قال البزار : لم يتابع أحد من الصحابة ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف . ابن مسعود
وأخرج أحمد ، ، والبخاري وغيرهم عن والنسائي قال زر بن حبيش المدينة فلقيت فقلت له : أبي بن كعب ، أبا المنذر إني رأيت لا يكتب المعوذتين في مصحفه ، فقال : أما والذي بعث ابن مسعود محمدا بالحق لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما وما سألني عنهما أحد منذ سألته غيرك ، قال : قيل لي : قل ، فقلت فقولوا فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . أتيت
وأخرج عن الطبراني ابن مسعود . أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هاتين السورتين ، فقال : قيل لي ، فقلت فقولوا كما قلت
وأخرج مسلم ، ، والترمذي وغيرهم عن والنسائي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عقبة بن عامر قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس أنزلت علي الليلة آيات لم أر مثلهن قط وأخرج ابن الضريس ، ، وابن الأنباري والحاكم وصححه وابن مردويه في الشعب عن قال عقبة بن عامر عقبة اقرأ بقل أعوذ برب الفلق ، فإنك لن تقرأ سورة أحب إلى الله وأبلغ منها ، فإذا استطعت أن لا تفوتك فافعل . قلت يا رسول الله : أقرئني سورة يوسف وسورة هود ، قال : يا
وأخرج ابن سعد ، ، والنسائي والبغوي ، والبيهقي عن أبي حابس الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبا حابس أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون ؟ قال بلى يا رسول الله ، قال : قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس هما المعوذتان . يا
وأخرج الترمذي وحسنه وابن مردويه ، والبيهقي عن قال : أبي سعيد الخدري . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان ومن عين الإنس ، فلما نزلت سورة المعوذتين أخذ بهما وترك ما سوى ذلك
وأخرج أبو داود ، ، والنسائي والحاكم وصححه عن ابن مسعود . أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره عشر خصال ، ومنها أنه كان يكره الرقى إلا بالمعوذتين
وأخرج ابن مردويه عن قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أم سلمة قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس من أحب السور إلى الله .
وأخرج ، النسائي ، وابن الضريس في صحيحه وابن حبان ، وابن الأنباري وابن مردويه قال : أخذ بمنكبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : اقرأ ، قلت : ما أقرأ بأبي أنت وأمي ؟ قال : جابر بن عبد الله قل أعوذ برب الفلق ثم قال : اقرأ ، قلت بأبي أنت وأمي ما أقرأ ؟ قال : قل أعوذ برب الناس ، ولم تقرأ بمثلهما . عن
وأخرج مالك في الموطأ عن عن ابن شهاب عروة عن عائشة . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث ، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده عليه رجاء بركتهما
وأخرجه ، البخاري ومسلم في صحيحيهما من طريق مالك بالإسناد المذكور .
وأخرج في مسنده عن عبد بن حميد قال زيد بن أرقم اليهود ، فاشتكى فأتاه سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من جبريل ، فنزل عليه بالمعوذتين ، وقال : إن رجلا من اليهود سحرك ، والسحر في بئر فلان ، فأرسل عليا فجاء به فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية ويحل حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال .
وأخرجه ابن مردويه ، والبيهقي من حديث عائشة مطولا ، وكذلك أخرجه ابن مردويه من حديث . ابن عباس
وقد ورد في فضل المعوذتين ، وفي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما في الصلاة وغيرهما أحاديث ، وفيما ذكرناه كفاية .
وأخرج في الصغير عن الطبراني قال علي بن أبي طالب . لدغت النبي صلى الله عليه وسلم عقرب وهو يصلي ، فلما فرغ قال : لعن الله العقرب لا تدع مصليا ولا غيره ، ثم دعا بماء وملح وجعل يمسح عليها ويقرأ : قل يا أيها الكافرون ، وقل هو الله أحد ، وقل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس
[ ص: 1670 ] بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد
الفلق الصبح ، يقال : هو أبين من فلق الصبح ، وسمي فلقا لأنه يفلق عنه الليل ، وهو فعل بمعنى مفعول : قال : لأن الليل ينفلق عنه الصبح ، ويكون بمعنى مفعول ، يقال : هو أبين من فلق الصبح ، ومن فرق الصبح ، وهذا قول جمهور المفسرين ، ومنه قول الزجاج ذي الرمة :
حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق هادئة في أخريات الليل منتصب
وقول الآخر :
يا ليلة لم أنمها بت مرتفقا أرعى النجوم إلى أن نور الفلق
وقيل هو سجن في جهنم ، وقيل هو اسم من أسماء جهنم ، وقيل شجرة في النار ، وقيل هو الجبال والصخور ، لأنها تفلق بالمياه أي تشقق ، وقيل هو التفليق بين الجبال ؛ لأنها تنشق من خوف الله .
قال النحاس : يقال لكل ما اطمأن من الأرض فلق ، ومنه قول زهير :
ما زلت أرمقهم حتى إذا هبطت أيدي الركاب بهم من راكس فلقا
والراكس : بطن الوادي
ومثله قول النابغة :
ودوني راكس فالضواجع
وقيل هو الرحم تنفلق بالحيوان ، وقيل هو كل ما انفلق عن جميع ما خلق الله من الحيوان والصبح والحب والنوى وكل شيء من نبات وغيره قاله الحسن ، والضحاك .
قال القرطبي : هذا القول يشهد له الانشقاق ، فإن الفلق الشق ، فلقت الشيء فلقا : شققته ، والتفليق مثله ، يقال فلقته فانفلق وتفلق ، فكل ما انفلق عن شيء من حيوان وصبح وحب ونوى وماء فهو فلق .
قال الله سبحانه فالق الإصباح [ الأنعام : 96 ] وقال فالق الحب والنوى [ الأنعام : 95 ] انتهى .
والقول الأول أولى لأن المعنى وإن كان أعم منه وأوسع مما تضمنه لكنه المتبادر عند الإطلاق .
وقد قيل في وجه تخصيص الفلق الإيماء إلى أن القادر على إزالة هذه الظلمات الشديدة عن كل هذا العالم يقدر أيضا أن يدفع عن العائذ كل ما يخافه ويخشاه ، وقيل طلوع الصبح كالمثال لمجيء الفرح ، فكما أن الإنسان في الليل يكون منتظرا لطلوع الصباح ، كذلك الخائف يكون مترقبا لطلوع صباح النجاح ، وقيل غير هذا مما هو مجرد بيان مناسبة ليس فيها كثير فائدة تتعلق بالتفسير .
من شر ما خلق متعلق بأعوذ : أي من شر كل ما خلقه سبحانه من جميع مخلوقاته فيعم جميع الشرور ، وقيل هو إبليس وذريته ، وقيل جهنم ، ولا وجه لهذا التخصيص كما أنه لا وجه لتخصيص من خصص هذا العموم بالمضار البدنية .
وقد حرف بعض المتعصبين هذه الآية مدافعة عن مذهبه وتقويما لباطله ، فقرؤوا بتنوين شر على أن ما نافية ، والمعنى : من شر لم يخلقه ومنهم ، عمرو بن عبيد وعمرو بن عائذ .
ومن شر غاسق إذا وقب الغاسق الليل ، والغسق الظلمة ، يقال غسق الليل يغسق إذا أظلم .
قال الفراء : يقال غسق الليل وأغسق إذا أظلم ، ومنه قول قيس بن الرقيات :
إن هذا الليل قد غسقا واشتكيت الهم والأرقا
وقال : قيل لليل غاسق لأنه أبرد من النهار ، والغاسق : البارد ، والغسق البرد ، ولأن في الليل تخرج السباع من آجامها والهوام من أماكنها وينبعث أهل الشر على العبث والفساد ، كذا قال ، وهو قول بارد ، فإن أهل اللغة على خلافه ، وكذا جمهور المفسرين . الزجاج
ووقوبه : دخول ظلامه ، ومنه قول الشاعر :
وقب العذاب عليهم فكأنهم لحقتهم نار السموم فأخمدوا
أي دخل العذاب عليهم ، ويقال وقبت الشمس : إذا غابت ، وقيل الغاسق الثريا ، وذلك أنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين ، وإذا طلعت ارتفع ذلك ، وبه قال ابن زيد .
وهذا محتاج إلى نقل عن العرب أنهم يصفون الثريا بالغسوق .
وقال : هو الشمس إذا غربت ، وكأنه لاحظ معنى الوقوب ولم يلاحظ معنى الغسوق ، وقيل هو القمر إذا خسف ، وقيل إذا غاب . الزهري
وبهذا قال قتادة وغيره ، واستدلوا بحديث أخرجه أحمد ، ، والترمذي ، وابن جرير وابن المنذر ، وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه ، وابن مردويه عائشة قالت نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى القمر لما طلع فقال : يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا ، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب . عن
قال الترمذي بعد إخراجه : حسن صحيح ، وهذا لا ينافي قول الجمهور ؛ لأن القمر آية الليل ولا يوجد له سلطان إلا فيه ، وهكذا يقال في جواب من قال إنه الثريا .
قال في تأويل هذا الحديث : وذلك أن أهل الريب يتحينون وجبة القمر . ابن الأعرابي
وقيل الغاسق : الحية إذا لدغت .
وقيل الغاسق : كل هاجم يضر كائنا ما كان ، من قولهم غسقت القرحة : إذا جرى صديدها .
وقيل الغاسق هو السائل ، وقد عرفناك أن الراجح في تفسير هذه الآية هو ما قاله أهل القول الأول ، ووجه تخصيصه أن الشر فيه أكثر ، والتحرز من الشرور فيه أصعب ، ومنه قولهم : الليل أخفى للويل .
ومن شر النفاثات في العقد : أي ومن شر النفوس النفاثات ، أو النساء النفاثات ، والنفث النفخ كما يفعل ذلك من يرقي ويسحر ، قيل مع ريق ، وقيل بدون ريق ، والعقد جمع عقدة ، وذلك أنهن كن ينفثن في عقد الخيوط حين يسحرن بها ، ومنه قول النفاثات هن السواحر عنترة :
فإن يبرأ فلم أنفث عليه وإن يفقد فحق له الفقود
وقول متمم بن نويرة :
نفث في الخيط شبيه الرقى من خشية الجنة والحاسد
قرأ الجمهور النفاثات جمع نفاثة [ ص: 1671 ] على المبالغة .
وقرأ يعقوب ، وعبد الرحمن بن ساباط ، وعيسى بن عمر " النافثات " جمع نافثة .
وقرأ الحسن " النفاثات " بضم النون .
وقرأ أبو الربيع " النفثات " بدون ألف .
ومن شر حاسد إذا حسد ومعنى إذا حسد : إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه وحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود . الحسد : تمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود ،
قال : لم أر ظالما أشبه بالمظلوم من حاسد ، وقد نظم الشاعر هذا المعنى فقال : عمر بن عبد العزيز
قل للحسود إذا تنفس طعنة يا ظالما وكأنه مظلوم
ذكر الله سبحانه في هذه السورة إرشاد رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الاستعاذة من شر كل مخلوقاته على العموم ، ثم ذكر بعض الشرور على الخصوص مع اندراجه تحت العموم لزيادة شره ومزيد ضره ، وهو الغاسق والنفاثات والحاسد ، فكأن هؤلاء لما فيهم من مزيد الشر حقيقون بإفراد كل واحد منهم بالذكر .
وقد أخرج ابن مردويه عن قال عمرو بن عبسة صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ قل أعوذ برب الفلق فقال : يا ابن عبسة أتدري ما الفلق ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : بئر في جهنم .
وأخرجه من قول ابن أبي حاتم غير مرفوع . عمرو بن عبسة
وأخرج ابن مردويه عن قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ عقبة بن عامر قل أعوذ برب الفلق هل تدري ما الفلق ؟ باب في النار إذا فتحت سعرت جهنم وأخرج ابن مردويه ، والديلمي عن قال : عبد الله بن عمرو بن العاص سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل : قل أعوذ برب الفلق فقال : هو سجن في جهنم يحبس فيه الجبارون والمتكبرون ، وإن جهنم لتتعوذ بالله منه .
وأخرج عن ابن جرير أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الفلق جب في جهنم .
وهذه الأحاديث لو كانت صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان المصير إليها واجبا ، والقول بها متعينا .
وأخرج عن ابن جرير قال : الفلق سجن في جهنم . ابن عباس
وأخرج ، ابن جرير ، وابن أبي حاتم وابن مردويه عن قال : الفلق الصبح . جابر بن عبد الله
وأخرج عن ابن جرير مثله . ابن عباس
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، عنه قال : الفلق الخلق . وابن أبي حاتم
وأخرج ، ابن جرير وأبو الشيخ ، وابن مردويه عن عن النبي صلى الله عليه وسلم في أبي هريرة ومن شر غاسق إذا وقب وقال : النجم هو الغاسق ، وهو الثريا . قوله :
وأخرجه ، ابن جرير من وجه آخر عنه غير مرفوع . وابن أبي حاتم
وقد قدمنا تأويل ما ورد أن الغاسق القمر .
وأخرج أبو الشيخ عنه أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهذا لو صح لم يكن فيه دليل على أن الغاسق هو النجم أو النجوم . إذا ارتفعت النجوم رفعت كل عاهة عن كل بلد
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ومن شر غاسق إذا وقب قال : الليل إذا أقبل .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ومن شر النفاثات في العقد قال : الساحرات .
وأخرج عنه في الآية قال : هو ما خالط السحر من الرقى . ابن جرير
وأخرج النسائي وابن مردويه عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة . من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ، ومن سحر فقد أشرك ، ومن تعلق شيئا وكل إليه
وأخرج ابن سعد ، ، وابن ماجه والحاكم ، وابن مردويه قال : جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني فقال : ألا أرقيك برقية رقاني بها أبي هريرة جبريل ؟ فقلت : بلى بأبي أنت وأمي ، قال : بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء فيك من شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد فرقى بها ثلاث مرات . عن
وأخرج ابن المنذر عن في قوله : ابن عباس ومن شر حاسد إذا حسد قال : نفس ابن آدم وعينه اهـ .