: إعجاز القرآن بالعلوم الدينية والتشريع
( الوجه الخامس ) : اشتماله على العلوم الإلهية ، وأصول العقائد الدينية ، وأحكام العبادات وقوانين الفضائل والآداب وقواعد التشريع السياسي والمدني والاجتماعي الموافقة لكل زمان ومكان ، وبذلك يفضل كل ما سبقه من الكتب السماوية ، ومن الشرائع الوضعية ، ومن الآداب الفلسفية ، كما يشهد بذلك أهل العلم المنصفون من جميع الأمم الشرقية والغربية ، من آمن منهم بكونه من عند الله تعالى أنزله على رسوله الأمي ، ومن لم يؤمن بذلك ، حتى [ ص: 172 ] كبراء السياسيين من خصوم الدول الإسلامية كلورد كرومر عميد الدولة البريطانية بمصر ، فإنه شهد في تقريره السنوي الأخير عن مصر بنجاح الإسلام الباهر في التشريع الديني دون التشريع الاجتماعي والسياسي ، وعلل الأخير بأن ما وضع منذ أكثر من ألف سنة لا يمكن أن يوافق مصالح جميع الناس الآن وفي كل آن ، فكتبت إليه يومئذ كتابا سألته فيه هل يعني بأحكام الشريعة الكتاب والسنة ، أم الفقه الذي وضعه العلماء ومزجوا فيه آراءهم بما يأخذونه عنهما وخالف فيه بعضهم بعضا ؟ . وأنه إن كان يعني الكتاب والسنة فأنا مستعد لإظهار خطئه له ، فكتب إلي كتابا قال فيه : " إنني عنيت بما كتبت مجموع القوانين الإسلامية التي تسمونها الفقه ؛ لأنها هي التي تجري عليها الأحكام ، ولم أعن الدين الإسلامي نفسه " إلخ .
ولا شك أن هذا الوجه من أظهر وجوه الإعجاز ، فإن علوم العقائد الإلهية والغيبية والآداب والتشريع الديني والمدني والسياسي هي أعلى العلوم ، وقلما ينبغ فيها من الذين ينقطعون لدراستها السنين الطوال إلا الأفراد القليلون ، فكيف يستطيع رجل أمي لم يقرأ ولم يكتب ولا نشأ في بلد علم وتشريع أن يأتي ما في القرآن منها تحقيقا وكمالا ، ويؤيده بالحجج والبراهين بعد أن قضى ثلثي عمره لا يعرف شيئا منها ، ولم ينطق بقاعدة ولا أصل من أصولها ، ولا حكم بفرع من فروعها إلا أن يكون ذلك وحيا من الله تعالى ؟ .