65 - قال ومن مظنة للحسن جمع أبي داود أي في السنن 66 - فإنه قال ذكرت فيه
ما صح أو قارب أو يحكيه 67 - وما به وهن شديد قلته
وحيث لا ، فصالح خرجته 68 - فما به ولم يصحح وسكت
عليه عنده له الحسن ثبت 69 - وابن رشيد قال وهو متجه
قد يبلغ الصحة عند مخرجه 70 - وللإمام اليعمري إنما
قول أبي داود يحكي مسلما 71 - حيث يقول جملة الصحيح لا
توجد عند مالك والنبلا 72 - فاحتاج أن ينزل في الإسناد
إلى nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد 73 - ونحوه وإن يكن ذو السبق
قد فاته أدرك باسم الصدق 74 - هلا قضى على كتاب مسلم
بما قضى عليه بالتحكم 75 - والبغوي إذ قسم المصابحا
إلى الصحاح والحسان جانحا 76 - أن الحسان ما رووه في السنن
رد عليه إذ بها غير الحسن 77 - كان أبو داود أقوى ما وجد
يرويه والضعيف حيث لا يجد 78 - في الباب غيره فذاك عنده
من رأي أقوى قاله ابن منده [ ص: 101 ] 79 - nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي يخرج من لم يجمعوا
عليه تركا مذهب متسع 80 - ومن عليها أطلق الصحيحا
فقد أتى تساهلا صريحا 81 - ودونها في رتبة ما جعلا
على المسانيد فيدعى الجفلا
.
[
nindex.php?page=treesubj&link=29098_29222مظنة الحسن ] ( قال : ومن مظنة ) بكسر المعجمة ، مفعلة من الظن بمعنى العلم ، أي موضع ومعدن ( للحسن ) سوى ما ذكر ( جمع ) الإمام الحافظ الحجة الفقيه التالي لصاحبي الصحيحين ، والمقول فيه : إنه ألين له الحديث كما ألين
لداود عليه السلام الحديد (
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود ) سليمان بن الأشعث السجستاني الآتي في الوفيات ، ( أي في ) كتابه (
nindex.php?page=treesubj&link=29222السنن ) الشهير الذي صرح حجة الإسلام
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي باكتفاء المجتهد به في الأحاديث .
وقال
النووي في خطبة شرحه : إنه ينبغي للمشتغل بالفقه ولغيره الاعتناء به ، وبمعرفته المعرفة التامة ; فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه ، مع سهولة تناوله ، وتلخيص أحاديثه ، وبراعة مصنفه ، واعتنائه بتهذيبه ، إلى غير ذلك من الثناء على الكتاب ومؤلفه .
( فإنه قال ) ما معناه : ( ذكرت فيه ) أي : في كتاب ( السنن ) ( ما صح أو قارب ) الصحيح ( أو يحكيه ) أي : يشبهه ; إذ لفظه فيما رويناه في تأريخ
الخطيب من طريق
ابن داسة عنه : ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه .
و " أو " هنا للتقسيم ، أو لغيره من أنواع العطف المقتضي للمغايرة ، ولا شك فيها هنا ، فما يشبه الشيء وما يقاربه ليس به ، ولذا قيل : إن الذي يشبهه هو الحسن ، والذي
[ ص: 102 ] يقاربه الصالح ، ولزم منه جعل الصالح قسما آخر .
وقول
nindex.php?page=showalam&ids=17383يعقوب بن شيبة : " إسناد وسط ، ليس بالثبت ولا بالساقط ، هو صالح " قد يساعده .
وقال
أبو داود أيضا فيما رويناه في رسالته في وصف السنن ما معناه : ( وما ) كان في كتابي من حديث ( به وهن ) ، وفي نسخة من الرسالة : ( وهي ) ( شديد ) فقد ( قلته ) أي : بينت وهنه أو وهاءه ، وقال في موضع آخر منها : وإذا كان فيه حديث منكر ، بينته أنه منكر ، وليس على نحوه في الباب غيره .
وتردد شيخي ، رحمه الله ، في محل هذا البيان ; أهو عقب كل حديث على حدته ، ولو تكرر ذلك الإسناد بعينه مثلا ، أو يكتفي بالكلام على وهن إسناد مثلا ، فإذا عاد لم يبينه اكتفاء بما تقدم ، ويكون كأنه قد بينه ؟ وقال : هذا الثاني أقرب عندي .
قلت : على أنه لا مانع من أن يكون سكوته هنا لوجود متابع أو شاهد .
قال شيخنا : وقد يقع البيان في بعض النسخ دون بعض ، ولا سيما رواية
أبي الحسن بن العبد ; فإن فيها من كلام
أبي داود شيئا زائدا على رواية
اللؤلؤي .
وسبقه
ابن كثير ، فقال : الروايات عن
أبي داود لكتابه كثيرة جدا ، ويوجد في بعضها من الكلام ، بل والأحاديث ، ما ليس في الأخرى .
قال :
ولأبي عبيد الآجري عنه أسئلة في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل كتاب مفيد ، ومن ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها في سننه [ فقوله : وما سكت عليه فهو حسن وما سكت عليه في سننه ] فقط أو مطلقا ، وقال : إنه مما ينبغي التنبيه عليه والتيقظ له . انتهى .
[ ص: 103 ] والظاهر الأول ، ولكن يتعين ملاحظة ما وقع في غيرها مصرحا فيه بالضعف الشديد ، مما
nindex.php?page=treesubj&link=29098_29222سكت عليه في السنن ، لا مطلق الضعف ، وكذا ينبغي عدم المبادرة لنسبة السكوت ، إلا بعد جمع الروايات واعتماد ما اتفقت عليه ; لما تقدم ، وقد صرح
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح مما تبعه فيه
النووي بذلك في نسخ
الترمذي ; حيث قرر اختلافها في التحسين والتصحيح .
ثم قال
أبو داود : ( وحيث لا ) وهن أي : شديد فيه ، ولم أذكر فيه شيئا ( فـ ) هو ( صالح ) ، وفي لفظ أورده
ابن كثير ممرضا : فهو حسن ( خرجته ) ، بعضه أصح من بعض ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح : فعلى هذا ( ما ) وجدناه مذكورا ( به ) أي : بالكتاب ( ولم يصحح ) عند واحد من الشيخين ولا غيرهما ممن يميز بين الصحيح والحسن .
( وسكت ) أي :
أبو داود ( عليه ) فهو ( عنده ) أي :
أبي داود ( له الحسن ثبت ) .
وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره ، ولا مندرج فيما حققناه ضبط الحسن به على ما سبق ، لا سيما
nindex.php?page=treesubj&link=29222_29105ومذهب أبي داود تخريج الضعيف ، إذا لم يكن في الباب غيره كما سيأتي . انتهى .
ويتأيد تسميته حسنا بالرواية المحكية
لابن كثير ، لكن المعتمد اللفظ الأول ( و ) لذلك اعترض الحافظ المتقن الثقة المصنف
أبو عبد الله ، وقيل :
أبو بكر ( ابن رشيد ) بضم الراء وفتح المعجمة ، هو
محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن إدريس البستي الأندلسي المالكي المتوفى سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة ( 722 هـ ) بـ " فاس " عن خمس وستين - على
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح .
حيث ( قال ) فيما حكاه عنه
ابن سيد الناس في شرح
الترمذي وحسنه ( وهو متجه ) : ليس يلزم أن يستفاد من كون الحديث لم ينص عليه
أبو داود بضعف ، ولا نص عليه غيره بصحة - أن الحديث عنده حسن ، بل ( قد يبلغ الصحة عند
[ ص: 104 ] مخرجه ) أي :
أبي داود ، وإن لم يكن غيره كذلك ، [ ويشير إليه قول
المنذري في خطبة الترغيب : وكل حديث عزوته إلى
أبي داود وسكت عليه ، فهو كما ذكر
أبو داود لا ينزل عن درجة الحسن ، وقد يكون على شرط الشيخين . انتهى .
فإنه لا يمنع وجود الصحيح فيه . وقال
النووي في آخر الفصول التي بأول أذكاره :
nindex.php?page=treesubj&link=29222_29612وما رواه أبو داود في سننه ولم يذكر ضعفه ، فهو عنده صحيح أو حسن ] ، ويساعده ما سيأتي من أن أفعل في قوله : " أصح من بعض " يقتضي المشاركة غالبا .
فالمسكوت عليه إما صحيح أو أصح ، إلا أن الواقع خلافه ، ولا مانع من استعمال " أصح " بالمعنى اللغوي ، بل قد استعمله كذلك غير واحد ، منهم
الترمذي ; فإنه يورد الحديث من جهة الضعيف ، ثم من جهة غيره ، ويقول عقب الثاني : إنه أصح من حديث فلان الضعيف .
وصنيع
أبي داود يقتضيه لما في المسكوت عليه من الضعيف بالاستقراء ، وكذا هو واضح من حصره التبيين في الوهن الشديد ; إذ مفهومه أن غير الشديد لا يبينه .
وحينئذ فالصلاحية في كلامه أعم من أن تكون للاحتجاج أو الاستشهاد ، فما ارتقى إلى الصحة ثم إلى الحسن ، فهو بالمعنى الأول ، وما عداهما فهو بالمعنى الثاني ، وما قصر عن ذلك فهو الذي فيه وهن شديد ، وقد التزم بيانه ، وقد تكون الصلاحية على ظاهرها في الاحتجاج ، ولا ينافيه وجود الضعيف ; لأنه - كما سيأتي - يخرج الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره ، وهو أقوى عنده من رأي الرجال ; ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : إن كل ما سكت عليه صحيح عنده ، لا سيما إن لم يكن في الباب غيره .
على أن في قول
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح : وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره - ما يومئ إلى التنبيه لما أشار إليه
ابن رشيد ، كما نبه عليه
[ ص: 105 ] ابن سيد الناس ; لأنه جوز أن يخالف حكمه حكم غيره في طرف ، فكذلك يجوز أن يخالفه في طرف آخر ، وفيه نظر ، لاستلزامه نقض ما قرره .
وبالجملة
nindex.php?page=treesubj&link=29222فالمسكوت عنه أقسام ، منه ما هو في الصحيحين ، أو على شرط الصحة ، أو حسن لذاته ، أو مع الاعتضاد ، وهما كثير في كتابه جدا ، ومنه ما هو ضعيف ، لكنه من رواية من لم يجمع على تركه .
وقد قال
النووي رحمه الله : الحق أن ما وجدناه مما لم يبينه ، ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد - فهو حسن ، وإن نص على ضعفه من يعتمد ، أو رأى العارف في سنده ما يقتضي الضعف ، ولا جابر له - حكم بضعفه ، ولم يلتفت إلى سكوته . انتهى .
وما أشعر به كلامه من التفرقة بين الضعيف وغيره فيه نظر ، والتحقيق التمييز لمن له أهلية النظر ، ورد المسكوت عليه إلى ما يليق بحاله من صحة وحسن وغيرهما كما هو المعتمد ، ورجحه هو في بابه ، وإن كان رحمه الله قد أقر في مختصريه
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح على دعواه هنا التي تقرب من صنيعه المتقدم في مستدرك
الحاكم وغيره مما ألجأه إليها مذهبه .
ومن لم يكن ذا تمييز ، فالأحوط أن يقول في المسكوت عليه : صالح ، كما هي عبارته ، خصوصا وقد سلكه جماعة ( وكذا للإمام ) الحافظ الثقة
أبي الفتح فتح الدين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن سيد الناس ( اليعمري ) بفتح التحتانية والميم ، حسبما اقتصر عليه
nindex.php?page=showalam&ids=13607ابن نقطة وغيره من الحفاظ ، وبضم الميم أيضا كما ضبطه
النووي ، الأندلسي الأصل القاهري الشافعي ، مؤلف السيرة النبوية وغيرها ، المتوفى في شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة ( 734 هـ ) عن ثلاث وستين سنة ، والمدفون بالقرافة ، في
[ ص: 106 ] القطعة التي شرحها من
الترمذي .
اعتراض آخر على
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح ; فإنه قال : لم يرسم
أبو داود شيئا بالحسن ( إنما قول
أبي داود يعني : الماضي وهو " ذكرت الصحيح وما يشبهه " أي : في الصحة " وما يقاربه " أي : فيها أيضا ، كما دل على ذلك قوله : إن بعضها أصح من بعض ; فإنه يشير إلى القدر المشترك بينهما لما يقتضيه صيغة أفعل في الأكثر .
( يحكي
مسلما ) أي : يشبه قول
مسلم صاحب ( الصحيح حيث يقول ) أي :
مسلم في صحيحه : ( جملة الصحيح لا توجد عند ) الإمام (
مالك والنبلا )
كشعبة وسفيان nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ( فاحتاج ) أي :
مسلم ( أن ينزل في الإسناد ) عن حديث
nindex.php?page=treesubj&link=29189أهل الطبقة العليا في الضبط والإتقان ( إلى ) حديث (
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد ونحوه ) ;
nindex.php?page=showalam&ids=16861كليث بن أبي سليم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16571وعطاء بن السائب ممن يليهم في ذلك .
( وإن يكن ذو ) أي : صاحب ( السبق ) في الحفظ والإتقان ، وهو
مالك مثلا ( قد فاته ) أي : سبق بحفظه وإتقانه يزيد مثلا ، فقد ( أدرك ) أي : لحق المسبوق السابق في الجملة ( باسم ) العدالة و ( الصدق ) .
ويجوز أن يكون الضمير في " فاته "
لمسلم ، ويكون المعنى : وإن يكن قد فات
مسلما وجود ما لا يستغنى عنه من حديث ذي السبق ، إما لكونه لم يسمعه هو أو ذاك السابق ، فقد أدرك ، أي : بلغ مقصوده من حديث من يشترك معه في الجملة .
وحينئذ فمعنى كلام
مسلم وأبي داود واحد ، ولا فرق بين الطريقين ، غير أن
مسلما شرط الصحيح ، فاجتنب حديث الطبقة الثالثة ، وهو الضعيف الواهي ، وأتى بالقسمين الأخيرين ،
وأبا داود لم يشترطه ; فذكر ما يشتد وهنه عنده ، والتزم بيانه فـ ( هلا قضى ) أي :
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح ( على كتاب
مسلم بما قضى به عليه ) أي : على
أبي داود أو كتابه ( بالتحكم ) المذكور .
قال بعض المتأخرين : ( وهو تعقب متجه ، ورده شيخنا بقوله : بل هو تعقب واه جدا لا يساوي سماعه ) .
[ ص: 107 ] وهو كذلك لتضمنه أحد شيئين : وقوع غير الصحيح في
مسلم ، أو تصحيح كل ما سكت عليه
أبو داود ، وقد بين رده الشارح ; بأن
مسلما nindex.php?page=treesubj&link=29221_29605شرط الصحيح ، فليس لنا أن نحكم على حديث في كتابه بأنه حسن .
وأبو داود إنما قال : ما سكت عليه فهو صالح ، والصالح يجوز أن يكون صحيحا ، ويجوز أن يكون حسنا ، فالاحتياط أن نحكم عليه بالحسن .
وبنحوه أجاب عن اعتراض
ابن رشيد الماضي ، وسبقه شيخه
العلائي ، فأجاب بما هو أمتن من هذا .
وعبارته : هذا الذي قاله - يعني :
ابن سيد الناس - ضعيف ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح أقوى ; لأن درجات الصحيح إذا تفاوتت ، فلا يعني بالحسن إلا الدرجة الدنيا منها ، والدرجة الدنيا منها لم يخرج منها مسلم شيئا في الأصول ، إنما يخرجها في المتابعات والشواهد .
وارتضاه شيخنا ، وقال : إنه لو كان يخرج جميع أهل القسم الثاني في الأصول ، بل وفي المتابعات - لكان كتابه أضعاف ما هو عليه ، ألا تراه مع كونه لم يورد
nindex.php?page=showalam&ids=16571لعطاء بن السائب إلا في المتابعات ، وكونه من المكثرين ليس عنده سوى مواضع يسيرة .
وكذا ليس
لابن إسحاق عنده في المتابعات إلا ستة أو سبعة ، وهو من يجوز الحديث ، ولم يخرج
لليث بن أبي سليم ، ولا
nindex.php?page=showalam&ids=17347ليزيد بن أبي زياد ، ولا
nindex.php?page=showalam&ids=16878لمجالد بن سعيد إلا مقرونا ، وهذا بخلاف
أبي داود ; فإنه يخرج أحاديث هؤلاء في الأصول محتجا بها ، ولأجل ذا تخلف كتابه عن شرط الصحة .
65 - قَالَ وَمِنْ مَظِنَّةٍ لِلْحَسَنِ جَمْعُ أَبِي دَاوُدَ أَيْ فِي السُّنَنِ 66 - فَإِنَّهُ قَالَ ذَكَرْتُ فِيهِ
مَا صَحَّ أَوْ قَارَبَ أَوْ يَحْكِيهِ 67 - وَمَا بِهِ وَهْنٌ شَدِيدٌ قُلْتُهُ
وَحَيْثُ لَا ، فَصَالِحٌ خَرَّجْتُهُ 68 - فَمَا بِهِ وَلَمْ يُصَحَّحْ وَسَكَتْ
عَلَيْهِ عِنْدَهُ لَهُ الْحُسْنُ ثَبَتْ 69 - وَابْنُ رُشَيْدٍ قَالَ وَهُوَ مُتَّجِهْ
قَدْ يَبْلُغُ الصِّحَّةَ عِنْدَ مُخْرِجِهْ 70 - وَلِلْإِمَامِ الْيَعْمَرِيِّ إِنَّمَا
قَوْلُ أَبِي دَاوُدَ يَحْكِي مُسْلِمَا 71 - حَيْثُ يَقُولُ جُمْلَةُ الصَّحِيحِ لَا
تُوجَدُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالنُّبَلَا 72 - فَاحْتَاجَ أَنْ يَنْزِلَ فِي الْإِسْنَادِ
إِلَى nindex.php?page=showalam&ids=17347يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادِ 73 - وَنَحْوِهِ وَإِنْ يَكُنْ ذُو السَّبْقِ
قَدْ فَاتَهُ أَدْرَكَ بِاسْمِ الصِّدْقِ 74 - هَلَّا قَضَى عَلَى كِتَابِ مُسْلِمِ
بِمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالتَّحَكُّمِ 75 - وَالْبَغَوِي إِذْ قَسَّمَ الْمَصَابِحَا
إِلَى الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ جَانِحَا 76 - أَنَّ الْحِسَانَ مَا رَوَوْهُ فِي السُّنَنْ
رُدَّ عَلَيْهِ إِذْ بِهَا غَيْرُ الْحَسَنْ 77 - كَانَ أَبُو دَاوُدَ أَقْوَى مَا وُجِدْ
يَرْوِيهِ وَالضَّعِيفَ حَيْثُ لَا يَجِدْ 78 - فِي الْبَابِ غَيْرَهُ فَذَاكَ عِنْدَهْ
مِنْ رَأْيٍ أَقْوَى قَالَهُ ابْنُ مَنْدَهْ [ ص: 101 ] 79 - nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَّائِيُّ يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا
عَلَيْهِ تَرْكًا مَذْهَبٌ مُتَّسِعُ 80 - وَمَنْ عَلَيْهَا أَطْلَقَ الصَّحِيحَا
فَقَدْ أَتَى تَسَاهُلًا صَرِيحَا 81 - وَدُونَهَا فِي رُتْبَةٍ مَا جُعِلَا
عَلَى الْمَسَانِيدِ فَيُدْعَى الْجَفَلَا
.
[
nindex.php?page=treesubj&link=29098_29222مَظِنَّةُ الْحُسْنِ ] ( قَالَ : وَمِنْ مَظِنَّةٍ ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ ، مَفْعِلَةٌ مِنَ الظَّنِّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ ، أَيْ مَوْضِعٍ وَمَعْدِنٍ ( لِلْحُسْنِ ) سِوَى مَا ذُكِرَ ( جَمْعُ ) الْإِمَامِ الْحَافِظِ الْحُجَّةِ الْفَقِيهِ التَّالِي لِصَاحِبَيِ الصَّحِيحَيْنِ ، وَالْمَقُولِ فِيهِ : إِنَّهُ أُلِينَ لَهُ الْحَدِيثُ كَمَا أُلِينَ
لِدَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْحَدِيدُ (
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبِي دَاوُدَ ) سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيِّ الْآتِي فِي الْوَفَيَاتِ ، ( أَيْ فِي ) كِتَابِهِ (
nindex.php?page=treesubj&link=29222السُّنَنِ ) الشَّهِيرِ الَّذِي صَرَّحَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ بِاكْتِفَاءِ الْمُجْتَهِدِ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ .
وَقَالَ
النَّوَوِيُّ فِي خُطْبَةِ شَرْحِهِ : إِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُشْتَغِلِ بِالْفِقْهِ وَلِغَيْرِهِ الِاعْتِنَاءُ بِهِ ، وَبِمَعْرِفَتِهِ الْمَعْرِفَةَ التَّامَّةَ ; فَإِنَّ مُعْظَمَ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ الَّتِي يُحْتَجُّ بِهَا فِيهِ ، مَعَ سُهُولَةِ تَنَاوُلِهِ ، وَتَلْخِيصِ أَحَادِيثِهِ ، وَبَرَاعَةِ مُصَنِّفِهِ ، وَاعْتِنَائِهِ بِتَهْذِيبِهِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى الْكِتَابِ وَمُؤَلِّفِهِ .
( فَإِنَّهُ قَالَ ) مَا مَعْنَاهُ : ( ذَكَرْتُ فِيهِ ) أَيْ : فِي كِتَابِ ( السُّنَنِ ) ( مَا صَحَّ أَوْ قَارَبَ ) الصَّحِيحَ ( أَوْ يَحْكِيهِ ) أَيْ : يُشْبِهُهُ ; إِذْ لَفْظُهُ فِيمَا رُوِّينَاهُ فِي تَأْرِيخِ
الْخَطِيبِ مِنْ طَرِيقِ
ابْنِ دَاسَةَ عَنْهُ : ذَكَرْتُ الصَّحِيحَ وَمَا يُشْبِهُهُ وَيُقَارِبُهُ .
وَ " أَوْ " هُنَا لِلتَّقْسِيمِ ، أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَطْفِ الْمُقْتَضِي لِلْمُغَايَرَةِ ، وَلَا شَكَّ فِيهَا هُنَا ، فَمَا يُشْبِهُ الشَّيْءَ وَمَا يُقَارِبُهُ لَيْسَ بِهِ ، وَلِذَا قِيلَ : إِنَّ الَّذِي يُشْبِهُهُ هُوَ الْحَسَنُ ، وَالَّذِي
[ ص: 102 ] يُقَارِبُهُ الصَّالِحُ ، وَلَزِمَ مِنْهُ جَعْلُ الصَّالِحِ قِسْمًا آخَرَ .
وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=17383يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ : " إِسْنَادٌ وَسَطٌ ، لَيْسَ بِالثَّبْتِ وَلَا بِالسَّاقِطِ ، هُوَ صَالِحٌ " قَدْ يُسَاعِدُهُ .
وَقَالَ
أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا فِيمَا رُوِّينَاهُ فِي رِسَالَتِهِ فِي وَصْفِ السُّنَنِ مَا مَعْنَاهُ : ( وَمَا ) كَانَ فِي كِتَابِي مِنْ حَدِيثٍ ( بِهِ وَهْنٌ ) ، وَفِي نُسْخَةٍ مِنَ الرِّسَالَةِ : ( وَهْيٌ ) ( شَدِيدٌ ) فَقَدَ ( قُلْتُهُ ) أَيْ : بَيَّنْتُ وَهَنَهُ أَوْ وَهَاءَهُ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا : وَإِذَا كَانَ فِيهِ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ، بَيَّنْتُهُ أَنَّهُ مُنْكَرٌ ، وَلَيْسَ عَلَى نَحْوِهِ فِي الْبَابِ غَيْرُهُ .
وَتَرَدَّدَ شَيْخِي ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، فِي مَحَلِّ هَذَا الْبَيَانِ ; أَهُوَ عَقِبَ كُلِّ حَدِيثٍ عَلَى حِدَتِهِ ، وَلَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ الْإِسْنَادُ بِعَيْنِهِ مَثَلًا ، أَوْ يَكْتَفِي بِالْكَلَامِ عَلَى وَهْنِ إِسْنَادٍ مَثَلًا ، فَإِذَا عَادَ لَمْ يُبَيِّنْهُ اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ ، وَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَهُ ؟ وَقَالَ : هَذَا الثَّانِي أَقْرَبُ عِنْدِي .
قُلْتُ : عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ هُنَا لِوُجُودِ مُتَابِعٍ أَوْ شَاهِدٍ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَقَدْ يَقَعُ الْبَيَانُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ دُونَ بَعْضٍ ، وَلَا سِيَّمَا رِوَايَةُ
أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْعَبْدِ ; فَإِنَّ فِيهَا مِنْ كَلَامِ
أَبِي دَاوُدَ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى رِوَايَةِ
اللُّؤْلُؤِيِّ .
وَسَبَقَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ ، فَقَالَ : الرِّوَايَاتُ عَنْ
أَبِي دَاوُدَ لِكِتَابِهِ كَثِيرَةٌ جِدًّا ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِهَا مِنَ الْكَلَامِ ، بَلْ وَالَأَحَادِيثِ ، مَا لَيْسَ فِي الْأُخْرَى .
قَالَ :
وَلَأَبِي عُبَيْدٍ الْآجُرِّيِّ عَنْهُ أَسْئِلَةٌ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالتَّصْحِيحِ وَالتَّعْلِيلِ كِتَابٌ مُفِيدٌ ، وَمِنْ ذَلِكَ أَحَادِيثُ وَرِجَالٌ قَدْ ذَكَرَهَا فِي سُنَنِهِ [ فَقَوْلُهُ : وَمَا سَكَتَ عَلَيْهِ فَهُوَ حَسَنٌ وَمَا سَكَتَ عَلَيْهِ فِي سُنَنِهِ ] فَقَطْ أَوْ مُطْلَقًا ، وَقَالَ : إِنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَالتَّيَقُّظُ لَهُ . انْتَهَى .
[ ص: 103 ] وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ ، وَلَكِنْ يَتَعَيَّنُ مُلَاحَظَةُ مَا وَقَعَ فِي غَيْرِهَا مُصَرَّحًا فِيهِ بِالضَّعْفِ الشَّدِيدِ ، مِمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29098_29222سَكَتَ عَلَيْهِ فِي السُّنَنُ ، لَا مُطْلَقِ الضَّعْفِ ، وَكَذَا يَنْبَغِي عَدَمُ الْمُبَادَرَةِ لِنِسْبَةِ السُّكُوتِ ، إِلَّا بَعْدَ جَمْعِ الرِّوَايَاتِ وَاعْتِمَادِ مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ ; لِمَا تَقَدَّمَ ، وَقَدْ صَرَّحَ
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابْنُ الصَّلَاحِ مِمَّا تَبِعَهُ فِيهِ
النَّوَوِيُّ بِذَلِكَ فِي نُسَخِ
التِّرْمِذِيِّ ; حَيْثُ قَرَّرَ اخْتِلَافَهَا فِي التَّحْسِينِ وَالتَّصْحِيحِ .
ثُمَّ قَالَ
أَبُو دَاوُدَ : ( وَحُيْثُ لَا ) وَهَنٌ أَيْ : شَدِيدٌ فِيهِ ، وَلَمْ أَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا ( فـَ ) هُوَ ( صَالِحٌ ) ، وَفِي لَفْظٍ أَوْرَدَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ مُمَرَّضًا : فَهُوَ حَسَنٌ ( خَرَّجْتُهُ ) ، بَعْضُهُ أَصَحُّ مِنْ بَعْضٍ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابْنُ الصَّلَاحِ : فَعَلَى هَذَا ( مَا ) وَجَدْنَاهُ مَذْكُورًا ( بِهِ ) أَيْ : بِالْكِتَابِ ( وَلَمْ يُصَحَّحْ ) عِنْدَ وَاحِدٍ مِنَ الشَّيْخَيْنِ وَلَا غَيْرِهِمَا مِمَّنْ يُمَيِّزُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ .
( وَسَكَتْ ) أَيْ :
أَبُو دَاوُدَ ( عَلَيْهِ ) فَهُوَ ( عِنْدَهُ ) أَيْ :
أَبِي دَاوُدَ ( لَهُ الْحُسْنُ ثَبَتَ ) .
وَقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مَا لَيْسَ بِحَسَنٍ عِنْدَ غَيْرِهِ ، وَلَا مُنْدَرِجٍ فِيمَا حَقَّقْنَاهُ ضَبْطُ الْحَسَنِ بِهِ عَلَى مَا سَبَقَ ، لَا سِيَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=29222_29105وَمَذْهَبُ أَبِي دَاوُدَ تَخْرِيجُ الضَّعِيفِ ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ غَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي . انْتَهَى .
وَيَتَأَيَّدُ تَسْمِيَتُهُ حَسَنًا بِالرِّوَايَةِ الْمَحْكِيَّةِ
لِابْنِ كَثِيرٍ ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ ( وَ ) لِذَلِكَ اعْتَرَضَ الْحَافِظُ الْمُتْقِنُ الثِّقَةُ الْمُصَنِّفُ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، وَقِيلَ :
أَبُو بَكْرٍ ( ابْنُ رُشَيْدٍ ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ ، هُوَ
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الْبُسْتِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ الْمَالِكِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ ( 722 هـ ) بِـ " فَاسٍ " عَنْ خَمْسٍ وَسِتِّينَ - عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابْنِ الصَّلَاحِ .
حَيْثُ ( قَالَ ) فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ
ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ
التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ ( وَهُوَ مُتَّجِهْ ) : لَيْسَ يَلْزَمُ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْ كَوْنِ الْحَدِيثِ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ
أَبُو دَاوُدَ بِضَعْفٍ ، وَلَا نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِصِحَّةٍ - أَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَهُ حَسَنٌ ، بَلْ ( قَدْ يَبْلُغُ الصِّحَّةَ عِنْدَ
[ ص: 104 ] مُخْرِجِهِ ) أَيْ :
أَبِي دَاوُدَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ كَذَلِكَ ، [ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُ
الْمُنْذِرِيِّ فِي خُطْبَةِ التَّرْغِيبُ : وَكُلُّ حَدِيثٍ عَزَوْتُهُ إِلَى
أَبِي دَاوُدَ وَسَكَتَ عَلَيْهِ ، فَهُوَ كَمَا ذَكَرَ
أَبُو دَاوُدَ لَا يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ . انْتَهَى .
فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُودَ الصَّحِيحِ فِيهِ . وَقَالَ
النَّوَوِيُّ فِي آخِرِ الْفُصُولِ الَّتِي بِأَوَّلِ أَذْكَارِهِ :
nindex.php?page=treesubj&link=29222_29612وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ ضَعْفَهُ ، فَهُوَ عِنْدَهُ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ ] ، وَيُسَاعِدُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ أَفْعَلَ فِي قَوْلِهِ : " أَصَحُّ مِنْ بَعْضٍ " يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ غَالِبًا .
فَالْمَسْكُوتُ عَلَيْهِ إِمَّا صَحِيحٌ أَوْ أَصَحُّ ، إِلَّا أَنَّ الْوَاقِعَ خِلَافُهُ ، وَلَا مَانِعَ مِنَ اسْتِعْمَالِ " أَصَحَّ " بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ ، بَلْ قَدِ اسْتَعْمَلَهُ كَذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ ، مِنْهُمُ
التِّرْمِذِيُّ ; فَإِنَّهُ يُورِدُ الْحَدِيثَ مِنْ جِهَةِ الضَّعِيفِ ، ثُمَّ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ ، وَيَقُولُ عَقِبَ الثَّانِي : إِنَّهُ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ فُلَانٍ الضَّعِيفِ .
وَصَنِيعُ
أَبِي دَاوُدَ يَقْتَضِيهِ لِمَا فِي الْمَسْكُوتِ عَلَيْهِ مِنَ الضَّعِيفِ بِالِاسْتِقْرَاءِ ، وَكَذَا هُوَ وَاضِحٌ مِنْ حَصْرِهِ التَّبْيِينَ فِي الْوَهَنِ الشَّدِيدِ ; إِذْ مَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الشَّدِيدِ لَا يُبَيِّنُهُ .
وَحِينَئِذٍ فَالصَّلَاحِيَةُ فِي كَلَامِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ لِلِاحْتِجَاجِ أَوِ الِاسْتِشْهَادِ ، فَمَا ارْتَقَى إِلَى الصِّحَّةِ ثُمَّ إِلَى الْحُسْنِ ، فَهُوَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ ، وَمَا عَدَاهُمَا فَهُوَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي ، وَمَا قَصُرَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ الَّذِي فِيهِ وَهَنٌ شَدِيدٌ ، وَقَدِ الْتَزَمَ بَيَانَهُ ، وَقَدْ تَكُونُ الصَّلَاحِيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا فِي الِاحْتِجَاجِ ، وَلَا يُنَافِيهِ وُجُودُ الضَّعِيفِ ; لِأَنَّهُ - كَمَا سَيَأْتِي - يُخَرِّجُ الضَّعِيفَ إِذَا لَمْ يَجِدْ فِي الْبَابِ غَيْرَهُ ، وَهُوَ أَقْوَى عِنْدَهُ مِنْ رَأْيِ الرِّجَالِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : إِنَّ كُلَّ مَا سَكَتَ عَلَيْهِ صَحِيحٌ عِنْدَهُ ، لَا سِيَّمَا إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ غَيْرُهُ .
عَلَى أَنَّ فِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابْنِ الصَّلَاحِ : وَقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مَا لَيْسَ بِحَسَنٍ عِنْدَ غَيْرِهِ - مَا يُومِئُ إِلَى التَّنْبِيهِ لِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ
ابْنُ رُشَيْدٍ ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ
[ ص: 105 ] ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ ; لِأَنَّهُ جَوَّزَ أَنْ يُخَالِفَ حُكْمُهُ حُكْمَ غَيْرِهِ فِي طَرَفٍ ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَهُ فِي طَرَفٍ آخَرَ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِاسْتِلْزَامِهِ نَقْضَ مَا قَرَّرَهُ .
وَبِالْجُمْلَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=29222فَالْمَسْكُوتُ عَنْهُ أَقْسَامٌ ، مِنْهُ مَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، أَوْ عَلَى شَرْطِ الصِّحَّةِ ، أَوْ حَسَنٌ لِذَاتِهِ ، أَوْ مَعَ الِاعْتِضَادِ ، وَهُمَا كَثِيرٌ فِي كِتَابِهِ جِدًّا ، وَمِنْهُ مَا هُوَ ضَعِيفٌ ، لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى تَرْكِهِ .
وَقَدْ قَالَ
النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْحَقُّ أَنَّ مَا وَجَدْنَاهُ مِمَّا لَمْ يُبَيِّنْهُ ، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى صِحَّتِهِ أَوْ حُسْنِهِ أَحَدٌ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ - فَهُوَ حَسَنٌ ، وَإِنْ نَصَّ عَلَى ضَعْفِهِ مَنْ يُعْتَمَدُ ، أَوْ رَأَى الْعَارِفُ فِي سَنَدِهِ مَا يَقْتَضِي الضَّعْفَ ، وَلَا جَابِرَ لَهُ - حُكِمَ بِضَعْفِهِ ، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى سُكُوتِهِ . انْتَهَى .
وَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُهُ مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الضَّعِيفِ وَغَيْرِهِ فِيهِ نَظَرٌ ، وَالتَّحْقِيقُ التَّمْيِيزُ لِمَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ ، وَرَدُّ الْمَسْكُوتِ عَلَيْهِ إِلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ مِنْ صِحَّةٍ وَحُسْنٍ وَغَيْرِهِمَا كَمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَرَجَّحَهُ هُوَ فِي بَابِهِ ، وَإِنْ كَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ أَقَرَّ فِي مُخْتَصَرَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابْنَ الصَّلَاحِ عَلَى دَعْوَاهُ هُنَا الَّتِي تَقْرُبُ مِنْ صَنِيعِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي مُسْتَدْرَكِ
الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ مِمَّا أَلْجَأَهُ إِلَيْهَا مَذْهَبُهُ .
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَا تَمْيِيزٍ ، فَالَأَحْوَطُ أَنْ يَقُولَ فِي الْمَسْكُوتِ عَلَيْهِ : صَالِحٌ ، كَمَا هِيَ عِبَارَتُهُ ، خُصُوصًا وَقَدْ سَلَكَهُ جَمَاعَةٌ ( وَكَذَا لِلْإِمَامِ ) الْحَافِظِ الثِّقَةِ
أَبِي الْفَتْحِ فَتْحِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَيِّدِ النَّاسِ ( الْيَعْمُرِيِّ ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْمِيمِ ، حَسْبَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13607ابْنُ نُقْطَةَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ ، وَبِضَمِّ الْمِيمِ أَيْضًا كَمَا ضَبَطَهُ
النَّوَوِيُّ ، الْأَنْدَلُسِيُّ الْأَصْلِ الْقَاهِرِيُّ الشَّافِعِيُّ ، مُؤَلِّفُ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَغَيْرِهَا ، الْمُتَوَفَّى فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ ( 734 هـ ) عَنْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً ، وَالْمَدْفُونُ بِالْقَرَافَةِ ، فِي
[ ص: 106 ] الْقِطْعَةِ الَّتِي شَرَحَهَا مِنَ
التِّرْمِذِيِّ .
اعْتِرَاضٌ آخَرُ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابْنِ الصَّلَاحِ ; فَإِنَّهُ قَالَ : لَمْ يَرْسُمْ
أَبُو دَاوُدَ شَيْئًا بِالْحُسْنِ ( إِنَّمَا قَوْلُ
أَبِي دَاوُدَ يَعْنِي : الْمَاضِي وَهُوَ " ذَكَرْتُ الصَّحِيحَ وَمَا يُشْبِهُهُ " أَيْ : فِي الصِّحَّةِ " وَمَا يُقَارِبُهُ " أَيْ : فِيهَا أَيْضًا ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : إِنَّ بَعْضَهَا أَصَحُّ مِنْ بَعْضٍ ; فَإِنَّهُ يُشِيرُ إِلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا لِمَا يَقْتَضِيهِ صِيغَةُ أَفْعَلَ فِي الْأَكْثَرِ .
( يَحْكِي
مُسْلِمًا ) أَيْ : يُشْبِهُ قَوْلَ
مُسْلِمٍ صَاحِبِ ( الصَّحِيحِ حَيْثُ يَقُولُ ) أَيْ :
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ : ( جُمْلَةُ الصَّحِيحِ لَا تُوجَدُ عِنْدَ ) الْإِمَامِ (
مَالِكٍ وَالنُّبَلَا )
كَشُعْبَةَ وَسُفْيَانَ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيِّ ( فَاحْتَاجَ ) أَيْ :
مُسْلِمٌ ( أَنْ يَنْزِلَ فِي الْإِسْنَادِ ) عَنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=treesubj&link=29189أَهْلِ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا فِي الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ ( إِلَى ) حَدِيثِ (
nindex.php?page=showalam&ids=17347يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَنَحْوِهِ ) ;
nindex.php?page=showalam&ids=16861كَلَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16571وَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ مِمَّنْ يَلِيهِمْ فِي ذَلِكَ .
( وَإِنْ يَكُنْ ذُو ) أَيْ : صَاحِبُ ( السَّبْقِ ) فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ ، وَهُوَ
مَالِكٌ مَثَلًا ( قَدْ فَاتَهُ ) أَيْ : سَبَقَ بِحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ يَزِيدَ مَثَلًا ، فَقَدْ ( أَدْرَكَ ) أَيْ : لَحِقَ الْمَسْبُوقُ السَّابِقَ فِي الْجُمْلَةِ ( بِاسْمِ ) الْعَدَالَةِ وَ ( الصِّدْقِ ) .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي " فَاتَهُ "
لِمُسْلِمٍ ، وَيَكُونَ الْمَعْنَى : وَإِنْ يَكُنْ قَدْ فَاتَ
مُسْلِمًا وُجُودُ مَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ ذِي السَّبْقِ ، إِمَّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَسْمَعْهُ هُوَ أَوْ ذَاكَ السَّابِقُ ، فَقَدْ أَدْرَكَ ، أَيْ : بَلَغَ مَقْصُودَهُ مِنْ حَدِيثِ مَنْ يَشْتَرِكُ مَعَهُ فِي الْجُمْلَةِ .
وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى كَلَامِ
مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَاحِدٌ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ ، غَيْرَ أَنَّ
مُسْلِمًا شَرَطَ الصَّحِيحَ ، فَاجْتَنَبَ حَدِيثَ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ ، وَهُوَ الضَّعِيفُ الْوَاهِي ، وَأَتَى بِالْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ ،
وَأَبَا دَاوُدَ لَمْ يَشْتَرِطْهُ ; فَذَكَرَ مَا يَشْتَدُّ وَهَنُهُ عِنْدَهُ ، وَالْتَزَمَ بَيَانَهُ فَـ ( هَلَّا قَضَى ) أَيِ :
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابْنُ الصَّلَاحِ ( عَلَى كِتَابِ
مُسْلِمٍ بِمَا قَضَى بِهِ عَلَيْهِ ) أَيْ : عَلَى
أَبِي دَاوُدَ أَوْ كِتَابِهِ ( بِالتَّحَكُّمِ ) الْمَذْكُورِ .
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : ( وَهُوَ تَعَقُّبٌ مُتَّجِهٌ ، وَرَدَّهُ شَيْخُنَا بِقَوْلِهِ : بَلْ هُوَ تَعَقُّبٌ وَاهٍ جِدًّا لَا يُسَاوِي سَمَاعَهُ ) .
[ ص: 107 ] وَهُوَ كَذَلِكَ لِتَضَمُّنِهِ أَحَدَ شَيْئَيْنِ : وُقُوعُ غَيْرِ الصَّحِيحِ فِي
مُسْلِمٍ ، أَوْ تَصْحِيحُ كُلِّ مَا سَكَتَ عَلَيْهِ
أَبُو دَاوُدَ ، وَقَدْ بَيَّنَ رَدَّهُ الشَّارِحُ ; بِأَنَّ
مُسْلِمًا nindex.php?page=treesubj&link=29221_29605شَرَطَ الصَّحِيحَ ، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَحْكُمَ عَلَى حَدِيثٍ فِي كِتَابِهِ بِأَنَّهُ حَسَنٌ .
وَأَبُو دَاوُدَ إِنَّمَا قَالَ : مَا سَكَتَ عَلَيْهِ فَهُوَ صَالِحٌ ، وَالصَّالِحُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا ، فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ نَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالْحُسْنِ .
وَبِنَحْوِهِ أَجَابَ عَنِ اعْتِرَاضِ
ابْنِ رُشَيْدٍ الْمَاضِي ، وَسَبَقَهُ شَيْخُهُ
الْعَلَائِيُّ ، فَأَجَابَ بِمَا هُوَ أَمْتَنُ مِنْ هَذَا .
وَعِبَارَتُهُ : هَذَا الَّذِي قَالَهُ - يَعْنِي :
ابْنَ سَيِّدِ النَّاسِ - ضَعِيفٌ ، وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابْنِ الصَّلَاحِ أَقْوَى ; لِأَنَّ دَرَجَاتِ الصَّحِيحِ إِذَا تَفَاوَتَتْ ، فَلَا يَعْنِي بِالْحَسَنِ إِلَّا الدَّرَجَةَ الدُّنْيَا مِنْهَا ، وَالدَّرَجَةُ الدُّنْيَا مِنْهَا لَمْ يُخَرِّجْ مِنْهَا مُسْلِمٌ شَيْئًا فِي الْأُصُولِ ، إِنَّمَا يُخَرِّجُهَا فِي الْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ .
وَارْتَضَاهُ شَيْخُنَا ، وَقَالَ : إِنَّهُ لَوْ كَانَ يُخَرِّجُ جَمِيعَ أَهْلِ الْقِسْمِ الثَّانِي فِي الْأُصُولِ ، بَلْ وَفِي الْمُتَابَعَاتِ - لَكَانَ كِتَابُهُ أَضْعَافَ مَا هُوَ عَلَيْهِ ، أَلَا تَرَاهُ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يُورِدْ
nindex.php?page=showalam&ids=16571لِعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ إِلَّا فِي الْمُتَابَعَاتِ ، وَكَوْنِهِ مِنَ الْمُكْثِرِينَ لَيْسَ عِنْدَهُ سِوَى مَوَاضِعَ يَسِيرَةٍ .
وَكَذَا لَيْسَ
لِابْنِ إِسْحَاقَ عِنْدَهُ فِي الْمُتَابَعَاتِ إِلَّا سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ ، وَهُوَ مَنْ يُجَوِّزُ الْحَدِيثَ ، وَلَمْ يُخَرِّجْ
لِلَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، وَلَا
nindex.php?page=showalam&ids=17347لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ ، وَلَا
nindex.php?page=showalam&ids=16878لِمُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ إِلَّا مَقْرُونًا ، وَهَذَا بِخِلَافِ
أَبِي دَاوُدَ ; فَإِنَّهُ يُخَرِّجُ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ فِي الْأُصُولِ مُحْتَجًّا بِهَا ، وَلَأَجْلِ ذَا تَخَلَّفَ كِتَابُهُ عَنْ شَرْطِ الصِّحَّةِ .