الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ ذكر الفقهاء السبعة ] ( و ) كذا كان ( في الكبار ) السادات من التابعين ( الفقهاء السبعه ) من أهل المدينة النبوية ، الذين كانوا يصدرون عن آرائهم ، وينتهى إلى قولهم وإفتائهم ممن عرف بالفقه والصلاح والفضل والفلاح . قال ابن المبارك : وكانوا إذا جاءتهم المسألة دخلوا فيها جميعا فنظروا فيها ، ولا يقضي القاضي حتى ترفع إليهم فينظرون فيها فيصدرون . انتهى .

والفقهاء ، وإن كانوا بكثرة في التابعين ، فعند إطلاق هذا الوصف مع قيد العدد المعين لا ينصرف إلا إلى هؤلاء ، كما قلنا في العبادلة من الصحابة سواء .

وهم : ( خارجة ) بن زيد بن ثابت الأنصاري . قال مصعب الزبيري : كان هو وطلحة بن عبد الله بن عوف - يعني قاضي المدينة وابن أخي عبد الرحمن بن عوف - يقسمان المواريث ، ويكتبان الوثائق ، وينتهي الناس إلى قولهما . وكذا قال ابن أبي خيثمة ، وزاد : وأنهما [ ص: 154 ] كانا يستفتيان في زمانهما .

والثاني : ( القاسم ) بن محمد بن أبي بكر الصديق . قال يحيى بن سعيد : ما أدركنا بالمدينة أحدا نفضله عليه . وعن أبي الزناد : ما رأيت أحدا أعلم بالسنة ولا أحد ذهنا منه . وفي ( صحيح البخاري ) : ثنا علي ، ثنا ابن عيينة ، ثنا عبد الرحمن بن القاسم ، وكان أفضل أهل زمانه ، أنه سمع أباه ، وكان أفضل أهل زمانه ، فذكر شيئا . وعن مالك أنه كان من فقهاء هذه الأمة .

( ثم عروه ) بن الزبير بن العوام الأسدي . قال ابن عيينة : كان أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة ، فبدأ به . وعنه نفسه قال : لقد رأيتني قبل موتها بأربع حجج أو خمس وأنا أقول : لو ماتت اليوم ما ندمت على حديث عندها إلا وقد وعيته . ( ثم سليمان ) بن يسار الهلالي مولى ميمونة أو مكاتب أم سلمة فيما قيل . قال الحسن بن محمد ابن الحنفية : إنه كان عندنا أفهم من ابن المسيب ، وكان ابن المسيب يقول للسائل : اذهب إليه ; فإنه أعلم من بقي اليوم . وقال مالك : كان من علماء الناس بعد ابن المسيب .

والخامس : ( عبيد الله ) ، هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود . قال العجلي : كان أحد فقهاء المدينة . وكذا قال ابن عبد البر : كان أحد الفقهاء العشرة ثم السبعة الذين تدور عليهم الفتوى ، وكان عالما فاضلا مقدما في الفقه ، شاعرا محسنا ، لم يكن بعد الصحابة إلى يومنا هذا فيما علمت فقيه أشعر منه ، ولا شاعر أفقه منه .

والسادس : ( سعيد ) بن المسيب بن حزن القرشي المخزومي ، الماضي قريبا ، وأنه أفضل التابعين . قال مكحول : طفت الأرض كلها في طلب العلم [ ص: 155 ] فما لقيت أعلم منه . وقال قتادة : ما رأيت أعلم بالحلال والحرام منه . وعن سعيد نفسه : ما بقي أحد أعلم بكل قضاء قضاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر مني . قال الراوي : وأحسبه قال : وعثمان .

( والسابع ذو اشتباه ) في تعيينه ، فهو ( إما أبو سلمة ) بالصرف للضرورة ، ابن عبد الرحمن بن عوف ، كما عند أكثر علماء الحجاز ، حسبما قاله الحاكم ، وقد قرنه الزهري بسعيد وعبيد الله وعروة ، فقال : وجدتهم بحورا ، وقال : إن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ قال له وهو بمصر : لقد تركت رجلين من قومك لا أعلم أكثر حديثا منهما ; عروة وأبا سلمة . وقيل لأبي سلمة : من أفقه من خلفت ببلادك ؟ فأشار إلى نفسه . ( او ) هو ( سالم ) ، هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، كما لابن المبارك . وقال مالك : إنه كان من أفضل زمانه . بل جاء عنه أيضا أنه لم يكن أحد في زمانه أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش منه . وقرنه ابن أبي الزناد بالقاسم وعلي بن الحسين في كونهم فاقوا أهل المدينة علما وتقى وعبادة وورعا . ( أو فـ ) ـهو ( أبو بكر ) ، هو ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام القرشي ، كما لأبي الزناد ; إذ قال : أدركت من فقهاء المدينة وعلمائهم ومن يرتضى منهم وينتهى إلى قولهم . . . فذكره في السبعة . بل قال في مشيخة من نظرائهم : أهل فقه وفضل .

وقال ابن سعد : وسألت الواقدي عن السبعة الذين كان أبو الزناد يحدث عنهم فيقول : حدثني السبعة ، فقال : سعيد . . . وذكرهم ، وأحدهم أبو بكر . وكان مكفوفا ، وهو الذي كان يقال له : راهب قريش ; [ ص: 156 ] لكثرة صلاته . وقال ابن خراش : وهو أحد أئمة المسلمين . وعنه أيضا : أبو بكر وعمر وعكرمة وعبد الله ، بنو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، أجلاء ثقات ، يضرب بهم المثل ، وكلهم من شيوخ الزهري إلا عمر .

( خلاف ) ; أي : خلف في السابع ، ( قائم ) ; يعني : قوي . وجمعهما - أعني أبا سلمة وسالما - عوضا عن أبي بكر وعبيد الله ، وزاد محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري بحيث صاروا ثمانية ، الأستاذ أبو منصور البغدادي كما هو رأي لغيره أيضا . لكن في إدراج ابن حزم فيهم نظر ; فإنه متقدم على هؤلاء بكثير ; إذ موتهم قريبا من سنة مائة ، وهو قتل يوم الحرة سنة ثلاث وستين ، وكان قتله سبب هزيمة أهل المدينة ، وبلغ بهم يحيى بن سعيد فيما رواه علي بن المديني عنه كما للحاكم في ( علومه ) اثني عشر نفسا ، فذكر ممن سبق : خارجة ، والقاسم ، وسعيدا ، وأبا سلمة ، وسالما ، ومن غيرهم : حمزة وزيدا وعبيد الله وبلالا بني عبد الله بن عمر ، إخوة سالم ، وإسماعيل بن زيد بن ثابت أخا خارجة ، وأبان بن عثمان بن عفان ، وقبيصة بن ذؤيب . وقرن غيرهم مع خارجة طلحة بن عبد الله بن عوف ، كما تقدم قريبا . وقد نظم محمد بن يوسف بن الخضر بن عبد الله الحلبي الحنفي المتوفى سنة أربع عشرة وستمائة ( 614هـ ) السبعة المشهورين ، واختار في السابع قول أبي الزناد ، فقال :

ألا كل من لا يقتدي بأئمة فقسمته ضيزى عن الحق خارجه     فخذهم : عبيد الله عروة قاسم
سعيد أبو بكر سليمان خارجه

[ ص: 157 ] وكلهم من أبناء الصحابة إلا سليمان ، فأبوه يسار لا صحبة له . ومحمد بن أبي بكر وعبد الله بن عتبة وعبد الرحمن بن الحارث من صغارهم . ويقال : إنه ما كتبت أسماؤهم ووضعت في شيء من الزاد أو القوت إلا بورك فيه وسلم من الآفة ; كالسوس وشبهه . بل ويقال : إنها أمان للحفظ في كل شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية