; لأن عافية المذكور لم يقل فيه أحد إنه كذاب ، وغاية ما في الباب أن البيهقي ظن أنه مجهول ; لأنه لم يطلع على كونه ثقة ، وقد اطلع غيره على أنه ثقة فوثقه ، فقد نقل توثيقه ، عن ابن أبي حاتم أبي زرعة ، قال ابن حجر في " التلخيص " : عافية بن أيوب ، قيل : ضعيف ، وقال : ما نعلم فيه جرحا ، وقال ابن الجوزي البيهقي ، مجهول ، ونقل توثيقه عن ابن أبي حاتم أبي زرعة .
ولا يخفى أن من قال إنه مجهول يقدم عليه من قال إنه ثقة ; لأنه اطلع على ما لم يطلع عليه مدعي أنه مجهول ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، والتجريح لا يقبل مع الإجمال ، فعافية هذا وثقه أبو زرعة ، والتعديل والتجريح يكفي فيهما واحد على الصحيح في الرواية دون الشهادة ، قال العراقي في ألفيته : [ الرجز ]
وصححوا اكتفاءهم بالواحد جرحا وتعديلا خلاف الشاهد والتعديل يقبل مجملا
بخلاف الجرح للاختلاف في أسبابه
قال العراقي في ألفيته : [ الرجز ]
وصححوا قبول تعديل بلا ذكر لأسباب له أن تثقلا
ولم يروا قبول جرح أبهما للخلف في أسبابه وربما استفسر
وهذا هو الصحيح ، فلا شك أن قول البيهقي في عافية : إنه مجهول أولى منه بالتقديم قول أبي زرعة : إنه ثقة ; لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ ، وإذا ثبت الاستدلال بالحديث المذكور ، فهو نص في محل النزاع .
ويؤيد ما ذكر من توثيق عافية المذكور أن مع سعة اطلاعه ، وشدة بحثه عن الرجال ، قال : إنه لا يعلم فيه جرحا . ابن الجوزي
وأما الآثار الدالة على ذلك : فمنها ما رواه في " الموطأ " ، عن [ ص: 128 ] الإمام مالك عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه : " أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي ، فلا تخرج من حليهن الزكاة " ، وهذا الإسناد عن عائشة في غاية الصحة ، كما ترى .
ومنها ما رواه مالك في " الموطأ " أيضا ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أنه كان يحلي بناته وجواريه الذهب ، ثم لا يخرج من حليهن الزكاة ، وهذا الإسناد عن رضي الله عنهما في غاية الصحة كما ترى . ابن عمر
وما قاله بعض أهل العلم من أن المانع من الزكاة في الأول أنه مال يتيمة ، وأنه لا تجب ، كما لا تجب عليه الصلاة ، مردود بأن الزكاة على الصبي عائشة ترى وجوب ، فالمانع من إخراجها الزكاة ، كونه حليا مباحا على التحقيق ، لا كونه مال يتيمة ، وكذلك دعوى أن المانع الزكاة في أموال اليتامى من زكاة الحلي أنه لجوار مملوكات ، وأن المملوك لا زكاة عليه ، مردود أيضا بأنه كان لا يزكي حلي بناته مع أنه كان يزوج البنت له على ألف دينار يحليها منها بأربعمائة ، ولا يزكي ذلك الحلي ، وتركه لزكاته لكونه حليا مباحا على التحقيق . لابن عمر
ومن الآثار الواردة في ذلك ما رواه ، أنا الشافعي سفيان ، عن ، سمعت رجلا يسأل عمرو بن دينار عن الحلي ، فقال " زكاته عاريته " ، ذكره جابر بن عبد الله البيهقي في " السنن الكبرى " ، في " التلخيص " وزاد وابن حجر البيهقي ، فقال : وإن كان يبلغ ألف دينار فقال جابر : كثير .
ومنها ما رواه البيهقي عن علي بن سليم قال : سألت عن الحلي ، فقال : ليس فيه زكاة . أنس بن مالك
ومنها ما رواه البيهقي ، عن أنها كانت تحلي بناتها الذهب ولا تزكيه نحوا من خمسين ألفا . أسماء بنت أبي بكر
وأما القياس فمن وجهين :
الأول : أن الحلي لما كان لمجرد الاستعمال لا للتجارة والتنمية ، ألحق بغيره من الأحجار النفيسة كاللؤلؤ والمرجان ، بجامع أن كلا معد للاستعمال لا للتنمية ، وقد أشار إلى هذا الإلحاق مالك رحمه الله في " الموطأ " بقوله : فأما التبر والحلي المكسور الذي يريد أهله إصلاحه ولبسه ، فإنما هو بمنزلة المتاع الذي يكون عند أهله ، [ ص: 129 ] فليس على أهله فيه زكاة ، قال مالك : ليس في اللؤلؤ ، ولا في المسك ، والعنبر زكاة .
الثاني من وجهي القياس : هو النوع المعروف بقياس العكس ، وأشار له في " مراقي السعود " بقوله في كتاب الاستدلال : [ الرجز ]
منه قياس المنطقي والعكس ومنه فقد الشرط دون لبس
ومن أمثلة هذا النوع من القياس عند المالكية : احتجاجهم على أن الوضوء لا يجب من كثير القيء ، بأنه لما لم يجب من قليله لم يجب من كثيره عكس البول لما وجب من قليله وجب من كثيره .
ومن أمثلته عند الحنفية ، قولهم : لما لم يجب القصاص من صغير المثقل ، لم يجب من كبيره عكس المحدد لما وجب من صغيره وجب من كبيره .
ووجه هذا النوع من القياس في هذه المسألة التي نحن بصددها ، هو أن العروض لا تجب في عينها الزكاة ، فإذا كانت للتجارة والنماء ، وجبت فيها الزكاة عكس العين ، فإن الزكاة واجبة في عينها ، فإذا صيغت حليا مباحا للاستعمال ، وانقطع عنها قصد التنمية بالتجارة ، صارت لا زكاة فيها ، فتعاكست أحكامها لتعاكسهما في العلة ، ومنع هذا النوع من القياس بعض الشافعية ، وقال ابن محرز : إنه أضعف من قياس الشبه ، ولا يخفى أن القياس يعتضد به ما سبق من الحديث المرفوع ، والآثار الثابتة عن بعض الصحابة ، لما تقرر في الأصول ، من أن موافقة النص للقياس من المرجحات ، وأما وضع اللغة ، فإن بعض العلماء يقول : الألفاظ الواردة في الصحيح في زكاة العين لا تشمل الحلي في لسان العرب .
قال أبو عبيد : الرقة عند العرب : الورق المنقوشة ذات السكة السائرة بين الناس ، ولا تطلقها العرب على المصوغ ، وكذلك قيل في الأوقية .
[ ص: 130 ] قال مقيده عفا الله عنه : ما قاله أبو عبيد هو المعروف في كلام العرب ، قال الجوهري في " صحاحه " : الورق الدراهم المضروبة ، وكذلك الرقة ، والهاء عوض عن الواو ، وفي " القاموس " : الورق - مثلثة - وككتف : الدراهم المضروبة ، وجمعه أوراق ووراق كالرقة .
هذا هو حاصل حجة من قال : لا زكاة في الحلي .
وما ادعاه بعض أهل العلم من الاحتجاج لذلك بعمل أهل المدينة ، فيه أن بعض أهل المدينة مخالف في ذلك ، والحجة بعمل أهل المدينة عند من يقول بذلك - مالك - إنما هي في إجماعهم على أمر لا مجال للرأي فيه ، لا إن اختلفوا ، أو كان من مسائل الاجتهاد ، كما أشار له في " مراقي السعود " ، بقوله : [ الرجز ]
وأوجبن حجية للمدني فيما على التوقيف أمره بني
لأن مراده بالمدني : الإجماع المدني الواقع من الصحابة أو التابعين ، لا ما اختلفوا فيه كهذه المسألة ، وقيده بما بني على التوقيف دون مسائل الاجتهاد في القول الصحيح .
وأما : فهي منحصرة في أربعة أمور أيضا : حجة القائلين بأن الحلي تجب فيه الزكاة
الأول : أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوجب الزكاة في الحلي .
الثاني : آثار وردت بذلك عن بعض الصحابة .
الثالث : وضع اللغة .
الرابع : القياس .
أما الأحاديث الواردة بذلك ، فمنها ما رواه أبو داود في " سننه " ، حدثنا أبو كامل ، وحميد بن مسعدة " المعنى " أن حدثهم : ثنا خالد بن الحارث حسين ، عن ، عن أبيه ، عن جده : عمرو بن شعيب . " أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعها ابنة لها ، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب ، فقال لها : " أتعطين زكاة هذا ؟ " قالت : لا ، قال : " أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار ؟ ! " قال : فخلعتهما ، فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : هما لله عز وجل ولرسوله "
وقال في سننه : أخبرنا النسائي إسماعيل بن مسعود ، قال حدثنا خالد ، عن حسين ، عن ، عن أبيه ، عن جده : عمرو بن شعيب أهل اليمن أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 131 ] وبنت لها ، في يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال : " أتؤدين زكاة هذا ؟ " قالت : لا ، قال : " أيسرك أن يسورك الله عز وجل بهما يوم القيامة سوارين من نار ؟ ! " قال : فخلعتهما ، فألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : هما لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم . " أن امرأة من
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ، قال : سمعت المعتمر بن سليمان حسينا ، قال : حدثني ، قال : عمرو بن شعيب ، نحوه ، مرسل . قال جاءت امرأة ، ومعها بنت لها ، وفي يد ابنتها مسكتان أبو عبد الرحمن : خالد أثبت من . اهـ . المعتمر
وهذا الحديث الذي أخرجه أبو داود ، من طريق والنسائي ، عن حسين المعلم أقل درجاته عمرو بن شعيب الحسن ، وبه تعلم أن قول الترمذي رحمه الله : لا يصح في الباب شيء غير صحيح ; لأنه لم يعلم برواية له عن حسين المعلم ، بل جزم بأنه لم يرو عن عمرو بن شعيب إلا من طريق عمرو بن شعيب ، ابن لهيعة والمثنى بن الصباح ، وقد تابعهما والجميع ضعاف . حجاج بن أرطاة
ومنها ما رواه أبو داود أيضا ، حدثنا محمد بن عيسى ، ثنا عتاب يعني ابن بشير ، عن ثابت بن عجلان ، عن عطاء ، ، قالت : كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت : يا رسول الله أكنز هو ؟ فقال : " ما بلغ أن تؤدي زكاته ، فزكي فليس بكنز " أم سلمة ، وأخرج نحوه عن الحاكم ، ، والدارقطني والبيهقي . اهـ .
ومنها ما رواه أبو داود أيضا ، حدثنا ، ثنا محمد بن إدريس الرازي عمرو بن الربيع بن طارق ، ثنا يحيى بن أيوب ، عن : أن عبيد الله بن أبي جعفر أخبره ، عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه قال : عبد الله بن شداد بن الهاد صلى الله عليه وسلم فقالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق ، فقال : " ما هذا يا عائشة زوج النبي عائشة ؟ ! " ، فقلت : صنعتهن أتزين لك يا رسول الله ، قال : " أتؤدين زكاتهن ؟ " قلت : لا ، أو ما شاء الله ، قال : " هو حسبك من النار " . دخلنا على
حدثنا ، ثنا صفوان بن صالح ، ثنا الوليد بن مسلم سفيان ، عن عمر بن يعلى ، فذكر الحديث نحو حديث الخاتم ، قيل لسفيان : كيف تزكيه ؟ قال : تضمه إلى غيره . اهـ .
وحديث عائشة هذا أخرج نحوه أيضا الحاكم ، ، والدارقطني والبيهقي . اهـ .
وأخرج ، عن الدارقطني عائشة ، من طريق ، عن عمرو بن شعيب عروة عنها ، قالت : لا بأس بلبس الحلي إذا أعطي زكاته . اهـ .
[ ص: 132 ] قال البيهقي رحمه الله :
وقد انضم إلى حديث حديث عمرو بن شعيب ، وحديث أم سلمة عائشة ، وساقهما .
ومنها ما رواه ، عن الإمام أحمد بلفظ : قالت : أسماء بنت يزيد . اهـ . " دخلت أنا وخالتي على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلينا أساور من ذهب فقال لنا : " أتعطيان زكاته ؟ " ، فقلنا : لا ، قال : " أما تخافان أن يسوركما الله بسوار من نار ؟ ! أديا زكاته "
وروى نحوه من حديث الدارقطني ، وفي سنده فاطمة بنت قيس أبو بكر الهذلي ، وهو متروك ، اهـ . قاله ابن حجر في " التلخيص " .
وأما الآثار : فمنها ما رواه ، ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق شعيب بن يسار قال : كتب عمر إلى أبي موسى : أن مر من قبلك من نساء المسلمين أن يصدقن من حليهن . اهـ .
قال البيهقي : هذا مرسل ، شعيب بن يسار لم يدرك عمر . اهـ .
وقال ابن حجر في " التلخيص " : وهو مرسل ، قاله ، وقد أنكر البخاري الحسن ذلك فيما رواه قال : لا نعلم أحدا من الخلفاء قال : " في الحلي زكاة " . ابن أبي شيبة
ومنها ما رواه ، الطبراني والبيهقي ، عن : أن امرأته سألته ، عن حلي لها ، فقال : إذا بلغ مائتي درهم ففيه الزكاة ، قالت : أضعها في بني أخ لي في حجري ؟ قال : نعم . ابن مسعود
قال البيهقي : وقد روي هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس بشيء ، وقال : قال : مرسل ، ورواه البخاري من حديث الدارقطني مرفوعا ، وقال : هذا وهم والصواب موقوف . قاله ابن مسعود ابن حجر في " التلخيص " .
ومنها ما رواه البيهقي ، عن ، عن أبيه ، عن جده : أنه كان يكتب إلى خازنه عمرو بن شعيب سالم ، أن يخرج زكاة حلي بناته كل سنة ، وما روي من ذلك عن ، قال ابن عباس : لا أدري أيثبت عنه أم لا ؟ وحكاه الشافعي ابن المنذر ، والبيهقي ، عن ، ابن عباس ، وغيرهما . قاله في " التلخيص " أيضا . وابن عمر
وأما القياس : فإنهم قاسوا الحلي على المسكوك والمسبوك بجامع أن الجميع نقد .
وأما وضع اللغة : فزعموا أن لفظ الرقة ، ولفظ الأوقية الثابت في الصحيح يشمل [ ص: 133 ] المصوغ كما يشمل المسكوك ، وقد قدمنا أن التحقيق خلافه .
فإذا علمت حجج الفريقين ، فسنذكر لك ما يمكن أن يرجع به كل واحد منهما .
أما القول بوجوب زكاة الحلي ، فله مرجحات :
منها : أن من رواه من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ، كما قدمنا روايته عن ، عبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة ، ، وأم سلمة ، رضي الله عنهم . وأسماء بنت يزيد
أما القول بعدم وجوب الزكاة فيه ، فلم يرو مرفوعا إلا من حديث جابر ، كما تقدم .
وكثرة الرواة من المرجحات على التحقيق ، كما قدمنا في سورة " البقرة " في الكلام على آية الربا .
ومنها : أن أحاديثه كحديث ، ومن ذكر معه أقوى سندا من حديث سقوط الزكاة الذي رواه عمرو بن شعيب عافية بن أيوب .
ومنها : أن ما دل على الوجوب مقدم على ما دل على الإباحة ; للاحتياط في الخروج من عهدة الطلب كما تقرر في الأصول ، وإليه الإشارة بقول صاحب " مراقي السعود " في مبحث الترجيح باعتبار المدلول : [ الرجز ]
وناقل ومثبت والآمر بعد النواهي ثم هذا الآخر
ومعنى قوله : "
ثم هذا الآخر على إباحة
" أن ما دل على الأمر مقدم على ما دل على الإباحة كما ذكرنا .ومنها : دلالة النصوص الصريحة على وجوب الزكاة في أصل الفضة ، والذهب ، وهي دليل على أن الحلي من نوع ما وجبت الزكاة في عينه ، هذا حاصل ما يمكن أن يرجح به هذا القول .
وأما القول بعدم وجوب الزكاة في الحلي المباح ، فيرجح بأن الأحاديث الواردة في التحريم إنما كانت في الزمن الذي كان فيه التحلي بالذهب محرما على النساء ، والحلي المحرم تجب فيه الزكاة اتفاقا .
وأما أدلة عدم الزكاة فيه ، فبعد أن صار التحلي بالذهب مباحا .
والتحقيق : أن كان في أول الأمر محرما على النساء ، ثم أبيح ، كما يدل له ما ساقه التحلي بالذهب البيهقي من أدلة تحريمه أولا وتحليله ثانيا ، وبهذا يحصل الجمع بين [ ص: 134 ] الأدلة ، والجمع واجب إن أمكن كما تقرر في الأصول وعلوم الحديث ، وإليه الإشارة بقول صاحب " مراقي السعود " : [ الرجز ]
والجمع واجب متى ما أمكنا إلا فللأخير نسخ بينا
فإن قيل : هذا الجمع يقدح فيه حديث عائشة المتقدم ، فإن فيه " فرأى في يدي فتخات من ورق " الحديث .
والورق : الفضة ، والفضة لم يسبق لها تحريم ، فالتحلي بها لم يمتنع يوما ما .
فالجواب ما قاله الحافظ البيهقي - رحمه الله تعالى - قال : من قال : لا زكاة في الحلي ، زعم أن الأحاديث والآثار الواردة في وجوب زكاته كانت حين كان التحلي بالذهب حراما على النساء ، فلما أبيح لهن سقطت زكاته .
قال : وكيف يصح هذا القول مع حديث عائشة ، إن كان ذكر الورق فيه محفوظا ، غير أن رواية القاسم ، ، عن وابن أبي مليكة عائشة في تركها إخراج زكاة الحلي مع ما ثبت من مذهبها من إخراج زكاة أموال اليتامى - يوقع ريبة في هذه الرواية المرفوعة ، فهي لا تخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما روته عنه ، إلا فيما علمته منسوخا . اهـ .
وقد قدمنا في سورة " البقرة " الكلام على مخالفة الصحابي لما روي في آية الطلاق ، وبالجملة فلا يخفى أنه يبعد أن تعلم عائشة أن عدم زكاة الحلي فيه الوعيد من النبي لها بأنه حسبها من النار ، ثم تترك إخراجها بعد ذلك عمن في حجرها ، مع أنها معروف عنها القول بوجوب الزكاة في أموال اليتامى .
ومن أجوبة أهل هذا القول : أن المراد بزكاة الحلي عاريته ، ورواه البيهقي ، عن ، ابن عمر ، وسعيد بن المسيب ، في إحدى الروايتين عنه . والشعبي
هذا حاصل الكلام في هذه المسألة .
وأقوى الوجوه بحسب المقرر في الأصول وعلم الحديث : الجمع إذا أمكن ، وقد أمكن هنا .
قال مقيده عفا الله عنه : وإخراج زكاة الحلي أحوط ; لأن " " - " من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " ، والعلم عند الله تعالى . دع ما يريبك إلى ما لا يريبك