[ ص: 375 ] 38 - قالوا : أحاديث تدل على خلق القرآن
قلب القرآن وسنامه
قالوا : رويتم قلب القرآن يس ، وسنام القرآن البقرة ، وتجيء البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف ، ويأتي القرآن الرجل في قبره فيقول له : كيت وكيت ، وهذا كله يدل على أن القرآن مخلوق ، ولا يجوز أن يكون ما له قلب وسنام ، وما كان غمامة أو غياية غير مخلوق .
قال أبو محمد : ونحن نقول : إنه قد كان ينبغي لهؤلاء إذا كانوا أصحاب كلام وقياس أن يعلموا أن القرآن لا يكون جسما ولا ذا حدود وأقطار ، [ ص: 376 ] وإنما أراد بقوله : " " أعلاه ، كما أن السنام من البعير أعلاه ، وأراد بقوله : سنام القرآن البقرة أنها من القرآن كمحل القلب من البدن . قلب القرآن يس
وأراد بقوله : أن ثوابهما يأتي قارئهما حتى يظله يوم القيامة ، ويأتي ثوابه الرجل في قبره ، ويأتي الرجل يوم القيامة حتى يجادل عنه . تجيء البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان
ويجوز أن يكون الله تعالى يجعل له مثالا يحاج عنه ويستنقذه .
قال أبو محمد : حدثنا أبو الخطاب بن زياد يحيى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عمرو بن شعيب ، يمثل القرآن يوم القيامة برجل ، ويؤتى بالرجل قد كان يضيع فرائضه ويتعدى حدوده ويخالف طاعته ويركب معصيته . قال : فينتتل خصما له فيقول : أي رب حملت إياي شر حامل تعدى حدودي وضيع فرائضي وترك طاعتي وركب معصيتي ، فما يزال يقذف بالحجج عليه حتى يقال له : فشأنك به ، قال : فيأخذ بيده فلا يفارقه حتى يكبه على منخره في النار ، ويؤتى بالرجل قد كان يحفظ حدوده ويعمل بفرائضه ويأخذ [ ص: 377 ] بطاعته ويجتنب معصيته ، فينتتل خصما له فيقول أي : رب حملت إياي خير حامل ، اتقى حدودي وعمل بفرائضي واتبع طاعتي وترك معصيتي ، فما يزال يقذف له بالحجج عليه حتى يقال : فشأنك به ، قال : فيأخذ بيده فما يرسله حتى يكسوه حلة الإستبرق ، ويعقد على رأسه تاج الملك ، ويسقيه بكأس الخلد .
قال أبو محمد : أفما في قوله : يمثل القرآن دليل على أنه يجعل له مثال ليعلم صاحبه التالي له والعامل به أن القرآن هو المستنقذ له ؟ والقرآن نفسه لا يكون رجلا ولا جسما ولا يتكلم ؛ لأنه كلام ، ولو أمعن هؤلاء النظر وأوتوا طرفا من التوفيق ، لعلموا أنه لا يجوز أن يكون القرآن مخلوقا ؛ لأنه كلام الله تعالى ، وكلام الله من الله وليس من الله - عز وجل - شيء مخلوق ، ويعتبر ذلك برد الأمر إلى ما يفهمون من كلامنا ؛ لأن كلامنا ليس عملا لنا إنما هو صوت وحروف مقطعة وكلاهما لا يجوز أن يكون لنا فعلا ؛ لأنهما جميعا خلق الله ، وإنما لنا من العمل فيهما الأداء والثواب من الله تعالى يقع عليه .
ومثل ذلك ، مثل رجل أودعته مالا ، ثم استرجعته منه فأداه إليك بيده ، [ ص: 378 ] فليس له في المال ولا في اليد ثواب ، وإنما الثواب في تأدية المال ، وكذلك الثواب لك في تأدية القرآن بالصوت والحروف المقطعة ، والقرآن بهذا النظم وهذا التأليف كلام الله تعالى ، ومنه بدا .
وكل من أداه ، فهو مؤد لكلام الله تعالى ، لا يزيل ذلك عنه أن يكون هو القارئ له ، ولو أن رجلا ألف خطبة أو عمل قصيدة ، ثم نقل ذلك عنه لم يكن الكلام ولا الشعر عملا للناقل ، وإنما يكون الشعر للمؤلف ، وليس للناقل منه إلا الأداء .