فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون يطلب التعزير في اللغة على الرد والضرب والمنع والتأديب والتعظيم ، وقال الراغب : التعزير النصرة مع التعظيم ، وروي عن : عزروه : عظموه ووقروه . لكن ورد في سورة الفتح ابن عباس لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا ( 48 : 9 ) والأقرب إلى فقه اللغة ما حققه في الكشاف هنا قال : ( وعزروه ) ومنعوه حتى لا يقوى عليه عدو ، وأصل العزر المنع ، ومنه التعزير للضرب دون الحد ؛ لأنه منع عن معاودة القبيح ألا ترى إلى تسميته الحد ، والحد هو المنع اهـ . جاء في لسان العرب - بعد نقل الأقوال وجعله من قبيل الأضداد . والعزر النصر بالسيف . وعزروه عزرا ، وعزره ( تعزيرا ) أعانه وقواه ونصره ، قال الله - تعالى - : الزمخشري وتعزروه وتوقروه وقال - تعالى - : وعزرتموهم ( 5 : 12 ) جاء في التفسير : لتنصروه بالسيف ، ومن نصر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسيف فقد نصر الله - عز وجل - ، وعزرتموهم : عظمتموهم ، وقيل : نصرتموهم . قال إبراهيم بن السري : وهذا هو الحق ، و الله - تعالى - أعلم - وذلك أن العزر في اللغة الرد والمنع ، وتأويل عزرت فلانا ؛ أي : أدبته ، إنما تأويله فعلت به ما يردعه عن القبيح ، كما إذا نكلت به ؛ تأويله : فعلت به ما يجب أن ينكل معه عن المعاودة ، فتأويل عزرتموهم نصرتموهم بأن تردوا عنهم أعداءهم ، ولو كان التعزير هو التوقير لكان الأجود في اللغة الاستغناء به ، والنصرة إذا وجبت فالتعظيم داخل فيها ؛ لأن نصرة الأنبياء هي المدافعة عنهم أو الذب عن دينهم وتعظيمهم وتوقيرهم ، انتهى المراد منه .
والمعنى : إن الذين آمنوا - أي : يؤمنون - بالرسول النبي الأمي عند مبعثه ؛ أي : من قوم موسى ، ومن كل قوم - فإنه لم يقل : فالذين آمنوا به منهم ؛ بل أطلق - ويعزرونه بأن يمنعوه ويحموه من كل من يعاديه مع التعظيم والإجلال ، لا كما يحمون بعض ملوكهم مع الكره والاشمئزاز ونصروه باللسان والسنان ، واتبعوا النور الأعظم الذي أنزل مع رسالته وهو القرآن ، أولئك هم المفلحون ؛ أي الفائزون بالرحمة العظمى والرضوان ، دون سواهم من أهل كل زمان ومكان ، فمنهم الفائزون بدون ما يفوز به هؤلاء ، كأتباع سائر الأنبياء ، ومنهم الخائبون المخذولون ؛ أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون .