nindex.php?page=treesubj&link=29219وليشتغل بالتخريج ، والتأليف ، والتصنيف إذا استعد لذلك ، وتأهل له ، فإنه - كما قال
الخطيب الحافظ - يثبت الحفظ ، ويذكي القلب ، ويشحذ الطبع ، ويجيد البيان ، ويكشف الملتبس ، ويكسب جميل الذكر ، ويخلده إلى آخر الدهر ، وقل ما يمهر في علم الحديث ، ويقف على غوامضه ، ويستبين الخفي من فوائده إلا من فعل ذلك .
وحدث الصوري
الحافظ محمد بن علي قال : " رأيت
nindex.php?page=showalam&ids=16390أبا محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ في المنام ، فقال لي : يا
أبا عبد الله ، خرج ، وصنف قبل أن يحال بينك وبينه ، هذا أنا تراني قد حيل بيني وبين ذلك " .
[ ص: 253 ] وللعلماء بالحديث في تصنيفه طريقتان :
إحداهما :
nindex.php?page=treesubj&link=29220التصنيف على الأبواب ، وهو تخريجه على أحكام الفقه ، وغيرها ، وتنويعه أنواعا وجمع ما ورد في كل حكم ، وكل نوع في باب فباب .
والثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=29223تصنيفه على المسانيد ، وجمع حديث كل صحابي وحده ، وإن اختلفت أنواعه ، ولمن اختار ذلك أن يرتبهم على حروف المعجم في أسمائهم ، وله أن يرتبهم على القبائل ، فيبدأ
ببني هاشم ، ثم بالأقرب ، فالأقرب نسبا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وله أن يرتب على سوابق الصحابة ، فيبدأ بالعشرة ، ثم
بأهل بدر ، ثم
بأهل الحديبية ، ثم بمن أسلم ، وهاجر بين
الحديبية ، وفتح
مكة ، ويختم بأصاغر الصحابة
كأبي الطفيل ، ونظرائه ، ثم بالنساء ، وهذا أحسن ، والأول أسهل ، وفي ذلك من وجوه الترتيب غير ذلك .
ثم إن من أعلى المراتب في تصنيفه تصنيفه معللا ، بأن يجمع في كل حديث طرفه ، واختلاف الرواة فيه ، كما فعل
nindex.php?page=showalam&ids=17383يعقوب بن شيبة في مسنده .
ومما يعتنون به في التأليف جمع الشيوخ ، أي : جمع حديث شيوخ مخصوصين كل واحد منهم على انفراده . قال
عثمان بن سعيد [ ص: 254 ] الدارمي : " يقال : من لم يجمع حديث هؤلاء الخمسة فهو مفلس في الحديث :
سفيان ،
وشعبة ،
ومالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=15743وحماد بن زيد ،
وابن عيينة ، وهم أصول الدين " .
وأصحاب الحديث يجمعون حديث خلق كثير غير الذين ذكرهم
الدارمي ، منهم :
nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب السختياني ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
والأوزاعي .
ويجمعون أيضا التراجم ، وهي أسانيد يخصون ما جاء بها بالجمع ، والتأليف ، مثل ترجمة
مالك عن
نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وترجمة
nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وترجمة
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن
عائشة رضي الله عنها ، في أشباه لذلك كثيرة .
ويجمعون أيضا أبوابا من أبواب الكتب المصنفة الجامعة للأحكام ، فيفردونها بالتأليف ، فتصير كتبا مفردة نحو باب رؤية الله عز وجل ، وباب رفع اليدين ، وباب القراءة خلف الإمام ، وغير ذلك .
ويفردون أحاديث ، فيجمعون طرقها في كتب مفردة نحو طرق حديث قبض العلم ، وحديث الغسل يوم الجمعة ، وغير ذلك . وكثير من أنواع كتابنا هذا قد أفردوا أحاديثه بالجمع والتصنيف .
وعليه في كل ذلك تصحيح القصد ، والحذر من قصد المكاثرة ونحوه .
بلغنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=15762حمزة بن محمد الكناني : أنه خرج حديثا واحدا من
[ ص: 255 ] نحو مائتي طريق ، فأعجبه ذلك ، فرأى
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين في منامه ، فذكر له ذلك ، فقال له : أخشى أن يدخل هذا تحت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=102&ayano=1ألهاكم التكاثر ) .
ثم
nindex.php?page=treesubj&link=29219ليحذر أن يخرج إلى الناس ما يصنفه إلا بعد تهذيبه ، وتحريره ، وإعادة النظر فيه ، وتكريره .
nindex.php?page=treesubj&link=29219وليتق أن يجمع ما لم يتأهل بعد لاجتناء ثمرته ، واقتناص فائدة جمعه ، كيلا يكون حكمه ما رويناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني ، قال : إذا رأيت الحدث أول ما يكتب الحديث ، يجمع حديث الغسل ، وحديث : " من كذب " فاكتب على قفاه " لا يفلح " .
ثم إن هذا الكتاب مدخل إلى هذا الشأن ، مفصح عن أصوله وفروعه ، شارح لمصطلحات أهله ومقاصدهم ومهماتهم التي ينقص المحدث بالجهل بها نقصا فاحشا ، فهو إن شاء الله جدير بأن تقدم العناية به ، ونسأل الله سبحانه فضله العظيم ، وهو أعلم .
nindex.php?page=treesubj&link=29219وَلْيَشْتَغِلْ بِالتَّخْرِيجِ ، وَالتَّأْلِيفِ ، وَالتَّصْنِيفِ إِذَا اسْتَعَدَّ لِذَلِكَ ، وَتَأَهَّلَ لَهُ ، فَإِنَّهُ - كَمَا قَالَ
الْخَطِيبُ الْحَافِظُ - يُثَبِّتُ الْحِفْظَ ، وَيُذَكِّي الْقَلْبَ ، وَيَشْحَذُ الطَّبْعَ ، وَيُجِيدُ الْبَيَانَ ، وَيَكْشِفُ الْمُلْتَبِسَ ، وَيُكْسِبُ جَمِيلَ الذِّكْرِ ، وَيُخَلِّدُهُ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ ، وَقَلَّ مَا يَمْهَرُ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ ، وَيَقِفُ عَلَى غَوَامِضهِ ، وَيَسْتَبِينُ الْخَفِيَّ مِنْ فَوَائِدِهِ إِلَّا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ .
وَحَدَّثَ الصُّورِيُّ
الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : " رَأَيْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=16390أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الْغَنِيِّ بْنَ سَعِيدٍ الْحَافِظَ فِي الْمَنَامِ ، فَقَالَ لِي : يَا
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، خَرِّجْ ، وَصَنِّفْ قَبْلَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ ، هَذَا أَنَا تَرَانِي قَدْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ ذَلِكَ " .
[ ص: 253 ] وَلِلْعُلَمَاءِ بِالْحَدِيثِ فِي تَصْنِيفِهِ طَرِيقَتَانِ :
إِحْدَاهُمَا :
nindex.php?page=treesubj&link=29220التَّصْنِيفُ عَلَى الْأَبْوَابِ ، وَهُوَ تَخْرِيجُهُ عَلَى أَحْكَامِ الْفِقْهِ ، وَغَيْرِهَا ، وَتَنْوِيعُهُ أَنْوَاعًا وَجَمْعُ مَا وَرَدَ فِي كُلِّ حُكْمٍ ، وَكُلِّ نَوْعٍ فِي بَابٍ فَبَابٍ .
وَالثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29223تَصْنِيفُهُ عَلَى الْمَسَانِيدِ ، وَجَمْعُ حَدِيثِ كُلِّ صَحَابِيٍّ وَحْدَهُ ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ ، وَلِمَنِ اخْتَارَ ذَلِكَ أَنْ يُرَتِّبَهُمْ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ فِي أَسْمَائِهِمْ ، وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَهُمْ عَلَى الْقَبَائِلِ ، فَيَبْدَأُ
بِبَنِي هَاشِمٍ ، ثُمَّ بِالْأَقْرَبِ ، فَالْأَقْرَبِ نَسَبًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَ عَلَى سَوَابِقِ الصَّحَابَةِ ، فَيَبْدَأُ بِالْعَشَرَةِ ، ثُمَّ
بِأَهْلِ بَدْرٍ ، ثُمَّ
بِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ ، ثُمَّ بِمَنْ أَسْلَمَ ، وَهَاجَرَ بَيْنَ
الْحُدَيْبِيَةِ ، وَفَتْحِ
مَكَّةَ ، وَيَخْتِمُ بِأَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ
كَأَبِي الطُّفَيْلِ ، وَنُظَرَائِهِ ، ثُمَّ بِالنِّسَاءِ ، وَهَذَا أَحْسَنُ ، وَالْأَوَّلُ أَسْهَلُ ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّرْتِيبِ غَيْرُ ذَلِكَ .
ثُمَّ إِنَّ مِنْ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ فِي تَصْنِيفِهِ تَصْنِيفَهُ مُعَلَّلًا ، بِأَنْ يَجْمَعَ فِي كُلِّ حَدِيثٍ طَرَفَهُ ، وَاخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِيهِ ، كَمَا فَعَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=17383يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ .
وَمِمَّا يَعْتَنُونَ بِهِ فِي التَّأْلِيفِ جَمْعُ الشُّيُوخِ ، أَيْ : جَمْعُ حَدِيثِ شُيُوخٍ مَخْصُوصِينَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ . قَالَ
عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ [ ص: 254 ] الدَّارِمِيُّ : " يُقَالُ : مَنْ لَمْ يَجْمَعْ حَدِيثَ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ فَهُوَ مُفْلِسٌ فِي الْحَدِيثِ :
سُفْيَانُ ،
وَشُعْبَةُ ،
وَمَالِكٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15743وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ،
وَابْنُ عُيَيْنَةَ ، وَهُمْ أُصُولُ الدِّينِ " .
وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَجْمَعُونَ حَدِيثَ خَلْقٍ كَثِيرٍ غَيْرِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ
الدَّارِمِيُّ ، مِنْهُمْ :
nindex.php?page=showalam&ids=12341أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيُّ ،
وَالْأَوْزَاعِيُّ .
وَيَجْمَعُونَ أَيْضًا التَّرَاجِمَ ، وَهِيَ أَسَانِيدُ يَخُصُّونَ مَا جَاءَ بِهَا بِالْجَمْعِ ، وَالتَّأْلِيفِ ، مِثْلُ تَرْجَمَةِ
مَالِكٍ عَنْ
نَافِعٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ، وَتَرْجَمَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=16068سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَتَرْجَمَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=17245هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فِي أَشْبَاهٍ لِذَلِكَ كَثِيرَةٍ .
وَيَجْمَعُونَ أَيْضًا أَبْوَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ الْجَامِعَةِ لِلْأَحْكَامِ ، فَيُفْرِدُونَهَا بِالتَّأْلِيفِ ، فَتَصِيرُ كُتُبًا مُفْرَدَةً نَحْوَ بَابِ رُؤْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ ، وَبَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَيُفْرِدُونَ أَحَادِيثَ ، فَيَجْمَعُونَ طُرُقَهَا فِي كُتُبٍ مُفْرَدَةٍ نَحْوَ طُرُقِ حَدِيثِ قَبْضِ الْعِلْمِ ، وَحَدِيثِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَكَثِيرٌ مِنْ أَنْوَاعِ كِتَابِنَا هَذَا قَدْ أَفْرَدُوا أَحَادِيثَهُ بِالْجَمْعِ وَالتَّصْنِيفِ .
وَعَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ تَصْحِيحُ الْقَصْدِ ، وَالْحَذَرُ مِنْ قَصْدِ الْمُكَاثَرَةِ وَنَحْوِهِ .
بَلَغَنَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15762حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنَانِيِّ : أَنَّهُ خَرَّجَ حَدِيثًا وَاحِدًا مِنْ
[ ص: 255 ] نَحْوِ مِائَتَيْ طَرِيقٍ ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ ، فَرَأَى
nindex.php?page=showalam&ids=17336يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ فِي مَنَامِهِ ، فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ ، فَقَالَ لَهُ : أَخْشَى أَنْ يَدْخُلَ هَذَا تَحْتَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=102&ayano=1أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ) .
ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29219لِيَحْذَرْ أَنْ يُخْرِجَ إِلَى النَّاسِ مَا يُصَنِّفُهُ إِلَّا بَعْدَ تَهْذِيبِهِ ، وَتَحْرِيرِهِ ، وَإِعَادَةِ النَّظَرِ فِيهِ ، وَتَكْرِيرِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=29219وَلْيَتَّقِ أَنْ يَجْمَعَ مَا لَمْ يَتَأَهَّلْ بَعْدُ لِاجْتِنَاءِ ثَمَرَتِهِ ، وَاقْتِنَاصِ فَائِدَةِ جَمْعِهِ ، كَيْلَا يَكُونَ حُكْمُهُ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16604عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ ، قَالَ : إِذَا رَأَيْتَ الْحَدَثَ أَوَّلَ مَا يَكْتُبُ الْحَدِيثَ ، يَجْمَعُ حَدِيثَ الْغُسْلِ ، وَحَدِيثَ : " مَنْ كَذَبَ " فَاكْتُبْ عَلَى قَفَاهُ " لَا يُفْلِحُ " .
ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْكِتَابَ مَدْخَلٌ إِلَى هَذَا الشَّأْنِ ، مُفْصِحٌ عَنْ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ ، شَارِحٌ لِمُصْطَلَحَاتِ أَهْلِهِ وَمَقَاصِدِهِمْ وَمُهِمَّاتِهِمُ الَّتِي يَنْقُصُ الْمُحَدِّثُ بِالْجَهْلِ بِهَا نَقْصًا فَاحِشًا ، فَهُوَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ جَدِيرٌ بِأَنْ تُقَدَّمَ الْعِنَايَةُ بِهِ ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَضْلَهُ الْعَظِيمَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ .