[ ] : واختلف في حكمه فممن استعمله بهذا المقصد سوى من حكيناه عنهم حكم القلب للامتحان ، حماد بن سلمة وشعبة ، وأكثر منه ، ولكن أنكره عليه حرمي لما حدثه بهز أنه قلب أحاديث على أبان بن أبي عياش ، فقال : يا بئس ما [ ص: 340 ] صنع ، وهذا يحل ؟ وقال - كما سيأتي قريبا - : لا أستحله ، وكأنه لما يترتب عليه من تغليظ من يمتحنه واستمراره على روايته لظنه أنه صواب ، وقد يسمعه من لا خبرة له فيرويه ظنا منه أنه صواب . يحيى القطان
واشتد غضب على من فعل به ذلك ، فروينا في المحدث الفاصل محمد بن عجلان من طريق للرامهرمزي قال : قدمت يحيى بن سعيد القطان الكوفة ، وبها ، وبها ممن يطلب الحديث ابن عجلان مليح بن الجراح أخو ، وكيع ، وحفص بن غياث ويوسف بن خالد السمتي ، فكنا نأتي ، فقال ابن عجلان يوسف : هلم نقلب عليه حديثه حتى ننظر فهمه .
قال : ففعلوا ، فما كان عن أبيه جعلوه عن ، وما كان عن سعيد المقبري سعيد جعلوه عن أبيه ، قال يحيى : فقلت لهم : لا أستحل هذا ، فدخلوا عليه فأعطوه الجزء فمر فيه ، فلما كان عند آخر الكتاب انتبه ، فقال أعد ، فعرضت عليه ، فقال : ما كان عن أبي فهو عن سعيد ، وما كان عن سعيد فهو عن أبي .
ثم أقبل على يوسف فقال : إن كنت أردت شيني وعيبي فسلبك الله الإسلام ، وقال لحفص : فابتلاك الله في دينك ودنياك ، وقال لمليح : لا نفعك الله بعلمك .
قال يحيى : فمات مليح قبل أن ينتفع بعلمه ، وابتلي حفص في بدنه بالفالج وفي دينه بالقضاء ، ولم يمت يوسف حتى اتهم بالزندقة .
وكذا اشتد غضب شيخ أبي نعيم الفضل بن دكين في ذلك أيضا ، قال البخاري : خرجت مع أحمد بن المنصور الرمادي ، أحمد بن حنبل إلى ويحيى بن معين عبد الرزاق أخدمهما ، فلما عدنا إلى الكوفة ، قال يحيى لأحمد : أريد أن أختبر أبا نعيم ، فقال له أحمد : لا تفعل ، الرجل ثقة ، فقال : لا بد لي . فأخذ ورقة فكتب [ ص: 341 ] فيها ثلاثين حديثا من حديث أبي نعيم ، وجعل على كل عشرة منها حديثا ليس من حديثه ، ثم جاءوا إلى أبي نعيم ، فخرج فجلس على دكان ، فأخرج يحيى الطبق فقرأ عليه عشرة ، ثم قرأ الحادي عشر ، فقال أبو نعيم : ليس من حديثي ، اضرب عليه .
ثم قرأ العشر الثاني وأبو نعيم ساكت ، فقرأ الحديث الثاني : فقال : ليس من حديثي ، اضرب عليه . ثم قرأ العشر الثالث ، وقرأ الحديث الثالث ، فانقلبت عيناه وأقبل على يحيى فقال : أما هذا - وذراع أحمد في يده - فأورع من أن يعمل هذا ، وأما هذا ، يريدني ، فأقل من أن يعمل هذا ، ولكن هذا من فعلك يا فاعل ! ثم أخرج رجله فرفسه فرمى به ، وقام فدخل داره .
فقال أحمد ليحيى : ألم أقل لك : إنه ثبت ؟ قال : والله لرفسته أحب إلي من سفرتي .
وقال الشارح : وفي جوازه نظر ، إلا أنه إذا فعله أهل الحديث لا يستقر حديثا .
قلت : إلا في النادر ، وبالجملة فقد قال شيخنا : إن مصلحته - أي : التي منها معرفة رتبته في الضبط في أسرع وقت - أكثر من مفسدته ، قال : وشرطه - أي : الجواز ، ألا يستمر عليه ، بل ينتهي بانتهاء الحاجة .