[ ص: 397 ] ( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون ) بدأ الله تعالى السياق الطويل في أهل الكتاب بأخذ الميثاق على بني إسرائيل ، وبعث النقباء فيهم ، ثم أعاد التذكير به في أواخره هنا ، فذكره وذكر معه إرسال الرسل إليهم ، وما كان من معاملتهم لهم فقال :
( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ) تقدم أن الميثاق هو العهد الموثق المؤكد ، وأن الله أخذه عليهم في التوراة فراجع الآية الـ 13 ( ص232 ج 6 ط الهيئة ) .
وقد نقضوا الميثاق كما تبين في أوائل هذه السورة وأواخر ما قبلها ، وأما معاملتهم للرسل [ ص: 398 ] فقد بين الله تعالى إجماله بهذه القاعدة الكلية ، وهي أنهم كانوا كلما جاءهم رسول بشيء لا تهواه أنفسهم ، وإن كان مقترنا بأشياء يوافق فيها الحق أهواءهم ، عاملوه بأحد أمرين : التكذيب المستلزم للإعراض والعصيان ، أو القتل وسفك الدم . والظاهر أن جملة ( كلما جاءهم رسول ) استئناف بيان ، لا صفة لرسل كما قال الجمهور . وجعل الرسل فريقين في المعاملة ، بعد ذكر لفظ الرسول مفردا في اللفظ ، جائز ; لأن وقوعه مفردا إنما هو بعد ( كلما ) المفيدة للتكرار والتعدد ، واستحسن بعضهم أن يكون جواب " كلما " محذوفا تقديره : استكبروا وأعرضوا ، وجعل التفصيل بعد ذلك استئنافا بيانيا ، مفصلا لما ترتب على الاستكبار وعدم قبول هداية الرسل . وهو حسن لموافقته لقوله تعالى في آية أخرى : ( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) ( 2 : 87 ) وتقدم تفسيرها . والتعبير عن القتل بالمضارع مع كونه كالتكذيب وقع في الماضي نكتته تصوير جرم القتل الشنيع واستحضار هيئته المنكرة كأنه واقع في الحال للمبالغة في النعي عليهم والتوبيخ لهم . فقد أفادت الآية أنهم بلغوا من الفساد واتباع أهوائهم أخشن مركب وأشده تقحما بهم في الضلال حتى لم يعد يؤثر في قلوبهم وعظ الرسل وهديهم ، بل صار يغريهم بزيادة الكفر والتكذيب وقتل أولئك الهداة الأخيار .