أما
nindex.php?page=treesubj&link=17406_28683حب الله تعالى - أي حب عبده له - فهو الذي يجب أن يكون فوق كل حب ; لأنه سبحانه وتعالى هو المتصف وحده بكل ما شأنه أن يحب من جمال وكمال ، وبر وإحسان ، وكل من يحب وما يحب في الوجود فهو من صنعه وفيض جوده وإحسانه ، ومظهر أسمائه الحسنى وصفاته ، فمن الطبيعي المعقول أن يكون حب الوالد للولد ، وما يتضمنه من عطف وأمل ، شعبة من حب واهبه ، ومودع العطف والرحمة في قلب والديه له . وأن يكون حب الولد لوالده ومربيه عندما يعقل جزءا من حب ربه الذي سخره له ، وساقه بغريزة الفطرة وحكم الشريعة لتربيته ، وهو عز وجل رب كل شيء ، المربي الحق لكل حي ، بسننه في الغرائز والقوى والأخلاق ، وما يترتب عليها من الأعمال ، وهو جل ثناؤه الخلف والعوض من كل واحد ليتيمه ، ومن كل ولد لأبيه وأمه ، ومن الطبيعي المعقول أن يكون حب الأخ لأخيه كذلك بالأولى ، وكذلك حب الزوج للزوج لا يشذ عن هذه القاعدة ، فهو الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى ، وهو الذي أودع المحبة الزوجية في الأنفس ، ولم يخصها بفرد معين
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ( 30 : 21 ) وحب العشيرة أحق وأولى بالدخول في عمومها ، فإن الباعث عليه التعاون والتناصر بوشيجة القرابة ، وقد حل محلها في الإسلام ما هو أقوى وأعظم ، وهو تناصر أهل الملة الكبيرة بمقتضى أحكام الشريعة ، والله ولي المؤمنين ونصيرهم بوجه أخص
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=126وما النصر إلا من عند الله ( 3 : 126 ) بالوجه الأعم .
[ ص: 209 ] وكذلك الأموال بجميع أنواعها ، ومنها عروض التجارة التي يرجى رواجها ، ويخشى كسادها - كلها من جوده وعطائه وتسخيره - وحبها يجب أن يكون دون حبه بل هو دون ما تقدمه من الحب وإن فتن به أكثر الماديين ، وكثير من الذين حرموا تهذيب الدين ، فصارت أموالهم من أسباب شقائهم في دنياهم حتى إن منهم من يبخل بها عن نفسه وأهله وولده ، والمساكن دون الأموال ; لأن صاحب المال يمكنه أن يبني منها مثل ما يفقده أو خيرا منه ، وقد أغنى الله المؤمنين الصادقين عن كل ما فقدوا أو خافوا أن يفقدوا بنبذ عهود المشركين ، وعودة حال الحرب بينهما ، وكذب وهم ضعفاء الإيمان . وإيهام المنافقين لهم بأن الجهاد في سبيل الله سبب الكساد والخسران ، وصدق وعد الله للمؤمنين باستخلافه إياهم في الأرض ، وتمكينهم فيها ، وجعلهم أغنى أهلها ما داموا مهتدين به كما وعدهم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ( 24 : 55 ) إلخ ولو عادوا إلى تلك الهداية ، لعادت إليهم تلك الخلافة .
وإن فوق جميع هذه الأنواع من حبه تعالى لفضله وإحسانه بالإيجاد والإمداد في الدنيا ، وتسخير قواها ومنافعها للناس ، وحبه لما وعد به مما يشبهه ، ولكن يعلوه ويفوقه من الثواب في الدار الآخرة نوع آخر هو حب العبادة المحضة والمعروفة العليا . وقد بينا معناه وسببه في تفسير :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=165nindex.php?page=treesubj&link=28973ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ( 2 : 165 ) وبينا خطأ المشركين في إشراك أندادهم معه فيه لتوهمهم أنهم وسيلة إليه وشفعاء عنده يقربون من توسل بهم إليه زلفى . وكون المؤمنين أشد منهم حبا لله ; لأنهم أعلم بما يجب العلم به من صفات جلاله وجماله وكماله ، ومن توحده بالربوبية - ومن آثارها التدبير والنفع والضر بالأسباب التي هو خالقها ومسخرها وبغير الأسباب إن شاء وانفراده بالأولوهية وهي كونه هو المعبود الحق وحده ، فحبهم إياه مجتمع ثابت كامل لا شائبة للإشراك فيه ، وبينا في مقابلة هذا كون حب المشركين للأنداد بسبب ذلك الاعتقاد نهيا مقسما على معبودات متعددة .
ثم إن
nindex.php?page=treesubj&link=17406_28683حب المؤمن العارف لله تعالى له درجات تتفاوت بتفاوت معارفه بآيات الله في خلقه الدالة على صفات جماله وكماله ، ومقدار إدراكه لما فيها من الإبداع والإتقان كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88صنع الله الذي أتقن كل شيء ( 27 : 88 ) وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=7الذي أحسن كل شيء خلقه ( 32 : 7 ) وقد بينا هذا في تفسير قوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ( 3 : 31 ) كما بينا فيه
nindex.php?page=treesubj&link=29700معنى حبه تعالى لعباده الموحدين المتبعين لما جاء به رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من النور والهدى والفرقان . وقد جهل علماء الألفاظ والتقاليد كنه هذا
[ ص: 210 ] الحب فتأولوه كما تأولوا غيره من صفات الله تعالى وشئونه الكمالية ، توهما منهم أنها تعارض تنزهه عن مشابهة الناس في صفاتهم البشرية ، فكان حظهم من معرفة ربهم وإلههم التعطيل بشبهة التنزيه الذي هو معنى سلبي محض ثم أعدنا بيان ما ذكر في تفسير قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ( 5 : 54 ) .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=25031حب رسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله فهو دون حبه عز وجل ، وفوق حب تلك الأصناف الثمانية وغيرها ممن يحب من الخلق كالعلماء العاملين ، والمرشدين المربين ، والفنانين المتقين ، والزعماء السياسيين ، والأغنياء المحسنين فإنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان المثل البشري الأعلى ، والأسوة الحسنة المثلى ، في أخلاقه وآدابه وفضائله وفواضله وسياسته ورياسته وسائر هديه ، قد خصه الله بجعله خاتم النبيين ، وإرساله رحمة للعالمين ، وجعل اتباعه هو الدليل على حب متبعه لله عز وجل ، وجعل جزاءه عنده حبه تعالى لمتبعه ، ومغفرته لجميع ذنوبه ، وذلك نص آية ( 3 : 31 ) آل عمران التي ذكرناها آنفا ، وسنزيد هذا الحب وحب الله تعالى بيانا في هذا المقام ، وقد عطف عليهما الجهاد في سبيله منكرا; لأنه أظهر آياتهما ونكتة تنكيره وإبهامه إفادة أن كل نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله قل أو كثر ، فإن تاركه لأجل حب شيء من تلك الأصناف الثمانية وتفضيلها عليه يستحق الوعيد الذي في الآية ،
nindex.php?page=treesubj&link=27390والجهاد أنواع ترجع إلى جنسين : الجهاد بالمال ، والجهاد بالنفس . والقتال نوع من أنواع الجنس الثاني ، ومنها أنواع أخرى علمية وعملية . فمهندس الحرب الحق العادلة مجاهد في سبيل الله ، وواضع الرسوم لمواطنها وطرقها كذلك ، إلخ .
وإذا كان الأمر كذلك - وهو كذلك - فلا ريب أن من كان ما ذكر من الأصناف الثمانية كلها أو بعضها أحب إليه من الله ورسوله وجهاد في سبيله ، فهو غير تام الإيمان أو غير صحيحه كما تشير إليه آية المائدة ( 5 : 54 ) التي استشهدنا بها آنفا . فقوله عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24فتربصوا حتى يأتي الله بأمره و . . . أبهم لتذهب أنفسهم فيه كل مذهب ، وأقرب ما يفسر به قوله في وعيد المنافقين من هذه السورة :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=52قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا ( 52 ) وما كان أولئك الذين يؤثرون حب أهلهم وأموالهم على حب الله ورسوله ، والجهاد في سبيله إلا من المنافقين فهم الذين كانوا يثبطون المؤمنين عن الجهاد ، ويوحون إليهم زخرف الاعتراض على نبذ عهود المشركين ، وإعلان حالة الحرب بينهم وبين المؤمنين ، كما بيناه مرارا . وما روي عن
مجاهد أن المعنى
[ ص: 211 ] حتى يأتي الله بالأمر بالهجرة ، وأن هذا كله كان قبل فتح
مكة - فما أراه يصح عنه ، وقد تقدم نقل الاتفاق على نزول هذه الآيات ( وكذا السورة جلها أو كلها ) بعد فتح
مكة وغزوة
حنين وتبوك ، وأنها مما بلغ للمشركين في موسم سنة تسع بعد سقوط فريضة الهجرة بنص حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=919615لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث
مجاشع بن مسعود مرفوعا . ورواه في مواضع أخرى بلفظ " بعد الفتح " من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ والوعيد هنا على ترك الجهاد دون الهجرة .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=28980والله لا يهدي القوم الفاسقين الفسق في اللغة: خروج الشيء أو الشخص عما كان فيه أو عما من شأنه أن يكون فيه بحسب الخلقة أو العرف أو الشريعة قال في المصباح : ويقال أصله خروج الشيء من الشيء على وجه الفساد ، يقال : فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها . وكذلك كل شيء خرج عن قشره فقد فسق ، قاله
السرقسطي ، وقيل للحيوانات الخمس فواسق; استعارة وامتهانا لهن لكثرة خبثهن وأذاهن ، حتى قيل يقتلن في الحل وفي الحرم ، وفي الصلاة ولا تبطل الصلاة بذلك . اهـ . وهو في الاستعارة الخروج من حدود الدين والشريعة بالكفر المخرج من الملة أو فيما دونه من الكبائر ، وفي اصطلاح الفقهاء تخصيصه بالأخير ، وقد يستعمل في القرآن بمعنى الخروج من سلامة الفطرة إلى فساد الطباع ، ومن نور العقل إلى ظلمة الجهل والتقليد كما بيناه في تفسير :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=99ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون ( 2 : 99 ) بحيث يكون متمردا لا يقبل هداية الدين . والمعنى هنا : وقد مضت سنة الله تعالى في القوم الفاسقين المارقين من الدين بعد معرفته كالمنافقين أو يكونوا محرومين من الهداية الفطرية التي يعرفها الناس بالعقل السليم والوجدان الصحيح ، فلا يعرفون ما فيه مصلحتهم وسعادتهم من اتباعه ، فيؤثرون حب القرابة والمنفعة العارضة كالمال والتجارة على حب الله ورسوله ، والجهاد المفروض في سبيله ، ويصح تفسيره بمقابله وعكسه فيقال : وقد مضت سنته تعالى في القوم الفاسقين من محيط الفطرة السليمة ، ونور العقل الراجح اتباعا للهوى أو التقليد أو يحرموا من فقه هداية الدين فلا يعقلونها وأهمها العلم بما في إيثار حب الله وحب رسوله ، والجهاد في سبيله من الصلاح والإصلاح . والفوز بسعادة الدارين بما يقتضيه الولاء والاتحاد بين المؤمنين من إزالة خرافات الشرك ومفاسده ، وإقامة الحق والعدل وما يستلزمهما من ثبات الملك .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=17406_28683حُبُّ اللَّهِ تَعَالَى - أَيْ حُبُّ عَبْدِهِ لَهُ - فَهُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ كُلِّ حُبٍّ ; لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُتَّصِفُ وَحْدَهُ بِكُلِّ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُحَبَّ مِنْ جَمَالٍ وَكَمَالٍ ، وَبِرٍّ وَإِحْسَانٍ ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ وَمَا يُحَبُّ فِي الْوُجُودِ فَهُوَ مِنْ صُنْعِهِ وَفَيْضِ جُودِهِ وَإِحْسَانِهِ ، وَمَظْهَرِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ ، فَمِنَ الطَّبِيعِيِّ الْمَعْقُولِ أَنْ يَكُونَ حُبُّ الْوَالِدِ لِلْوَلَدِ ، وَمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ عَطْفٍ وَأَمَلٍ ، شُعْبَةً مِنْ حُبِّ وَاهِبِهِ ، وَمُودِعِ الْعَطْفِ وَالرَّحْمَةِ فِي قَلْبِ وَالِدَيْهِ لَهُ . وَأَنْ يَكُونَ حُبُّ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَمُرَبِّيهِ عِنْدَمَا يَعْقِلُ جُزْءًا مِنْ حُبِّ رَبِّهِ الَّذِي سَخَّرَهُ لَهُ ، وَسَاقَهُ بِغَرِيزَةِ الْفِطْرَةِ وَحُكْمِ الشَّرِيعَةِ لِتَرْبِيَتِهِ ، وَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ، الْمُرَبِّي الْحَقُّ لِكُلِّ حَيٍّ ، بِسُنَنِهِ فِي الْغَرَائِزِ وَالْقُوَى وَالْأَخْلَاقِ ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْأَعْمَالِ ، وَهُوَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَلَفُ وَالْعِوَضُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ لِيَتِيمِهِ ، وَمَنْ كُلِّ وَلَدٍ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ ، وَمِنَ الطَّبِيعِيِّ الْمَعْقُولِ أَنْ يَكُونَ حُبُّ الْأَخِ لِأَخِيهِ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى ، وَكَذَلِكَ حُبُّ الزَّوْجِ لِلزَّوْجِ لَا يَشِذُّ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ، فَهُوَ الَّذِي خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ، وَهُوَ الَّذِي أَوْدَعَ الْمَحَبَّةَ الزَّوْجِيَّةَ فِي الْأَنْفُسِ ، وَلَمْ يَخُصَّهَا بِفَرْدٍ مُعَيَّنٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ( 30 : 21 ) وَحُبُّ الْعَشِيرَةِ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِالدُّخُولِ فِي عُمُومِهَا ، فَإِنَّ الْبَاعِثَ عَلَيْهِ التَّعَاوُنُ وَالتَّنَاصُرُ بِوَشِيجَةِ الْقَرَابَةِ ، وَقَدْ حَلَّ مَحَلَّهَا فِي الْإِسْلَامِ مَا هُوَ أَقْوَى وَأَعْظَمُ ، وَهُوَ تَنَاصُرُ أَهْلِ الْمِلَّةِ الْكَبِيرَةِ بِمُقْتَضَى أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ ، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ وَنَصِيرُهُمْ بِوَجْهٍ أَخَصَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=126وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ( 3 : 126 ) بِالْوَجْهِ الْأَعَمِّ .
[ ص: 209 ] وَكَذَلِكَ الْأَمْوَالُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا ، وَمِنْهَا عُرُوضُ التِّجَارَةِ الَّتِي يُرْجَى رَوَاجُهَا ، وَيُخْشَى كَسَادُهَا - كُلُّهَا مِنْ جُودِهِ وَعَطَائِهِ وَتَسْخِيرِهِ - وَحُبُّهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ دُونَ حُبِّهِ بَلْ هُوَ دُونَ مَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الْحُبِّ وَإِنْ فُتِنَ بِهِ أَكْثَرُ الْمَادِّيِّينَ ، وَكَثِيرٌ مِنَ الَّذِينَ حُرِمُوا تَهْذِيبَ الدِّينِ ، فَصَارَتْ أَمْوَالُهُمْ مِنْ أَسْبَابِ شَقَائِهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَبْخَلُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ ، وَالْمَسَاكِنُ دُونَ الْأَمْوَالِ ; لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْنِيَ مِنْهَا مِثْلَ مَا يَفْقِدُهُ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ ، وَقَدْ أَغْنَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ عَنْ كُلِّ مَا فَقَدُوا أَوْ خَافُوا أَنْ يَفْقِدُوا بِنَبْذِ عُهُودِ الْمُشْرِكِينَ ، وَعَوْدَةِ حَالِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمَا ، وَكَذَبَ وَهْمُ ضُعَفَاءِ الْإِيمَانِ . وَإِيهَامُ الْمُنَافِقِينَ لَهُمْ بِأَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سَبَبُ الْكَسَادِ وَالْخُسْرَانِ ، وَصَدَقَ وَعْدُ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِاسْتِخْلَافِهِ إِيَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ، وَتَمْكِينِهِمْ فِيهَا ، وَجَعْلِهِمْ أَغْنَى أَهْلِهَا مَا دَامُوا مُهْتَدِينَ بِهِ كَمَا وَعَدَهُمْ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ( 24 : 55 ) إِلَخْ وَلَوْ عَادُوا إِلَى تِلْكَ الْهِدَايَةِ ، لَعَادَتْ إِلَيْهِمْ تِلْكَ الْخِلَافَةُ .
وَإِنَّ فَوْقَ جَمِيعِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ مِنْ حُبِّهِ تَعَالَى لِفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ بِالْإِيجَادِ وَالْإِمْدَادِ فِي الدُّنْيَا ، وَتَسْخِيرِ قُوَاهَا وَمَنَافِعِهَا لِلنَّاسِ ، وَحُبِّهِ لِمَا وَعَدَ بِهِ مِمَّا يُشْبِهُهُ ، وَلَكِنْ يَعْلُوهُ وَيَفُوقُهُ مِنَ الثَّوَابِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ نَوْعٌ آخَرُ هُوَ حُبُّ الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ وَالْمَعْرُوفَةِ الْعُلْيَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَاهُ وَسَبَبَهُ فِي تَفْسِيرِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=165nindex.php?page=treesubj&link=28973وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ( 2 : 165 ) وَبَيَّنَّا خَطَأَ الْمُشْرِكِينَ فِي إِشْرَاكِ أَنْدَادِهِمْ مَعَهُ فِيهِ لِتَوَهُّمِهِمْ أَنَّهُمْ وَسِيلَةٌ إِلَيْهِ وَشُفَعَاءُ عِنْدَهُ يُقَرِّبُونَ مَنْ تَوَسَّلَ بِهِمْ إِلَيْهِ زُلْفَى . وَكَوْنُ الْمُؤْمِنِينَ أَشَدَّ مِنْهُمْ حُبًّا لِلَّهِ ; لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِمَا يَجِبُ الْعِلْمُ بِهِ مِنْ صِفَاتِ جَلَالِهِ وَجَمَالِهِ وَكَمَالِهِ ، وَمِنْ تَوَحُّدِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ - وَمِنْ آثَارِهَا التَّدْبِيرُ وَالنَّفْعُ وَالضُّرُّ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي هُوَ خَالِقُهَا وَمُسَخِّرُهَا وَبِغَيْرِ الْأَسْبَابِ إِنْ شَاءَ وَانْفِرَادُهُ بِالْأُولُوهِيَّةِ وَهِيَ كَوْنُهُ هُوَ الْمَعْبُودَ الْحَقَّ وَحْدَهُ ، فَحُبُّهُمْ إِيَّاهُ مُجْتَمِعٌ ثَابِتٌ كَامِلٌ لَا شَائِبَةَ لِلْإِشْرَاكِ فِيهِ ، وَبَيَّنَّا فِي مُقَابَلَةِ هَذَا كَوْنَ حُبِّ الْمُشْرِكِينَ لِلْأَنْدَادِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ نَهْيًا مُقَسَّمًا عَلَى مَعْبُودَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ .
ثُمَّ إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=17406_28683حُبَّ الْمُؤْمِنِ الْعَارِفِ لِلَّهِ تَعَالَى لَهُ دَرَجَاتٌ تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ مَعَارِفِهِ بِآيَاتِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ الدَّالَّةِ عَلَى صِفَاتِ جَمَالِهِ وَكَمَالِهِ ، وَمِقْدَارِ إِدْرَاكِهِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْإِبْدَاعِ وَالْإِتْقَانِ كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ( 27 : 88 ) وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=7الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ( 32 : 7 ) وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ( 3 : 31 ) كَمَا بَيَّنَّا فِيهِ
nindex.php?page=treesubj&link=29700مَعْنَى حُبِّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْمُوَحِّدِينَ الْمُتَّبِعِينَ لِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنَ النُّورِ وَالْهُدَى وَالْفُرْقَانِ . وَقَدْ جَهِلَ عُلَمَاءُ الْأَلْفَاظِ وَالتَّقَالِيدِ كُنْهَ هَذَا
[ ص: 210 ] الْحَبِّ فَتَأَوَّلُوهُ كَمَا تَأَوَّلُوا غَيْرَهُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَشُئُونِهِ الْكَمَالِيَّةِ ، تَوَهُّمًا مِنْهُمْ أَنَّهَا تُعَارِضُ تَنَزُّهَهُ عَنْ مُشَابَهَةِ النَّاسِ فِي صِفَاتِهِمُ الْبَشَرِيَّةِ ، فَكَانَ حَظُّهُمْ مِنْ مَعْرِفَةِ رَبِّهِمْ وَإِلَهِهِمُ التَّعْطِيلَ بِشُبْهَةِ التَّنْزِيهِ الَّذِي هُوَ مَعْنًى سَلْبِيٌّ مَحْضٌ ثُمَّ أَعَدْنَا بَيَانَ مَا ذُكِرَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ( 5 : 54 ) .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=25031حُبُّ رَسُولِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ فَهُوَ دُونُ حُبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَفَوْقَ حُبِّ تِلْكَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ يُحِبُّ مِنَ الْخَلْقِ كَالْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ ، وَالْمُرْشِدِينَ الْمُرَبِّينَ ، وَالْفَنَّانِينَ الْمُتَّقِينَ ، وَالزُّعَمَاءِ السِّيَاسِيِّينَ ، وَالْأَغْنِيَاءِ الْمُحْسِنِينَ فَإِنَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَ الْمَثَلَ الْبَشَرِيَّ الْأَعْلَى ، وَالْأُسْوَةَ الْحَسَنَةَ الْمُثْلَى ، فِي أَخْلَاقِهِ وَآدَابِهِ وَفَضَائِلِهِ وَفَوَاضِلِهِ وَسِيَاسَتِهِ وَرِيَاسَتِهِ وَسَائِرِ هَدْيِهِ ، قَدْ خَصَّهُ اللَّهُ بِجَعْلِهِ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ ، وَإِرْسَالِهِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، وَجَعَلَ اتِّبَاعَهُ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى حُبِّ مُتَّبَعِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَجَعَلَ جَزَاءَهُ عِنْدَهُ حُبَّهُ تَعَالَى لِمُتَّبِعِهِ ، وَمَغْفِرَتَهُ لِجَمِيعِ ذُنُوبِهِ ، وَذَلِكَ نَصُّ آيَةِ ( 3 : 31 ) آلِ عِمْرَانَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا ، وَسَنَزِيدُ هَذَا الْحُبَّ وَحُبَّ اللَّهِ تَعَالَى بَيَانًا فِي هَذَا الْمَقَامِ ، وَقَدْ عَطَفَ عَلَيْهِمَا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِهِ مُنْكِرًا; لِأَنَّهُ أَظْهَرَ آيَاتِهِمَا وَنُكْتَةَ تَنْكِيرِهِ وَإِبْهَامِهِ إِفَادَةُ أَنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، فَإِنَّ تَارِكَهُ لِأَجْلِ حُبِّ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَتَفْضِيلِهَا عَلَيْهِ يَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ الَّذِي فِي الْآيَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=27390وَالْجِهَادُ أَنْوَاعٌ تَرْجِعُ إِلَى جِنْسَيْنِ : الْجِهَادُ بِالْمَالِ ، وَالْجِهَادُ بِالنَّفْسِ . وَالْقِتَالُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْجِنْسِ الثَّانِي ، وَمِنْهَا أَنْوَاعٌ أُخْرَى عِلْمِيَّةٌ وَعَمَلِيَّةٌ . فَمُهَنْدِسُ الْحَرْبِ الْحَقِّ الْعَادِلَةِ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَوَاضِعُ الرُّسُومِ لِمَوَاطِنِهَا وَطُرُقِهَا كَذَلِكَ ، إِلَخْ .
وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ - وَهُوَ كَذَلِكَ - فَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ كَانَ مَا ذَكَرَ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ ، فَهُوَ غَيْرُ تَامِّ الْإِيمَانِ أَوْ غَيْرُ صَحِيحِهِ كَمَا تُشِيرُ إِلَيْهِ آيَةُ الْمَائِدَةِ ( 5 : 54 ) الَّتِي اسْتَشْهَدْنَا بِهَا آنِفًا . فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَ . . . أَبْهَمَ لِتَذْهَبَ أَنْفُسُهُمْ فِيهِ كُلَّ مَذْهَبٍ ، وَأَقْرَبُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ قَوْلَهُ فِي وَعِيدِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=52قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ( 52 ) وَمَا كَانَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْثِرُونَ حُبَّ أَهْلِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ عَلَى حُبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ إِلَّا مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يُثَبِّطُونَ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْجِهَادِ ، وَيُوحُونَ إِلَيْهِمْ زُخْرُفَ الِاعْتِرَاضِ عَلَى نَبْذِ عُهُودِ الْمُشْرِكِينَ ، وَإِعْلَانِ حَالَةِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ، كَمَا بَيَّنَّاهُ مِرَارًا . وَمَا رُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ أَنَّ الْمَعْنَى
[ ص: 211 ] حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِالْأَمْرِ بِالْهِجْرَةِ ، وَأَنَّ هَذَا كُلَّهُ كَانَ قَبْلَ فَتْحِ
مَكَّةَ - فَمَا أَرَاهُ يَصِحُّ عَنْهُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الِاتِّفَاقِ عَلَى نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ ( وَكَذَا السُّورَةُ جُلُّهَا أَوْ كُلُّهَا ) بَعْدَ فَتْحِ
مَكَّةَ وَغَزْوَةِ
حُنَيْنٍ وَتَبُوكَ ، وَأَنَّهَا مِمَّا بُلِّغَ لِلْمُشْرِكِينَ فِي مَوْسِمِ سَنَةِ تِسْعٍ بَعْدَ سُقُوطِ فَرِيضَةِ الْهِجْرَةِ بِنَصِّ حَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=919615لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ
مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا . وَرَوَاهُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى بِلَفْظِ " بَعْدَ الْفَتْحِ " مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ وَالْوَعِيدُ هُنَا عَلَى تَرْكِ الْجِهَادِ دُونَ الْهِجْرَةِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=28980وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ الْفِسْقُ فِي اللُّغَةِ: خُرُوجُ الشَّيْءِ أَوِ الشَّخْصِ عَمَّا كَانَ فِيهِ أَوْ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ بِحَسَبِ الْخِلْقَةِ أَوِ الْعُرْفِ أَوِ الشَّرِيعَةِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ : وَيُقَالُ أَصْلُهُ خُرُوجُ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الْفَسَادِ ، يُقَالُ : فَسَقَتِ الرُّطَبَةُ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ قِشْرِهَا . وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ خَرَجَ عَنْ قِشْرِهِ فَقَدْ فَسَقَ ، قَالَهُ
السَّرَقُسْطِيُّ ، وَقِيلَ لِلْحَيَوَانَاتِ الْخَمْسِ فَوَاسِقُ; اسْتِعَارَةً وَامْتِهَانًا لَهُنَّ لِكَثْرَةِ خُبْثِهِنَّ وَأَذَاهُنَّ ، حَتَّى قِيلَ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَفِي الْحَرَمِ ، وَفِي الصَّلَاةِ وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ . اهـ . وَهُوَ فِي الِاسْتِعَارَةِ الْخُرُوجُ مِنْ حُدُودِ الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ بِالْكُفْرِ الْمُخْرِجِ مِنَ الْمِلَّةِ أَوْ فِيمَا دُونَهُ مِنَ الْكَبَائِرِ ، وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ تَخْصِيصُهُ بِالْأَخِيرِ ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ مِنْ سَلَامَةِ الْفِطْرَةِ إِلَى فَسَادِ الطِّبَاعِ ، وَمِنْ نُورِ الْعَقْلِ إِلَى ظُلْمَةِ الْجَهْلِ وَالتَّقْلِيدِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي تَفْسِيرِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=99وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ ( 2 : 99 ) بِحَيْثُ يَكُونُ مُتَمَرِّدًا لَا يَقْبَلُ هِدَايَةَ الدِّينِ . وَالْمَعْنَى هُنَا : وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ الْمَارِقِينَ مِنَ الدِّينِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ كَالْمُنَافِقِينَ أَوْ يَكُونُوا مَحْرُومِينَ مِنَ الْهِدَايَةِ الْفِطْرِيَّةِ الَّتِي يَعْرِفُهَا النَّاسُ بِالْعَقْلِ السَّلِيمِ وَالْوِجْدَانِ الصَّحِيحِ ، فَلَا يَعْرِفُونَ مَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ مِنَ اتِّبَاعِهِ ، فَيُؤْثِرُونَ حُبَّ الْقَرَابَةِ وَالْمَنْفَعَةَ الْعَارِضَةَ كَالْمَالِ وَالتِّجَارَةِ عَلَى حُبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَالْجِهَادِ الْمَفْرُوضِ فِي سَبِيلِهِ ، وَيَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِمُقَابِلِهِ وَعَكْسِهِ فَيُقَالُ : وَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُهُ تَعَالَى فِي الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ مِنْ مُحِيطِ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ ، وَنُورِ الْعَقْلِ الرَّاجِحِ اتِّبَاعًا لِلْهَوَى أَوِ التَّقْلِيدِ أَوْ يُحْرَمُوا مِنْ فِقْهِ هِدَايَةِ الدِّينِ فَلَا يَعْقِلُونَهَا وَأَهَمُّهَا الْعِلْمُ بِمَا فِي إِيثَارِ حُبِّ اللَّهِ وَحُبِّ رَسُولِهِ ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ مِنَ الصَّلَاحِ وَالْإِصْلَاحِ . وَالْفَوْزِ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ بِمَا يَقْتَضِيهِ الْوَلَاءُ وَالِاتِّحَادُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ إِزَالَةِ خُرَافَاتِ الشِّرْكِ وَمَفَاسِدِهِ ، وَإِقَامَةِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَمَا يَسْتَلْزِمُهُمَا مِنْ ثَبَاتِ الْمُلْكِ .