الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثاني عشر‏ : من شأن الحذاق المتقنين العناية بالتصحيح ، والتضبيب ، والتمريض‏ . ‏

أما التصحيح‏ : فهو كتابة ( ‏صح‏ ) على الكلام ، أو عنده ، ولا يفعل ذلك إلا فيما صح رواية ومعنى ، غير أنه عرضة للشك ، أو الخلاف ، فيكتب عليه ( ‏صح‏ ) ليعرف أنه لم يغفل عنه ، وأنه قد ضبط وصح على ذلك الوجه‏ . ‏

[ ص: 197 ] وأما التضبيب ، ويسمى أيضا التمريض ، فيجعل على ما صح وروده كذلك من جهة النقل ، غير أنه فاسد لفظا ، أو معنى ، أو ضعيف ، أو ناقص ، مثل‏ : أن يكون غير جائز من حيث العربية ، أو‏ يكون شاذا عند أهلها يأباه أكثرهم ، أو مصحفا ، أوينقص من جملة الكلام كلمة ، أو أكثر ، وما أشبه ذلك‏ ، فيمد على ما هذا سبيله خط ، أوله مثل الصاد ، ولا يلزق بالكلمة المعلم عليها ، كيلا يظن ضربا ، وكأنه صاد التصحيح بمدتها دون حائها ، كتبت كذلك ليفرق بين ما صح مطلقا من جهة الرواية وغيرها ، وبين ما صح من جهة الرواية دون غيرها ، فلم يكمل عليه التصحيح‏ ، وكتب حرف ‏ناقص‏ على حرف ناقص إشعارا بنقصه ومرضه مع صحة نقله ، وروايته ، وتنبيها بذلك لمن ينظر في كتابه على أنه قد وقف عليه ونقله على ما هو عليه ، ولعل غيره قد يخرج له وجها صحيحا ، أو يظهر له بعد ذلك في صحته ما لم يظهر له الآن‏ . ‏ ولو غير ذلك وأصلحه على ما عنده لكان متعرضا لما وقع فيه غير واحد من المتجاسرين ، الذين غيروا وظهر الصواب فيما أنكروه ، والفساد فيما أصلحوه‏ . ‏

وأما تسمية ذلك ضبة : فقد بلغنا عن أبي القاسم إبراهيم بن محمد اللغوي المعروف بابن الإفليلي‏ : أن ذلك لكون الحرف مقفلا بها ، لا يتجه لقراءة كما أن الضبة مقفل بها ، والله أعلم‏‏‏ . ‏

[ ص: 198 ] قلت‏ : ولأنها لما كانت على كلام فيه خلل أشبهت الضبة التي تجعل على كسر ، أو خلل ، فاستعير لها اسمها ، ومثل ذلك غير مستنكر في باب الاستعارات‏ . ‏

ومن مواضع التضبيب‏ : أن يقع في الإسناد إرسال ، أو انقطاع ، فمن عادتهم تضبيب موضع الإرسال ، والانقطاع ، وذلك من قبيل ما سبق ذكره من التضبيب على الكلام الناقص‏ . ‏

ويوجد في بعض أصول الحديث القديمة في الإسناد الذي يجتمع فيه جماعة معطوفة أسماؤهم بعضها على بعض علامة تشبه الضبة فيما بين أسمائهم ، فيتوهم من لا خبرة له أنها ضبة وليست بضبة ، وكأنها علامة وصل فيما بينها ، أثبتت تأكيدا للعطف ، خوفا من أن تجعل " ‏عن‏ " مكان الواو ، والعلم عند الله تعالى . ‏

ثم إن بعضهم ربما اختصر علامة التصحيح فجاءت صورتها تشبه صورة التضبيب ، والفطنة من خير ما أوتيه الإنسان ، والله أعلم‏‏‏‏ . ‏

التالي السابق


الخدمات العلمية