اعلم : أن التحقيق على مذهب الجمهور : أن هذه الآية الكريمة التي هي قوله - جل وعلا - : ومن ثمرات النخيل والأعناب [ 16 \ 67 ] منسوخة بآية " المائدة " المذكورة . فما جزم به صاحب مراقي السعود فيه وفي شرحه ( نشر البنود ) من أن تحريم الخمر ليس نسخا لإباحتها الأولى ; بناء على أن إباحتها الأولى إباحة عقلية ، والإباحة العقلية هي البراءة الأصلية ، وهي بعينها استصحاب العدم الأصلي ، وهي ليست من الأحكام الشرعية ; فرفعها ليس بنسخ . وقد بين في المراقي : أنها ليست من الأحكام الشرعية بقوله :
وما من البراءة الأصلية قد أخذت فليست الشرعية
وقال أيضا في إباحة الخمر قبل التحريم :
أباحها في أول الإسلام براءة ليست من الأحكام
كل ذلك ليس بظاهر ، بل غير صحيح ; لأن إباحة الخمر قبل التحريم دلت عليها هذه الآية الكريمة ، التي هي قوله : ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا الآية [ 16 \ 67 ] ، وما دلت على إباحته آية من كتاب الله لا يصح أن يقال : إن إباحته عقلية ، بل هي إباحة شرعية منصوصة في كتاب الله ، فرفعها نسخ . نعم ! على القول بأن معنى السكر في الآية : الخل أو الطعم أو العصير ; فتحريم الخمر ليس نسخا لإباحتها ، وإباحتها الأولى : عقلية . وقد بينا هذا المبحث في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات [ ص: 407 ] الكتاب ) .
فإن قيل : الآية واردة بصيغة الخبر ، والأخبار لا يدخلها النسخ كما تقرر في الأصول :
فالجواب : أن النسخ وارد على ما يفهم من الآية من إباحة الخمر . الإباحة حكم شرعي كسائر الأحكام قابل للنسخ ; فليس النسخ واردا على نفس الخبر ، بل على الإباحة المفهومة من الخبر ; كما حققه وغيره . ابن العربي المالكي
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : ورزقا حسنا [ 16 \ 67 ] ، أي : التمر ، والرطب ، والعنب ، والزبيب ، والعصير ، ونحو ذلك .