nindex.php?page=treesubj&link=29629وصف الله الرسول الذي أوجب اتباعه على كل من أدركه من
بني إسرائيل وغيرهم بصفات ونعوت : أولها - ( أنه هو النبي الأمي الكامل ) ثانيها - قوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) ومعناه الذي يجد الذين يتبعونه من
بني إسرائيل صفته ونعوته مكتوبة عندهم في التوراة والإنجيل ، وإنما
[ ص: 196 ] ذكر الإنجيل والسياق في قوم
موسى ؛ لأن المخاطب به بالذات
بنو إسرائيل ، ومما هو مأثور عن
المسيح - عليه السلام - في هذه الأناجيل : لم أبعث إلا إلى خراف إسرائيل الضالة . ولا يعارضه ما رووا عنه من أمره تلاميذه أن يكرزوا بالإنجيل في الخليقة كلها ، إذ يجمع بينهما أن يراد بالخليقة ما كانوا يسمونه ( اليهودية ) والعبارة الأولى نص بصيغة الحصر لا تحتمل التأويل ، وقال
أبو السعود :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157الذي يجدونه مكتوبا باسمه ونعوته الشريفة بحيث لا يشكون أنه هو ؛ ولذلك عدل عن أن يقال : يجدون نعته أو وصفه مكتوبا عندهم ، والظرف ( عندهم ) لزيادة التقرير ، وأن شأنه - عليه السلام - حاضر عندهم لا يغيب عنهم ا هـ . وسيأتي بيان ذلك في فصل خاص .
ثالثها ورابعها - قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر يحتمل أنه استئناف لبيان أهم ما يحتاجون إليه عند بعثته ، ويحتمل أنه تفسير لما كتب . والمعروف ما تعرف العقول السليمة حسنه ، وترتاح القلوب الطاهرة له لنفعه وموافقته للفطرة والمصلحة ، بحيث لا يستطيع العاقل المنصف السليم الفطرة أن يرده أو يعترض عليه إذا ورد الشرع به . والمنكر ما تنكره العقول السليمة ، وتنفر منه القلوب ، وتأباه على الوجه المذكور أيضا . وأما تفسير المعروف بما أمرت به الشريعة ، والمنكر بما نهت عنه فهو من قبيل تفسير الماء بالماء . وكون ما قلناه يثبت مسألة التحسين والتقبيح العقليين وفاقا
للمعتزلة وخلافا
للأشعرية مردود إطلاقه بأننا إنما نوافق كلا منهما من وجه ، ونخالفه من وجه اتباعا لظواهر الكتاب والسنة وفهم السلف لهما فلا ننكر إدراك العقول لحسن الأشياء مطلقا ، ولا نقيد التشريع بعقولنا ، ولا نوجب على الله شيئا من عند أنفسنا ، بل نقول : إنه لا سلطان لشيء عليه ، فهو الذي يوجب على نفسه ما شاء إن شاء كما كتب على نفسه الرحمة لمن شاء ، وأن من الشرع ما لم تعرف العقول حسنه قبل شرعه ، وأن كل ما شرعه تعالى يطاع بلا شرط ولا قيد .
قال الحافظ
ابن كثير في تفسير هذا الأمر والنهي ما نصه : هذه صفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الكتب المتقدمة ، وهكذا كانت حاله - عليه السلام - لا يأمر إلا بخير ولا ينهى إلا عن شر ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : إذا سمعت الله يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104يا أيها الذين آمنوا فارعها سمعك فإنه خير تؤمر به ، أو شر تنهى عنه ، ومن أهم ذلك وأعظمه ما بعثه الله به من الأمر بعبادته وحده لا شريك له ، والنهي عن عبادة ما سواه ، كما أرسل به جميع الرسل قبله ، كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ( 16 : 36 ) وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد - وذكر سنده إلى
أبي حميد ،
وأبي أسيد - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920011إذا [ ص: 197 ] سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به ، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد ، فأنا أبعدكم منه " رواه
أحمد - رضي الله عنهم - بإسناد جيد ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب .
خامسها وسادسها - قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث الطيب ما تستطيبه الأذواق من الأطعمة ، وتستفيد منه التغذية النافعة ، ومن الأموال ما أخذ بحق وتراض في المعاملة ، والخبيث من الأطعمة ما تمجه الطباع السليمة وتستقذره ذوقا كالميتة والدم المسفوح ، أو تصد عنه العقول الراجحة لضرره في البدن كالخنزير الذي تتولد من أكله الدودة الوحيدة ، أو لضرره في الدين كالذي يذبح للتقرب به إلى غير الله - تعالى - على سبيل العبادة - أي : لا ما يذبح لتكريم الضيفان ؛ من صغير وكبير أو أمير أو سلطان - والذي يحرم ذبحه أو أكله لتشريع باطل لم يأذن به الله - كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ، والخبيث من الأموال ما يؤخذ بغير الحق كالربا والرشوة والغلو والسرقة والخيانة والغصب والسحت . وقد كان الله - تعالى - حرم على
بني إسرائيل بعض الطيبات عقوبة لهم كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ( 4 : 160 ) الآية . وتقدم تفسيرها في سورة النساء . وحرموا هم على أنفسهم طيبات أخرى لم يحرمها الله - تعالى - عليهم ، وأحلوا لأنفسهم أكل أموال غير الإسرائيليين بالباطل ، كما حكى الله - تعالى - عنهم بعد ذكر استحلال بعضهم أكل ما يأتمنهم عليه العرب
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ( 3 : 75 ) وتقدم تفسيرها في سورة آل عمران .
سابعها - قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم الإصر : الثقل الذي يأصر صاحبه ؛ أي : يحبسه من الحراك لثقله ، وهو مثل لثقل تكليفهم وصعوبته نحو اشتراط قتل الأنفس في صحة توبتهم ، وكذلك الأغلال مثل لما كان في شرائعهم من الأشياء الشاقة ، قالهما
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، وذكر للثاني عدة أمثلة من شدة أحكام التوراة . وقال
ابن كثير : أي أنه جاء بالتيسير والسماح كما ورد الحديث من طرق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920012بعثت بالحنيفية السمحة " وقال - صلى الله عليه وسلم - لأميريه
معاذ nindex.php?page=showalam&ids=110وأبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى
اليمن : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920013بشروا ولا تنفروا ، ويسروا ولا تعسروا ، وتطاوعا ولا تختلفا " والحديث رواه الشيخان وغيرهما . حاصل ما تقدم أن
بني إسرائيل كانوا فيما أخذوا به من الشدة في أحكام التوراة من العبادات والمعاملات الشخصية والمدنية والعقوبات كالذي يحمل أثقالا يئط منها ، وهو مع ذلك موثق بالسلاسل والأغلال في عنقه ويديه ورجليه ، وقد بينا في مواضع أخرى حكمة أخذ
بني إسرائيل بالشدة في الأحكام ، وأن
المسيح - عليه السلام -
[ ص: 198 ] خفف عنهم بعض التخفيف في الأمور المادية وشدد عليهم في الأحكام الروحية ؛ لما كان من إفراطهم في الأولى ، وتفريطهم في الأخرى ، وكل هذا وذاك قد جعله الله - تعالى - تربية موقوتة لبعض عباده ، ليكمل استعدادهم للشريعة الوسطى العادلة السمحة الرحيمة التي يبعث بها خاتم الرسل الذي أوجب اتباعه على كل من أدركه من الرسل وأقوامهم .
nindex.php?page=treesubj&link=29629وَصَفَ اللَّهُ الرَّسُولَ الَّذِي أَوْجَبَ اتِّبَاعَهُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ بِصِفَاتٍ وَنُعُوتٍ : أَوَّلُهَا - ( أَنَّهُ هُوَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْكَامِلُ ) ثَانِيهَا - قَوْلُهُ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ) وَمَعْنَاهُ الَّذِي يَجِدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَهُ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ صِفَتَهُ وَنُعُوتَهُ مَكْتُوبَةً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، وَإِنَّمَا
[ ص: 196 ] ذَكَرَ الْإِنْجِيلَ وَالسِّيَاقُ فِي قَوْمِ
مُوسَى ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهِ بِالذَّاتِ
بَنُو إِسْرَائِيلَ ، وَمِمَّا هُوَ مَأْثُورٌ عَنِ
الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي هَذِهِ الْأَنَاجِيلِ : لَمْ أُبْعَثْ إِلَّا إِلَى خِرَافِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ . وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَوْا عَنْهُ مِنْ أَمْرِهِ تَلَامِيذَهُ أَنْ يُكْرِزُوا بِالْإِنْجِيلِ فِي الْخَلِيقَةِ كُلِّهَا ، إِذْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا أَنْ يُرَادَ بِالْخَلِيقَةِ مَا كَانُوا يُسَمُّونَهُ ( الْيَهُودِيَّةَ ) وَالْعِبَارَةُ الْأَوْلَى نَصٌّ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ ، وَقَالَ
أَبُو السُّعُودِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا بِاسْمِهِ وَنُعُوتِهِ الشَّرِيفَةِ بِحَيْثُ لَا يَشُكُّونَ أَنَّهُ هُوَ ؛ وَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْ أَنْ يُقَالَ : يَجِدُونَ نَعْتَهُ أَوْ وَصْفَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ ، وَالظَّرْفُ ( عِنْدَهُمْ ) لِزِيَادَةِ التَّقْرِيرِ ، وَأَنَّ شَأْنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَاضِرٌ عِنْدَهُمْ لَا يَغِيبُ عَنْهُمْ ا هـ . وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي فَصْلٍ خَاصٍّ .
ثَالِثُهَا وَرَابِعُهَا - قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ أَهَمِّ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ عِنْدَ بِعْثَتِهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِمَا كُتِبَ . وَالْمَعْرُوفُ مَا تَعْرِفُ الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ حُسْنَهُ ، وَتَرْتَاحُ الْقُلُوبُ الطَّاهِرَةُ لَهُ لِنَفْعِهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِلْفِطْرَةِ وَالْمَصْلَحَةِ ، بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ الْعَاقِلُ الْمُنْصِفُ السَّلِيمُ الْفِطْرَةِ أَنْ يَرُدَّهُ أَوْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ إِذَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ . وَالْمُنْكَرُ مَا تَنْكِرُهُ الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ ، وَتَنْفِرُ مِنْهُ الْقُلُوبُ ، وَتَأْبَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا . وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْمَعْرُوفِ بِمَا أَمَرَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ ، وَالْمُنْكَرِ بِمَا نَهَتْ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ تَفْسِيرِ الْمَاءِ بِالْمَاءِ . وَكَوْنُ مَا قُلْنَاهُ يُثْبِتُ مَسْأَلَةَ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّينَ وِفَاقًا
لِلْمُعْتَزِلَةِ وَخِلَافًا
لِلْأَشْعَرِيَّةِ مَرْدُودٌ إِطْلَاقُهُ بِأَنَّنَا إِنَّمَا نُوَافِقُ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ ، وَنُخَالِفُهُ مِنْ وَجْهٍ اتِّبَاعًا لِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَفَهْمِ السَّلَفِ لَهُمَا فَلَا نُنْكِرُ إِدْرَاكَ الْعُقُولِ لِحُسْنِ الْأَشْيَاءِ مُطْلَقًا ، وَلَا نُقَيِّدُ التَّشْرِيعَ بِعُقُولِنَا ، وَلَا نُوجِبُ عَلَى اللَّهِ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِنَا ، بَلْ نَقُولُ : إِنَّهُ لَا سُلْطَانَ لِشَيْءٍ عَلَيْهِ ، فَهُوَ الَّذِي يُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ مَا شَاءَ إِنْ شَاءَ كَمَا كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لِمَنْ شَاءَ ، وَأَنَّ مِنَ الشَّرْعِ مَا لَمْ تَعْرِفِ الْعُقُولُ حُسْنَهُ قَبْلَ شَرْعِهِ ، وَأَنَّ كُلَّ مَا شَرَعَهُ تَعَالَى يُطَاعُ بِلَا شَرْطٍ وَلَا قَيْدٍ .
قَالَ الْحَافِظُ
ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَا نَصُّهُ : هَذِهِ صِفَةُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَهَكَذَا كَانَتْ حَالُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِخَيْرٍ وَلَا يَنْهَى إِلَّا عَنْ شَرٍّ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فَارْعِهَا سَمْعَكَ فَإِنَّهُ خَيْرٌ تُؤْمَرُ بِهِ ، أَوْ شَرٌّ تُنْهَى عَنْهُ ، وَمِنْ أَهَمِّ ذَلِكَ وَأَعْظَمِهِ مَا بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَمْرِ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَالنَّهْيِ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ ، كَمَا أَرْسَلَ بِهِ جَمِيعَ الرُّسُلِ قَبْلَهُ ، كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ( 16 : 36 ) وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ - وَذَكَرَ سَنَدَهُ إِلَى
أَبِي حُمَيْدٍ ،
وَأَبِي أَسِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920011إِذَا [ ص: 197 ] سَمِعْتُمُ الْحَدِيثَ عَنِّي تَعْرِفُهُ قُلُوبُكُمْ وَتَلِينُ لَهُ أَشْعَارُكُمْ وَتَرَوْنُ أَنَّهُ مِنْكُمْ قَرِيبٌ فَأَنَا أَوْلَاكُمْ بِهِ ، وَإِذَا سَمِعْتُمُ الْحَدِيثَ عَنِّي تُنْكِرُهُ قُلُوبُكُمْ وَتَنْفِرُ مِنْهُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبَشَارُكُمْ وَتَرَوْنُ أَنَّهُ مِنْكُمْ بَعِيدٌ ، فَأَنَا أَبْعَدُكُمْ مِنْهُ " رَوَاهُ
أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ .
خَامِسُهَا وَسَادِسُهَا - قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157وَيَحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ الطَّيِّبُ مَا تَسْتَطِيبُهُ الْأَذْوَاقُ مِنَ الْأَطْعِمَةِ ، وَتَسْتَفِيدُ مِنْهُ التَّغْذِيَةُ النَّافِعَةُ ، وَمِنَ الْأَمْوَالِ مَا أُخِذَ بِحَقٍّ وَتَرَاضٍ فِي الْمُعَامَلَةِ ، وَالْخَبِيثُ مِنَ الْأَطْعِمَةِ مَا تَمُجُّهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ وَتَسْتَقْذِرُهُ ذَوْقًا كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ الْمَسْفُوحِ ، أَوْ تَصُدُّ عَنْهُ الْعُقُولُ الرَّاجِحَةُ لِضَرَرِهِ فِي الْبَدَنِ كَالْخِنْزِيرِ الَّذِي تَتَوَلَّدُ مِنْ أَكْلِهِ الدُّودَةُ الْوَحِيدَةُ ، أَوْ لِضَرَرِهِ فِي الدِّينِ كَالَّذِي يَذْبَحُ لِلتَّقَرُّبِ بِهِ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى سَبِيلِ الْعِبَادَةِ - أَيْ : لَا مَا يَذْبَحُ لِتَكْرِيمِ الضِّيفَانِ ؛ مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ أَوْ أَمِيرٍ أَوْ سُلْطَانٍ - وَالَّذِي يَحْرُمُ ذَبْحُهُ أَوْ أَكْلُهُ لِتَشْرِيعٍ بَاطِلٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ - كَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي ، وَالْخَبِيثُ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا يُؤْخَذُ بِغَيْرِ الْحَقِّ كَالرِّبَا وَالرِّشْوَةِ وَالْغُلُوِّ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَالْغَصْبِ وَالسُّحْتِ . وَقَدْ كَانَ اللَّهُ - تَعَالَى - حَرَّمَ عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْضَ الطَّيِّبَاتِ عُقُوبَةً لَهُمْ كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلْتَ لَهُمْ ( 4 : 160 ) الْآيَةَ . وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ . وَحَرَّمُوا هُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ طَيِّبَاتٍ أُخْرَى لَمْ يُحْرِّمْهَا اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِمْ ، وَأَحَلُّوا لِأَنْفُسِهِمْ أَكْلَ أَمْوَالٍ غَيْرَ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ بِالْبَاطِلِ ، كَمَا حَكَى اللَّهُ - تَعَالَى - عَنْهُمْ بَعْدَ ذِكْرِ اسْتِحْلَالِ بَعْضِهِمْ أَكَلَ مَا يَأْتَمِنُهُمْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( 3 : 75 ) وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .
سَابِعُهَا - قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ الْإِصْرُ : الثِّقَلُ الَّذِي يَأْصِرُ صَاحِبَهُ ؛ أَيْ : يَحْبِسُهُ مِنَ الْحَرَاكِ لِثِقَلِهِ ، وَهُوَ مَثَلٌ لِثِقَلِ تَكْلِيفِهِمْ وَصُعُوبَتِهِ نَحْوَ اشْتِرَاطِ قَتْلِ الْأَنْفُسِ فِي صِحَّةِ تَوْبَتِهِمْ ، وَكَذَلِكَ الْأَغْلَالُ مَثَلٌ لِمَا كَانَ فِي شَرَائِعِهِمْ مِنَ الْأَشْيَاءِ الشَّاقَّةِ ، قَالَهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، وَذَكَرَ لِلثَّانِي عِدَّةَ أَمْثِلَةٍ مِنْ شِدَّةِ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ . وَقَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ : أَيْ أَنَّهُ جَاءَ بِالتَّيْسِيرِ وَالسَّمَاحِ كَمَا وَرَدَ الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920012بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ " وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَمِيرَيْهِ
مُعَاذٍ nindex.php?page=showalam&ids=110وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ لَمَّا بَعَثَهُمَا إِلَى
الْيَمَنِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920013بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا ، وَيَسِّرُّوا وَلَا تُعَسِّرُوا ، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا " وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا . حَاصِلُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ
بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا فِيمَا أُخِذُوا بِهِ مِنَ الشِّدَّةِ فِي أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ الشَّخْصِيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ وَالْعُقُوبَاتِ كَالَّذِي يَحْمِلُ أَثْقَالًا يَئِطُّ مِنْهَا ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُوثَقٌ بِالسَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ فِي عُنُقِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى حِكْمَةَ أَخْذِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالشِّدَّةِ فِي الْأَحْكَامِ ، وَأَنَّ
الْمَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
[ ص: 198 ] خَفَّفَ عَنْهُمْ بَعْضَ التَّخْفِيفِ فِي الْأُمُورِ الْمَادِّيَّةِ وَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ فِي الْأَحْكَامِ الرُّوحِيَّةِ ؛ لِمَا كَانَ مِنْ إِفْرَاطِهِمْ فِي الْأُولَى ، وَتَفْرِيطِهِمْ فِي الْأُخْرَى ، وَكُلُّ هَذَا وَذَاكَ قَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - تَرْبِيَةً مَوْقُوتَةً لِبَعْضِ عِبَادِهِ ، لِيَكْمُلَ اسْتِعْدَادُهُمْ لِلشَّرِيعَةِ الْوُسْطَى الْعَادِلَةِ السَّمْحَةِ الرَّحِيمَةِ الَّتِي يَبْعَثُ بِهَا خَاتَمَ الرُّسُلِ الَّذِي أَوْجَبَ اتِّبَاعَهُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنَ الرُّسُلِ وَأَقْوَامِهِمْ .