قوله تعالى : يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها الآية ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن الكفار يعرفون نعمة الله ; لأنهم يعلمون أنه هو الذي يرزقهم ويعافيهم ، ويدبر شؤونهم ، ثم ينكرون هذه النعمة ; فيعبدون معه غيره ، ويسوونه بما لا ينفع ولا يضر ، ولا يغني شيئا .
وقد أوضح - جل وعلا - هذا المعنى في آيات كثيرة ; كقوله : قل من يرزقكم من [ ص: 421 ] السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون [ 10 \ 31 ] .
فقوله : فسيقولون الله [ 10 \ 31 ] ، دليل على معرفتهم نعمته . وقوله : فقل أفلا تتقون [ 10 \ 31 ] ، دليل على إنكارهم لها . والآيات بمثل هذا كثيرة جدا .
وروي عن مجاهد : أن سبب نزول هذه الآية الكريمة : أن أعرابيا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله ، فقرأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والله جعل لكم من بيوتكم سكنا [ 16 \ 80 ] ، فقال الأعرابي : نعم ! قال : وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا الآية [ 16 \ 80 ] ، قال الأعرابي : نعم ! ثم قرأ عليه ، كل ذلك يقول الأعرابي : نعم ! حتى بلغ : كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون [ 16 \ 81 ] ، فولى الأعرابي ; فأنزل الله : يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها [ 16 \ 83 ] ، وعن - رحمه الله - : السدي يعرفون نعمة الله ، أي : نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم ينكرونها ، أي : يكذبونه وينكرون صدقه .
وقد بين - جل وعلا - : أن بعثة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيهم من منن الله عليهم . كما قال تعالى : لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم الآية [ 3 \ 164 ] ، وبين في موضع آخر : أنهم قابلوا هذه النعمة بالكفران ، وذلك في قوله : ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار [ 14 \ 28 ] ، وقيل : يعرفون نعمة الله في الشدة ، ثم ينكرونها في الرخاء . وقد تقدمت الآيات الدالة على ذلك ، كقوله : فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون [ 29 \ 65 ] ، ونحوها من الآيات إلى غير ذلك من الأقوال في الآية .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وأكثرهم الكافرون [ 16 \ 83 ] ، قال بعض العلماء : معناه أنهم كلهم كافرون . أطلق الأكثر وأراد الكل . قاله القرطبي والشوكاني . وقال الشوكاني : أو أراد بالأكثر العقلاء دون الأطفال ونحوهم . أو أراد كفر الجحود ، ولم يكن كفر كلهم كذلك ، بل كان كفر بعضهم كفر جهل .