الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ شروط العدالة ] ( و ) أما الشروط ( في العدالة ) [ المتصف بها المعدل ] ، وضابطها إجمالا أنها ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة ، والمراد بالتقوى اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة ، فهي خمسة ( بأن ) أي : أن ( يكون مسلما ) بالإجماع ( ذا عقل ) ، فلا يكون مجنونا ، سواء المطبق والمتقطع إذا أثر في الإفاقة .

( قد بلغ الحلم ) بضم المهملة وسكون اللام ; أي : الإنزال في النوم ، والمراد البلوغ به أو بنحوه كالحيض ، أو باستكمال خمس عشرة سنة ; إذ هو مناط التكليف ( سليم الفعل من فسق ) ، وهو ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة ( أو ) أي : وسليم الفعل من ( خرم مروءة ) ، على أنه قد اعترض على ابن الصلاح في [ ص: 6 ] إدراجه آخرها في المتفق عليه ، وقيل : إنه لم يشرطها ، فيما ذكر الخطيب وغيره ، سوى الشافعي وأصحابه ، لكنه مردود بأن العدالة لا تتم عند كل من شرطها - وهم أكثر العلماء - بدونها ، بل من لم يشرط مزيدا على الإسلام ، واكتفى بعدم ثبوت ما ينافي العدالة ، وأن من ظهر منه ما ينافيها لم تقبل شهادته ولا روايته ، قد لا ينافيه .

نعم قد حقق الماوردي أن الذي تجنبه منها شرط في العدالة ، وارتكابه مفض إلى الفسق : ما سخف من الكلام المؤذي والضحك ، وما قبح من الفعل الذي يلهو به ويستقبح بمعرته ، كنتف اللحية وخضابها بالسواد ، وكذا البول قائما ، يعني في الطريق ، وبحيث يراه الناس ، وفي الماء الراكد ، وكشف العورة إذا خلا ، والتحدث بمساوئ الناس .

وأما ما ليس بشرط فكعدم الإفضال بالماء والطعام ، والمساعدة بالنفس والجاه ، وكذا الأكل في الطريق ، وكشف الرأس بين الناس ، والمشي حافيا ، ويمكن أن يكون هذا منشأ الاختلاف ، ولكن في بعض ما ذكره من الشقين نظر .

وما أحسن قول الزنجاني في شرح ( الوجيز ) : " المروءة يرجع في معرفتها إلى [ ص: 7 ] العرف ، فلا تتعلق بمجرد الشرع ، وأنت تعلم أن الأمور العرفية قلما تضبط ، بل هي تختلف باختلاف الأشخاص والبلدان ، فكم من بلد جرت عادة أهله بمباشرة أمور لو باشرها غيرهم لعد خرما للمروءة .

وفي الجملة رعاية مناهج الشرع وآدابه ، والاهتداء بالسلف ، والاقتداء بهم أمر واجب الرعاية " .

قال الزركشي : " وكأنه يشير بذلك إلى أنه ليس المراد سيرة مطلق الناس ، بل الذين يقتدى بهم " ، وهو كما قال ، ثم إن اشتراط البلوغ من الذي عليه الجمهور ، وإلا فقد قبل بعضهم رواية الصبي المميز الموثوق به ، ولذا كان في المسألة لأصحابنا وجهان ، قيدهما الرافعي وتبعه النووي بالمراهق ، مع وصف النووي للقبول بالشذوذ .

وقال الرافعي في موضع آخر : " وفي الصبي بعد التمييز وجهان كما في رواية أخبار الرسول ، واختصره النووي بالصبي المميز ، ولا تناقض ، فمن قيد [ ص: 8 ] بالمراهق عنى المميز ، والصحيح عدم قبول غير البالغ ، وهو الذي حكاه النووي عن الأكثرين .

وحكى في شرح المهذب تبعا للمتولي عن الجمهور - قبول أخبار الصبي المميز فيما طريقه المشاهدة ، بخلاف ما طريقه النقل ; كالإفتاء ورواية الأخبار ونحوه ، وإليه أشار شيخنا بقوله : " وقبل الجمهور أخبارهم إذا انضمت إليها قرينة " انتهى .

أما غير المميز فلا يقبل قطعا ، وكذا لم يشترطوا في عدل الرواية الحرية ، بل أجمعوا - كما حكاه الخطيب - على قبول رواية العبد بالشروط المذكورة ، وأجاز شهادته جماعة من السلف ، ولكن الجمهور في الشهادة على خلافه ، وهو مما افترقا فيه كما افترقا في مسألة التزكية الآتية بعد ، وقد نظم ذلك شيخنا فقال :


العدل من شرطه المروءة وال إسلام والعقل والبلوغ معا     يجانب الفسق راويا ومتى
يشهد فحرية تضف تبعا

ولا الذكورة ، خلافا لما نقله الماوردي في الحاوي عن أبي حنيفة قال : واستثنى أخبار عائشة وأم سلمة ، وأما من شرط في الرواية العدد كالشهادة ، فهو قول شاذ مخالف لما عليه الجمهور ، وكما أسلفته في مراتب الصحيح ، بل [ ص: 9 ] تقبل رواية الواحد إذا جمع أوصاف القبول ، وأدلة ذلك كثيرة شهيرة .

أو كون الراوي فقيها عالما كأبي حنيفة ; حيث شرط فقه الراوي إن خالف القياس وغيره ، حيث قصره على الغريب .

فكله خلاف ما عليه الجمهور ، وحجتهم قول الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ) [ الحجرات : 6 ] الآية ، فمقتضاه أن لا يتثبت في غير خبر الفاسق ولو لم يكن عالما .

وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( ( نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ) ) الحديث ، أقوى دليل على ذلك ; لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفرق ، بل صرح بقوله : ( ( فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) ) .

وكذا من شرط عدم عماه ، أو كونه مشهورا بسماع الحديث ، أو معروف النسب ، أو أن لا ينكر راوي الأصل رواية الفرع عنه على وجه النسيان أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية