الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( الأمر السادس )

                          مؤلفو العهد الجديد باعتقاد المسيحيين ذوو إلهام ، وقد نقلوا الإخبارات في حق عيسى - عليه السلام - ، فيكون هذا النقل على زعمهم بالإلهام ، فأذكر نبذا منها بطريق الأنموذج ؛ ليقيس المخاطب حال هذه الإخبارات بالإخبارات التي أنقلها في هذا المسلك في حق محمد - صلى الله عليه وسلم - وإن سلك أحد من القسيسين مسلك الاعتساف ، وتصدى لتأويل الإخبارات التي أنقلها في هذا المسلك ، يجب عليه أن يوجه أولا الإخبارات التي نقلها مؤلفو العهد الجديد في حق عيسى - عليه السلام - ؛ ليظهر للمنصف اللبيب حال الإخبارات التي نقلها الجانبان ، ويقابلهما باعتبار القوة والضعف ، وإن غمض النظر في توجيه الإخبارات العيسوية التي نقلها المؤلفون المذكورون ، وأول الإخبارات المحمدية التي أنقلها في هذا المسلك يكون محمولا على عجزه وتعصبه ؛ لأنك قد علمت في الأمر الثاني والخامس أن [ ص: 206 ] المعاند له مجال واسع للتأويل في أمثال هذه الإخبارات ، وإنما اكتفيت على نبذ مما نقله مؤلفو العهد الجديد ؛ لأنه إذا ظهر أن البعض منها غلط يقينا ، والبعض منها محرف ، والبعض منها لا يصدق على عيسى - عليه السلام - إلا بالادعاء البحت والتحكم الصرف ، ظهر أن حال الإخبارات الأخر التي نقلها المسيحيون الذين ليسوا ذوي إلهام ووحي يكون أسوأ ، فلا حاجة إلى نقلها .

                          ( الخبر الأول ) ما هو المنقول في الباب الأول من إنجيل متى ؟ وقد عرفت في بيان الغلط الخمسين في الفصل الثالث من الباب الأول أنه غلط على أن كون مريم عذراء [ ص: 207 ] وقت الحبل غير مسلم عند اليهود والمنكرين ، ولا يتم عليهم حجة ؛ لأنها قبل ولادة عيسى - عليه السلام - كانت في نكاح يوسف النجار على تصريح الإنجيل ، واليهود المعاصرون لعيسى - عليه السلام - يقولون : إنه ولد يوسف النجار كما هو مصرح به في الآية 55 من الباب 13 من إنجيل متى ، والآية 45 من الباب الأول ، والآية 42 من الباب السادس من إنجيل يوحنا ، وإلى الآن يقولون هكذا ، بل أشنع منه . والعلامة الأخرى المختصة بعيسى - عليه السلام - غير مذكورة في هذا الخبر .

                          ( الخبر الثاني ) ما هو المنقول في الآية السادسة من الباب الثاني من إنجيل متى ؟ وهو إشارة إلى الآية الثانية من الباب الخامس من كتاب ميخا ، ولا تطابق عبارة متى عبارة ميخا ، فإحداهما محرفة ، وقد عرفت في الشاهد الثالث والعشرين من المقصد الأول من الباب الثاني أن محققيهم اختاروا تحريف عبارة ميخا ؛ لكن ادعوا أن هذا لأجل المحافظة على الإنجيل فقط و ( هو ) عند المخالف باطل .

                          ( الخبر الثالث ) ما هو المنقول في الآية الخامسة عشرة من الباب المذكور من إنجيل متى ؟ [ ص: 208 ] ( الخبر الرابع ) ما هو المنقول في الآية 17 ، 18 من الباب المذكور ؟ ( 1 ، 2 ) ( الخبر الخامس ) ما هو المنقول في الآية الثالثة والعشرين من الباب المذكور ؟ وهذه الأخبار الثلاثة غلط ، كما عرفت في الفصل الثالث من الباب الأول .

                          [ ص: 209 ] ( الخبر السادس ) الآية التاسعة من الباب السابع والعشرين من إنجيل متى ، وقد عرفت في الشاهد الرابع والعشرين من المقصد الثاني من الباب الثاني أنه غلط ، على أن هذا الحال يوجد في الباب الحادي عشر من كتاب زكريا ، ولا مناسبة له بالقصة التي نقلها متى ؛ لأن زكريا - عليه السلام - بعد ما ذكر اسمي عصوين ورعي قطيع ( فإنه ) يقول هكذا - ترجمة عربية سنة 1844 - ( 12 وقلت لهم ، إن حسن في أعينكم فهاتوا أجري وإلا فكفوا ، فوزنوا أجري ثلاثين من الفضة ) 13 ( وقال لي الرب ألقها إلى صناع التماثيل ثمنا كريما ثمنوني به ، فأخذت الثلاثين من الفضة ألقيتها في بيت الرب إلى صناع التماثيل ) فظاهر كلام زكريا أنه بيان حال لا إخبار عن الحادثة الآتية ، وأن يكون آخذ الدراهم من الصالحين مثل زكريا - عليه السلام - ، لا من الكافرين مثل يهوذا .

                          ( الخبر السابع ) ما نقله بولس في الآية السادسة من الباب الأول من الرسالة العبرانية ، وقد عرفت حاله في الفصل الثالث أنه غلط لا يصدق على عيسى - عليه السلام - .

                          ( والخبر الثامن ) الآية الخامسة والثلاثون من الباب الثالث عشر من إنجيل متى هكذا ( لكي يتم ما قيل بالنبي القائل سأفتح بأمثال فمي وأنطق بمكتوبات منذ تأسيس العالم ) وهو إشارة إلى الآية الثانية من الزبور الثامن والسبعين ، لكنه ادعاء محض وتحكم بحت ؛ لأن عبارة هذا الزبور هكذا ( 2 أفتح بالأمثال فمي وأنطق بالذي كان قديما 3 كل ما سمعناه وعرفناه وآباؤنا أخبرونا 4 ولم يخفوه عن أولادهم إلى الجيل الآخر إذ يخبرون بتسابيح الرب وقواته وعجائبه التي صنع 5 إذ أقام الشهادة في يعقوب ووضع الناموس [ ص: 210 ] في إسرائيل كل الذي أوصى آباؤنا ليعرفوا به أبناءهم 6 لكي ما يعلم الجيل الآخر بينهم المولودين 7 فيقومون أيضا ويخبرون به أبناءهم 8 لكي يجعلوا اتكالهم على الله ، ولا ينسوا أعمال الله ويلتمسوا وصاياه 9 لئلا يكونوا مثل آبائهم الجيل الأعرج المتمرد الذي لم يستقم قلبه ولا آمنت بالله روحه ) .

                          وهذه الآيات صريحة في أن داود - عليه السلام - يريد نفسه ، ولذا عبر عن نفسه بصيغة المتكلم ، ويروي الحالات التي سمعها من الآباء ليبلغها إلى الأبناء على حسب عهد الله ، لتبقى الرواية محفوظة ، وبين من الآية العاشرة إلى الخامسة والستين حال إنعامات الله والمعجزات الموسوية ، وشرارة بني إسرائيل ، وما لحقهم بسببها ، ثم قال ( 66 واستيقظ الرب كالنائم مثل الجبار المفيق من الخمر 67 فضرب أعداءه في الوراء وجعلهم عارا إلى الدهر 68 وأبعد محله يوسف ولم يخبر سبط أفرام 69 بل اختار سبط يهوذا لجبل صهيون الذي أحب 70 وبنى مثل وحيد القرن قدسه وأسسه في الأرض إلى الأبد 71 واختار داود عبده وأخذه من مراعي الغنم 72 ومن خلف المرضعات أخذه ليرعى يعقوب عبده وإسرائيل ميراثه 73 فرعاهم بدعة قبله ويفهم يديه أهداهم ) .

                          وهذه الآيات الأخيرة أيضا دالة صراحة على أنه هذا الزبور في حق داود - عليه السلام - ، فلا علاقة لهذا بعيسى - عليه السلام - .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية