[ ص: 184 ] قالوا : حديثان متناقضان .
15 - . دخول الجنة ودخول النار
قالوا : رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ، لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ثم رويتم : ، وإن زنى وإن سرق من قال لا إله إلا الله ، دخل الجنة والزنا والسرقة أعظم عند الله من مثقال حبة من خردل من كبر . قالوا وهذا اختلاف .
قال أبو محمد : ونحن نقول إنه ليس هاهنا اختلاف ، وهذا الكلام خرج مخرج الحكم ، يريد ليس حكم من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان أن يدخل النار ، ولا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر أن يدخل الجنة ؛ لأن الكبرياء لله تعالى ولا تكون لغيره .
فإذا نازعها الله تعالى ، لم يكن حكمه أن يدخل الجنة ، والله تعالى يفعل بعد ذلك ما يشاء .
[ ص: 185 ] ومثل هذا من الكلام قولك - في دار رأيتها صغيرة - لا ينزل في هذا الدار أمير . تريد حكمها ، وحكم أمثالها ، أن لا ينزلها الأمراء ، وقد يجوز أن ينزلوها . وقولك : هذا بلد لا ينزله حر ، تريد ليس حكمه أن ينزله الأحرار ، وقد يجوز أن ينزلوه .
وكذلك قوله لأنه رغب عن هدية الله تعالى وصدقته ولم يعمل برخصته ويسره والراغب عن الرخصة كالراغب عن العزم وكلاهما مستحق للعقوبة إن عاقبه الله - عز وجل - . وكذلك قوله : من صام الدهر ضيقت عليه جهنم ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم أي حكمه أن يجزيه بذلك ، والله يفعل ما يشاء ، وهو على حديث : أبي هريرة من وعده الله تعالى على عمل ثوابا فهو منجزه له ، ومن أوعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار .
وحدثني إسحاق بن إبراهيم الشهيدي قال حدثنا قريش بن أنس قال سمعت يقول : يؤتى بي يوم القيامة فأقام بين يدي الله - عز وجل - فيقول لي : لم قلت إن القاتل في النار ؟ فأقول : أنت قلته يا رب ، ثم تلا هذه الآية عمرو بن عبيد ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها فقلت له - وما في البيت أصغر مني - أرأيت إن قال لك : فإني قد قلت إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء من أين علمت أني لا أشاء أن أغفر له ؟ قال : فما استطاع أن يرد علي شيئا .