( 5 ) ، وولاية ونصر في القتال ، ويكون على أشده في أهل البداوة ، ومن على مقربة منهم من أهل الحضارة ، وقد أضعف الإسلام هذا النوع من الحب والولاية حب العشيرة حب عصبية وتعاون واعتزاز كما بيناه في تفسير : بالمساواة بين المسلمين في أخوة الإسلام فإخوانكم في الدين من الآية الحادية عشرة من هذه السورة ، وبتحريم الدعوة إلى عصبية والقتال على عصبية ، كما أضعفته الحياة الحضرية التامة التي توكل فيها حماية الأفراد إلى دولة الرجل دون عشيرته وقبيله ، وتجمع العشيرة على عشيرات كما في المصباح المنير ، وبه قرأ أبو بكر وعاصم .
( 6 ) - أي المكتسبة - طبيعي أيضا ، وهو أقوى في النفس من حب الأموال الموروثة ; لأن عناء الإنسان في اقترافها يجعل لها في قلبه من القيمة والمنزلة ما ليس لما جاءه عفوا ، كما هو مشهور بين الناس علما وعملا ، وقد بينا أسباب حب المال من حيث هو في تفسير آية آل عمران ( 3 : 14 ) المشار إليها آنفا . حب الأموال المقترفة
( 7 ) ، يراد به والله أعلم عروض التجارة التي يخشى كسادها في حالة الحرب ، وقد كان بعض المسلمين من أهل حب التجارة التي يخشى كسادها مكة تجارا كما ورد ، وكان لدى بعضهم شيء من عروض التجارة يخشى كسادها في أوقات الحرب ; لأن أكثر مستهلكيها كانوا من المشركين ، وكانت أسواقها تنصب في أيام موسم الحج وقد منع منه المشركون بمقتضى الآيات السابقة واللاحقة من هذه السورة ، وناهيك بحب أبي سفيان وولده للمال ، وولوعه بالتجارة ، وما كان من تأليبه المشركين على قتال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم بدر لأجل تجارته ، وقد أظهر الإسلام يوم الفتح ، ثم روي عنه أنه كان من الشامتين بهزيمة المؤمنين يوم حنين ، فتألفه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بكثرة العطاء من غنائم هوازن ، كما استماله يوم الفتح بقوله : " أبي سفيان فهو آمن " رواه من دخل دار مسلم .
( 8 ) طبيعي أيضا ، فكم ممن لا يملك مسكنا يأويه ، أو يملك قصرا لا يرضيه ، والمراد هنا فيما يظهر والله أعلم ما كان لبعض المسلمين في حب المساكن المرضية مكة والمدينة من الدور الحسنة التي كانوا يرضونها للإقامة والسكنى بما فيها من المرافق وأسباب الراحة ، ويكونون في مدة خروجهم للجهاد محرومين منها - وما كان لبعض آخر في مكة يعدونها [ ص: 208 ] للاستغلال في أيام الموسم إذ يظهر من طبيعة الأحوال أن ذلك قديم ، وهذا النوع يكون معطلا بمنع المشركين من الحج وهو ما بلغوه من هذه السورة .
فهذه ثمانية أنواع من حب القرابة والزوجية والمنافع والمرافق التي عليها مدار معايش الناس ، قد كان من شأنها أن تجعل القتال مكروها فوق الكره الذي تقتضيه ذاته الوحشية ، وما يلزمه من مفارقة هذه المحبوبات كلها أو بعضها ; ولذلك لم يشرع إلا للضرورة التي يرجح بها الإقدام عليه على الإحجام عنه ، كما قال تعالى : كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ( 2 : 216 ) الآية ، وكقوله : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ( 2 : 251 ) وغيرهما مما تقدم في تفسير هذه السورة وما قبلها من حكمة تشريع القتال ، وكونه بحسن القصد والشروط التي يوجبها الإسلام أعظم مزيل للفساد ، ومصلح لأمر العباد ، فراجعه إن كان غاب عنك فهو يفيد في فهم ما هنا . وزد عليه ما يجب إيثاره من حب الله ورسوله على كل حب ، وتقديم كل جهاد في سبيله على كل منفعة في الأرض .