الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
المقابلة .


( 577 ) ثم عليه العرض بالأصل ولو إجازة أو أصل أصل الشيخ أو      ( 578 ) فرع مقابل وخير العرض مع
أستاذه بنفسه إذ يسمع      ( 579 ) وقيل بل مع نفسه واشترطا
بعضهم هذا وفيه غلطا      ( 580 ) ولينظر السامع حين يطلب
في نسخة وقال يحيى يجب      ( 581 ) وجوز الأستاذ أن يروي من
غير مقابل وللخطيب إن      ( 582 ) بين والنسخ من أصل وليزد
صحة نقل ناسخ فالشيخ قد      ( 583 ) شرطه ثم اعتبر ما ذكرا
في أصل الأصل لا تكن مهورا

[ ص: 76 ] [ معنى المقابلة ] :

المقابلة وما ألحق بها من المسائل ، ويقال لها أيضا : المعارضة . تقول : قابلت بالكتاب قبالا ومقابلة . أي : جعلته قبالته ، وصيرت في أحدهما كل ما في الآخر ، ومنه منازل القوم تتقابل . أي : يقابل بعضها بعضا ، وعارضت بالكتاب الكتاب . أي : جعلت ما في أحدهما مثل ما في الآخر . مأخوذ من : عارضت بالثوب . إذا أعطيته وأخذت ثوبا غيره .

[ أصل المقابلة ] :

والأصل فيها ما رواه الطبراني في ( الكبير ) وابن السني في ( رياضة المتعلمين ) كلاهما من حديث أبي الطاهر بن السرح قال : ( وجدت في كتاب خالي - يعني عبد الرحمن بن عبد الحميد - حدثني عقيل ، عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت ، عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال : كنت أكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان إذا فرغت يقول لي : ( اقرأه ) . فأقرأه ، فإن كان فيه سقط أقامه ثم أخرج به إلى الناس ) . وأخرجه الطبراني أيضا ، وكذا الخطيب في ( جامعه ) ، من طريق نافع بن يزيد عن عقيل ، فقال : عن الزهري ، عن سعيد بنحوه .

[ ص: 77 ] [ حكم المقابلة ] :

( ثم ) بعد تحصيل الطالب للمروي بخطه أو بخط غيره ( عليه العرض ) وجوبا كما صرح به الخطيب وقال : إنه شرط في صحة الرواية ، وكذا قال عياض : إنه متعين لا بد منه . وهو مقتضى قول ابن الصلاح : إنه لا غنى لمجلس الإملاء عن العرض . كما سيأتي ، ويشير إليه ما أخرجه الخطيب في ( جامعه ) عن هشام بن عروة قال : قال لي أبي : أكتبت ؟ قلت : نعم . قال : عارضت ؟ قلت : لا . قال : فلم تكتب .

وفي ( كفايته ) عن أفلح بن بسام قال : كنت عند القعنبي فقال لي : كتبت ؟ قلت : نعم . قال : عارضت ؟ قلت : لا . قال : لم تصنع شيئا . وهذا عند ابن السمعاني في ( أدب الإملاء من حديث عطاء بن يسار مرسلا قال : كتب رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له : ( كتبت ؟ ) قال : نعم . قال : ( عرضت ؟ ) قال : لا . قال : ( لم تكتب حتى تعرضه ) .

وفي ( الكفاية ) و ( الجامع ) معا عن يحيى بن أبي كثير قال : مثل الذي يكتب ولا يعارض مثل الذي يقضي حاجته ولا يستنجي بالماء . وكذا جاء [ ص: 78 ] عن الأوزاعي كما لابن عبد البر في ( جامع العلم ثم عياض في ( الإلماع ) .

وعن الشافعي كما عزاه إليه ابن الصلاح ، وفي صحة عزوه إليه نظر ، والتشبيه في مطلق النقص مع قطع النظر عن شرف أحدهما وخسة الآخر ، كما في تشبيه الوحي بصلصلة الجرس .

وكذا ليس قول القائل : (

اكتب ولا تقابل     وارم على المزابل

) على ظاهره . ولذا كان أحسن منه قول بعضهم : (

من كتب ولم يقابل     كمن غزا ولم يقاتل

) ، وقول الخلال الحنبلي : ( من لم يعارض لم يدر كيف يضع رجله ) .

وفي ( جامع الخطيب ) عن الخليل بن أحمد قال : إذا نسخ الكتاب ثلاث مرات ولم يعارض تحول بالفارسية من كثرة سقطه .

وفي ( كفايته ) نحوه عن الأخفش قال : ( إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ثم نسخ منه ولم يعارض - يعني المنسوخ أيضا - خرج أعجميا ) .

والظاهر أن محل الوجوب حيث لم يثق بصحة كتابته أو نسخته ، أما من عرف بالاستقراء ندور السقط والتحريف منه فلا .

لا سيما وقد روى ابن عبد البر في [ ص: 79 ] ( جامع العلم ) عن معمر أنه قال : لو عرض الكتاب مائة مرة ما كاد يسلم من أن يكون فيه سقط . أو قال : خطأ ، ولكنه قد بالغ كما أن قول القائل : الأصل عدم الغلط . معارض بقول غيره : بل الأصل عدم نقل كل ما كان في الأصل . نعم لا يخلو الكاتب من غلط وإن قل ، كما هو معروف من العرف والتجربة ، ولذا قال بعضهم : ما قرمطنا ندمنا ، وما انتخبنا ندمنا ، وما كتبنا بدون مقابلة ندمنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية