الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
417 - وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده رضي الله عنه ، قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء ; فأراه ثلاثا ثلاثا . ثم قال : " هكذا الوضوء ، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم " . رواه النسائي ، وابن ماجه ، وروى أبو داود معناه .

التالي السابق


417 - ( وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ) : أي عبد الله بن عمرو بن العاص ، وتقدم ما فيه من الكلام . ( قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يسأله : حال من فاعل جاء على ما ذكره الطيبي والأبهري ، وأغرب ابن حجر وقال : إنه صفة للأعرابي ( عن الوضوء ) أي : كيفيته ( فأراه ) : أي : بالفعل ; لأنه أبلغ من القول لقرب الأول من الضبط وتأثره في القلب ، ولما جاء في الحديث : " ليس الخبر كالمعاينة " وفي الكلام حذف ، أي : فأراد أن يريه ما سأله ، فتوضأ وغسل الأعضاء ثلاثا ثلاثا ، ثم قال : " هكذا الوضوء " أي : الكامل " فمن زاد على

[ ص: 416 ] هذا " فقد أساء " أي : بترك السنة " وتعدى " : أي : حدها بالزيادة وظلم : أي : على نفسه بمخالفة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، أو لأنه أتعب نفسه فيما زاد على الثلاثة من غير حصول ثواب له ، أو لأنه أتلف الماء بلا فائدة . قال ابن الملك : وإنما ذمه بهذه الكلمات الثلاث - إظهارا لشدة النكير عليه ، وزجرا له عن ذلك . قال الإمام حافظ الدين النسفي : هذا إذا زاد معتقدا أن السنة هذا ، فأما لو زاد لطمأنينة القلب عند الشك أو نية وضوء آخر فلا بأس ; لأنه عليه الصلاة والسلام أمر بترك ما يريبه إلى ما لا يريبه اهـ .

قلت : أما قوله : ( لطمأنينة القلب عند الشك ) ففيه أن الشك بعد التثليث لا وجه له ، وإن وقع بعده فلا نهاية له وهو الوسوسة ، ولهذا أخذ ابن المبارك بظاهره فقال : لا آمن إذا زاد على الثلاث أن يأثم . وقال أحمد وإسحاق : لا يزيد عليها إلا مبتلى أي بالجنون لمظنة أنه بالزيادة يحتاط لدينه . قال ابن حجر : ولقد شاهدنا من الموسوسين من يغسل يده فوق المئين ، وهو مع ذلك يعتقد أن حدثه هو اليقين وأما قوله : أو بنية وضوء آخر ففيه أن قبل الإتيان بعبادة بعد الوضوء لا يستحب له التجديد ، مع أنه لا يتصور التجدد إلا بعد تمام الوضوء لا في الأثناء . وأما قوله : لأنه أمر بترك ما يريبه إلخ . ففيه أن غسل المرة الأخرى مما يريبه ، فينبغي تركه إلى ما لا يريبه ، وهو ما عينه الشارع ليتخلص عن الريبة والوسوسة ، والله أعلم . وقيل : أساء الأدب بالتساهل في المبالغة فإن الازدياد استنقاص لما استكمله الشرع وتعد عما حد له وعما جعل غاية التكميل وظلم بإتلاف الماء ووضعه في غير موضعه . قال ابن الملك : لا آمن إذا زاد على الثلاث أن يأثم .

وقال أحمد وإسحاق : لا يزيد على ثلاث إلا رجل مبتلى - أي : بوسوسة - أو جنون ( رواه النسائي وابن ماجه ) أي : بهذا اللفظ ( وروى أبو داود معناه ) : قال ميرك نقلا عن التخريج بأطول من هذا وسكت عليه .




الخدمات العلمية