[ ص: 15 ] بسم الله الرحمن الرحيم
رب زدني علما وفهما ، واختم لي وللمسلمين بخير .
قال سيدنا وشيخنا ، الإمام العالم العامل العلامة ، البحر الحبر الفهامة ، المحقق المدقق ، ناصر السنة حافظ عصره ، ووحيد دهره ، شمس الدين سلطان الحفاظ والمحدثين ،
أبو الخير محمد السخاوي الشافعي : [ خطبة المؤلف ] الحمد لله الذي جعل العلم بفنون الخبر مع العمل المعتبر بها إليه أتم وسيلة ، ووصل من أسند في بابه وانقطع إليه فأدرجه في سلسلة المقربين لديه ، وأوضح له المشكل الغريب وتعليله .
وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد ، أنزل على عبده أحسن الحديث وعلمه تأويله .
وأشهد أن سيدنا
محمد المرسل بالآيات الباهرة ، والمعجزات المتواترة ، والمخصوص بكل شرف وفضيلة ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأنصاره وحزبه ، الذين صار الدين بهم عزيزا ، بعد فشو كل شاذ ومنكر ورذيلة ، ورضي الله عن أتباعهم المعول على إجماعهم ممن اقتفى أثره وسلك سبيله ، صلاة وسلاما دائمين غير مضطربين ينال بهما العبد في الدارين تأميله .
[ مقدمة المؤلف ] وبعد : فهذا تنقيح لطيف ، وتلقيح للفهم المنيف ، شرحت فيه ألفية الحديث ، وأوضحت به ما اشتملت عليه من القديم والحديث ، ففتح من كنوزها المحصنة الأقفال كل مرتج ، وطرح عن رموزها الإشكال بأبين الحجج ، سابكا لها فيه ; بحيث لا تتخلص منه إلا بالتمييز ; لأنه أبلغ في إظهاره المعنى .
تاركا لمن لا يرى حسن ذلك في خصوص النظم والترجيز ; لكونه إن لم يكن متعنتا لم يذق الذي هو أهنى ، مراعيا فيه الاعتناء بالناظم رجاء بركته ، ساعيا في إفادة ما لا غنى عنه لأئمة الشأن وطلبته ، غير طويل ممل ، ولا قصير مخل ، استغناء عن
[ ص: 16 ] تطويله بتصنيفي المبسوط المقرر المضبوط ، الذي جعلته كالنكت عليها وعلى شرحها للمؤلف .
وعلما بنقص همم أماثل الوقت فضلا عن المتعرف ، إجابة لمن سألني فيه من الأئمة ذوي الوجاهة والتوجيه ، ممن خاض معي في الشرح وأصله ، وارتاض فكره بما يرتقي به عن أقرانه وأهله .
نفعني الله وإياه والمسلمين بذلك ، ويسر لنا إلى كل خير أقرب المسالك بمنه وكرمه .
قال رحمه الله :
1 - يقول راجي ربه المقتدر عبد الرحيم بن الحسين الأثري 2 - من بعد حمد الله ذي الآلاء
على امتنان جل عن إحصاء 3 - ثم صلاة وسلام دائم
على نبي الخير ذي المراحم 4 - فهذه المقاصد المهمه
توضح من علم الحديث رسمه 5 - نظمتها تبصرة للمبتدي
تذكرة للمنتهي والمسند 6 - لخصت فيها nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح أجمعه
وزدتها علما تراه موضعه 7 - فحيث جاء الفعل والضمير
لواحد ومن له مستور 8 - كـ " قال " أو أطلقت لفظ " الشيخ " ما
أريد إلا nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح مبهما 9 - وإن يكن لاثنين نحو " التزما " فمسلم
مع nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري هما 10 - والله أرجو في أموري كلها
معتصما في صعبها وسهلها .
( يقول ) من القول ، وهو لفظ دال على معنى مفيد كما هنا ، أو غير مفيد ، ( راجي ) اسم فاعل من " الرجاء " ضد الخوف ; وهو توقع ممكن يقتضي حصول ما فيه مسرة ، ( ربه ) أي : مالكه الإله الذي لا تطلق الربوبية على سواه .
( المقتدر ) على ما أراد ، وهو من صفات الجلال والعظمة ، ولذا كان أبلغ في قوة الرجاء ; إذ
[ ص: 17 ] وجوده من استحضار صفات الجلال أدل على وجوده مع استحضار صفات الجمال لا سيما ، وبذلك يكون من باب قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=57ويرجون رحمته ويخافون عذابه [ الإسراء : 57 ] .
[
nindex.php?page=treesubj&link=33935ترجمة صاحب الألفية ]
(
عبد الرحيم ) بيان الراجي ، فاعل ( يقول ) ، أو بدل منه ، (
ابن الحسين ) ابن عبد الرحمن ، الزين أبو الفضل ( الأثري ) بفتح الهمزة والمثلثة ، نسبة إلى (
nindex.php?page=treesubj&link=21423_29087الأثر ) ، وهو لغة : البقية .
واصطلاحا : الأحاديث مرفوعة كانت أو موقوفة ، على المعتمد ، ومنه : " شرح معاني الآثار " ; لاشتماله عليهما ، وإن قصره بعض الفقهاء على الموقوف ، كما سيأتي في بابه ، وانتسب كذلك جماعة ، وحسن الانتساب إليه ممن يصنف في فنونه .
ويعرف أيضا بـ "
العراقي " لكون جده كان يكتبها بخطه ، انتسابا
لعراق العرب ، وهو القطر الأعم كما قاله ابنه .
كان إماما ، علامة ، مقرئا ، فقيها ، شافعي المذهب ، أصوليا ، منقطع القرين في فنون الحديث وصناعته ، ارتحل فيه إلى البلاد النائية ، وشهد له بالتفرد فيه أئمة عصره ، وعولوا عليه فيه ، وسارت تصانيفه فيه وفي غيره ، ودرس ، وأفتى ، وحدث ، وأملى ، وولي قضاء
المدينة الشريفة نحو ثلاث سنين .
وانتفع به الأجلاء ، مع الزهد والورع ، والتحري في الطهارة وغيرها ، وسلامة الفطرة ، والمحافظة على أنواع العبادة ، والتقنع باليسير ، وسلوك التواضع والكرم والوقار ، مع الأبهة والمحاسن الجمة .
وقد أفرد ابنه ترجمته بالتأليف ، فلا نطيل فيها ، وهو
[ ص: 18 ] في مجموعه كلمة إجماع ، وقد أخذت عن خلق من أصحابه .
وأما ألفيته وشرحها فتلقيتهما مع جل أصلهما دراية عن شيخنا إمام الأئمة وأجل جماعته ، والألفية فقط عن جماعة .
مات في شعبان سنة ست وثمانمائة ( 806 هـ ) عن أزيد من إحدى وثمانين سنة ، رحمه الله وإيانا .
[ ص: 15 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا وَفَهْمًا ، وَاخْتِمْ لِي وَلِلْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ .
قَالَ سَيِّدُنَا وَشَيْخُنَا ، الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَامِلُ الْعَلَّامَةُ ، الْبَحْرُ الْحَبْرُ الْفَهَّامَةُ ، الْمُحَقِّقُ الْمُدَقِّقُ ، نَاصِرُ السُّنَّةِ حَافِظُ عَصْرِهِ ، وَوَحِيدُ دَهْرِهِ ، شَمْسُ الدِّينِ سُلْطَانُ الْحُفَّاظِ وَالْمُحَدِّثِينَ ،
أَبُو الْخَيْرِ مُحَمَّدٌ السَّخَاوِيُّ الشَّافِعِيُّ : [ خُطْبَةُ الْمُؤَلِّفِ ] الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْعِلْمَ بِفُنُونِ الْخَبَرِ مَعَ الْعَمَلِ الْمُعْتَبَرِ بِهَا إِلَيْهِ أَتَمَّ وَسِيلَةً ، وَوَصَلَ مَنْ أَسْنَدَ فِي بَابِهِ وَانْقَطَعَ إِلَيْهِ فَأَدْرَجَهُ فِي سِلْسِلَةِ الْمُقَرَّبِينَ لَدَيْهِ ، وَأَوْضَحَ لَهُ الْمُشْكِلَ الْغَرِيبَ وَتَعْلِيلَهُ .
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الْفَرْدُ الصَّمَدُ ، أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ وَعَلَّمَهُ تَأْوِيلَهُ .
وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا
مُحَمَّدٌ الْمُرْسَلُ بِالْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ ، وَالْمُعْجِزَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ ، وَالْمَخْصُوصُ بِكُلِّ شَرَفٍ وَفَضِيلَةٍ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَنْصَارِهِ وَحِزْبِهِ ، الَّذِينَ صَارَ الدِّينُ بِهِمْ عَزِيزًا ، بَعْدَ فُشُوِّ كُلِّ شَاذٍّ وَمُنْكَرٍ وَرَذِيلَةٍ ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أَتْبَاعِهِمُ الْمُعَوَّلِ عَلَى إِجْمَاعِهِمْ مِمَّنِ اقْتَفَى أَثَرَهُ وَسَلَكَ سَبِيلَهُ ، صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ غَيْرَ مُضْطَرِبَيْنِ يَنَالُ بِهِمَا الْعَبْدُ فِي الدَّارَيْنِ تَأْمِيلَهُ .
[ مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ ] وَبَعْدُ : فَهَذَا تَنْقِيحٌ لَطِيفٌ ، وَتَلْقِيحٌ لِلْفَهْمِ الْمُنِيفِ ، شَرَحْتُ فِيهِ أَلْفِيَّةَ الْحَدِيثِ ، وَأَوْضَحْتُ بِهِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ ، فَفَتَحَ مِنْ كُنُوزِهَا الْمُحَصَّنَةِ الْأَقْفَالِ كُلَّ مُرْتَجٍ ، وَطَرَحَ عَنْ رُمُوزِهَا الْإِشْكَالَ بِأَبْيَنِ الْحُجَجِ ، سَابِكًا لَهَا فِيهِ ; بِحَيْثُ لَا تَتَخَلَّصُ مِنْهُ إِلَّا بِالتَّمْيِيزِ ; لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي إِظْهَارِهِ الْمَعْنَى .
تَارِكًا لِمَنْ لَا يَرَى حُسْنَ ذَلِكَ فِي خُصُوصِ النَّظْمِ وَالتَّرْجِيزِ ; لِكَوْنِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَنِّتًا لَمْ يَذُقِ الَّذِي هُوَ أَهْنَى ، مُرَاعِيًا فِيهِ الِاعْتِنَاءَ بِالنَّاظِمِ رَجَاءَ بَرَكَتِهِ ، سَاعِيًا فِي إِفَادَةِ مَا لَا غِنًى عَنْهُ لِأَئِمَّةِ الشَّأْنِ وَطَلَبَتِهِ ، غَيْرَ طَوِيلٍ مُمِلٍّ ، وَلَا قَصِيرٍ مُخِلٍّ ، اسْتِغْنَاءً عَنْ
[ ص: 16 ] تَطْوِيلِهِ بِتَصْنِيفِي الْمَبْسُوطِ الْمُقَرَّرِ الْمَضْبُوطِ ، الَّذِي جَعَلْتُهُ كَالنُّكَتِ عَلَيْهَا وَعَلَى شَرْحِهَا لِلْمُؤَلِّفِ .
وَعِلْمًا بِنَقْصِ هِمَمِ أَمَاثِلِ الْوَقْتِ فَضْلًا عَنِ الْمُتَعَرِّفِ ، إِجَابَةً لِمَنْ سَأَلَنِي فِيهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ ذَوِي الْوَجَاهَةِ وَالتَّوْجِيهِ ، مِمَّنْ خَاضَ مَعِي فِي الشَّرْحِ وَأَصْلِهِ ، وَارْتَاضَ فِكْرُهُ بِمَا يَرْتَقِي بِهِ عَنْ أَقْرَانِهِ وَأَهْلِهِ .
نَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاهُ وَالْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ ، وَيَسَّرَ لَنَا إِلَى كُلِّ خَيْرٍ أَقْرَبَ الْمَسَالِكِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ :
1 - يَقُولُ رَاجِي رَبِّهِ الْمُقْتَدِرِ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَثَرِي 2 - مِنْ بَعْدِ حَمْدِ اللَّهِ ذِي الْآلَاءِ
عَلَى امْتِنَانٍ جَلَّ عَنْ إِحْصَاءِ 3 - ثُمَّ صَلَاةٍ وَسَلَامٍ دَائِمِ
عَلَى نَبِيِّ الْخَيْرِ ذِي الْمَرَاحِمِ 4 - فَهَذِهِ الْمَقَاصِدُ الْمُهِمَّهْ
تُوَضِّحُ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ رَسْمَهْ 5 - نَظَمْتُهَا تَبْصِرَةً لِلْمُبْتَدِي
تَذْكِرَةً لِلْمُنْتَهِي وَالْمُسْنَدِ 6 - لَخَّصْتُ فِيهَا nindex.php?page=showalam&ids=12795ابْنَ الصَّلَاحِ أَجْمَعَهْ
وَزِدْتُهَا عِلْمًا تَرَاهُ مَوْضِعَهْ 7 - فَحَيْثُ جَاءَ الْفِعْلُ وَالضَّمِيرُ
لِوَاحِدٍ وَمَنْ لَهُ مَسْتُورُ 8 - كَـ " قَالَ " أَوْ أَطْلَقْتُ لَفْظَ " الشَّيْخِ " مَا
أُرِيدُ إِلَّا nindex.php?page=showalam&ids=12795ابْنَ الصَّلَاحِ مُبْهَمَا 9 - وَإِنْ يَكُنْ لِاثْنَيْنِ نَحْوَ " الْتَزَمَا " فَمُسْلِمٌ
مَعَ nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ هُمَا 10 - وَاللَّهَ أَرْجُو فِي أُمُورِي كُلِّهَا
مُعْتَصِمًا فِي صَعْبِهَا وَسَهْلِهَا .
( يَقُولُ ) مِنَ الْقَوْلِ ، وَهُوَ لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى مَعْنًى مُفِيدٍ كَمَا هُنَا ، أَوْ غَيْرِ مُفِيدٍ ، ( رَاجِي ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ " الرَّجَاءِ " ضِدُّ الْخَوْفِ ; وَهُوَ تَوَقُّعُ مُمْكِنٍ يَقْتَضِي حُصُولَ مَا فِيهِ مَسَرَّةٌ ، ( رَبِّهِ ) أَيْ : مَالِكِهِ الْإِلَهِ الَّذِي لَا تُطْلَقُ الرُّبُوبِيَّةُ عَلَى سِوَاهُ .
( الْمُقْتَدِرِ ) عَلَى مَا أَرَادَ ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ ، وَلِذَا كَانَ أَبْلَغَ فِي قُوَّةِ الرَّجَاءِ ; إِذْ
[ ص: 17 ] وُجُودُهُ مِنِ اسْتِحْضَارِ صِفَاتِ الْجَلَالِ أَدَلُّ عَلَى وُجُودِهِ مَعَ اسْتِحْضَارِ صِفَاتِ الْجَمَالِ لَا سِيَّمَا ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=57وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [ الْإِسْرَاءِ : 57 ] .
[
nindex.php?page=treesubj&link=33935تَرْجَمَةُ صَاحِبِ الْأَلْفِيَّةِ ]
(
عَبْدُ الرَّحِيمِ ) بَيَانُ الرَّاجِي ، فَاعِلُ ( يَقُولُ ) ، أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ ، (
ابْنُ الْحُسَيْنِ ) ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، الزَّيْنُ أَبُو الْفَضْلِ ( الْأَثَرِيُّ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ ، نِسْبَةً إِلَى (
nindex.php?page=treesubj&link=21423_29087الْأَثَرِ ) ، وَهُوَ لُغَةً : الْبَقِيَّةُ .
وَاصْطِلَاحًا : الْأَحَادِيثُ مَرْفُوعَةً كَانَتْ أَوْ مَوْقُوفَةً ، عَلَى الْمُعْتَمَدِ ، وَمِنْهُ : " شَرْحُ مَعَانِي الْآثَارِ " ; لِاشْتِمَالِهِ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ قَصَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى الْمَوْقُوفِ ، كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ ، وَانْتَسَبَ كَذَلِكَ جَمَاعَةٌ ، وَحَسُنَ الِانْتِسَابُ إِلَيْهِ مِمَّنْ يُصَنِّفُ فِي فُنُونِهِ .
وَيُعْرَفُ أَيْضًا بِـ "
الْعِرَاقِيِّ " لِكَوْنِ جَدِّهِ كَانَ يَكْتُبُهَا بِخَطِّهِ ، انْتِسَابًا
لِعِرَاقِ الْعَرَبِ ، وَهُوَ الْقُطْرُ الْأَعَمُّ كَمَا قَالَهُ ابْنُهُ .
كَانَ إِمَامًا ، عَلَّامَةً ، مُقْرِئًا ، فَقِيهًا ، شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ ، أُصُولِيًّا ، مُنْقَطِعَ الْقَرِينِ فِي فُنُونِ الْحَدِيثِ وَصِنَاعَتِهِ ، ارْتَحَلَ فِيهِ إِلَى الْبِلَادِ النَّائِيَةِ ، وَشَهِدَ لَهُ بِالتَّفَرُّدِ فِيهِ أَئِمَّةُ عَصْرِهِ ، وَعَوَّلُوا عَلَيْهِ فِيهِ ، وَسَارَتْ تَصَانِيفُهُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ ، وَدَرَّسَ ، وَأَفْتَى ، وَحَدَّثَ ، وَأَمْلَى ، وَوَلِيَ قَضَاءَ
الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ نَحْوَ ثَلَاثِ سِنِينَ .
وَانْتَفَعَ بِهِ الْأَجِلَّاءُ ، مَعَ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ ، وَالتَّحَرِّي فِي الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا ، وَسَلَامَةِ الْفِطْرَةِ ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ ، وَالتَّقَنُّعِ بِالْيَسِيرِ ، وَسُلُوكِ التَّوَاضُعِ وَالْكَرَمِ وَالْوَقَارِ ، مَعَ الْأُبَّهَةِ وَالْمَحَاسِنِ الْجَمَّةِ .
وَقَدْ أَفْرَدَ ابْنُهُ تَرْجَمَتَهُ بِالتَّأْلِيفِ ، فَلَا نُطِيلُ فِيهَا ، وَهُوَ
[ ص: 18 ] فِي مَجْمُوعِهِ كَلِمَةُ إِجْمَاعٍ ، وَقَدْ أُخِذَتْ عَنْ خَلْقٍ مِنْ أَصْحَابِهِ .
وَأَمَّا أَلْفِيَّتُهُ وَشَرْحُهَا فَتَلَقَّيْتُهُمَا مَعَ جُلِّ أَصْلِهِمَا دِرَايَةً عَنْ شَيْخِنَا إِمَامِ الْأَئِمَّةِ وَأَجَلِّ جَمَاعَتِهِ ، وَالْأَلْفِيَّةُ فَقَطْ عَنْ جَمَاعَةٍ .
مَاتَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِمِائَةٍ ( 806 هـ ) عَنْ أَزْيَدَ مِنْ إِحْدَى وَثَمَانِينَ سَنَةً ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِيَّانَا .