القسم الثالث : في أحكام متفرقة . قال صاحب الاستذكار عن مالك : إن ، وإن كانت ظلما ، وغير الكتابيين ينتقل حكمهم بالإسلام ، وعنه : انتقال الجميع ، وقاله ( ش ) و ( ح ) والجمهور ، لقوله - عليه السلام - في الموطأ : ( الكتابيين إذا أسلموا اقتسموا على مواريثهم في الكفر ) فهل يخص بقرينه قوله - عليه السلام : الجاهلية ، أو يعم الكفار لعموم اللفظ . أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية ، وأيما دار أو أرض أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام
[ ص: 255 ] فرع
في الكتاب : يقسم على الغائب مع الحاضر لأن القسم على مقر ، بخلاف القضاء على الغائب ; لأنه منكر ، ويقسم القاضي دون صاحب الشرطة لأنه الناظر في أموال الغائبين ، قال اللخمي : قال أشهب : إن أصاب وجه الحكم جاز ; لأنه حاكم كالقاضي ، ويقيم الحدود ، وقال مالك : في بعض ولاة المياه ضرب لامرأة المفقود ثلاث سنين ثم أمرها بالنكاح ، ثم جاءت إلى والي المدينة ، قال : فضرب لها سنة تمام الأربع ونفذ حكم الأول ، قال : والأول أظهر لأنه ليس بسؤال لذلك فهو كالأجنبي .
فرع
في الكتاب : الحالف ليقاسمن ، أحب إلي الرفع للقاضي يقسم بينهم خوفا من الدلسة . في النكت قيل : الدلسة : إظهار القسم للخروج من اليمين ، فإذا قسم انتفت ، وقيل : خوفا من غبن الحالف فيؤدي إلى النقض فلا تبر اليمين إن كان لأجل أو نحوه .
فرع
في الكتاب : إذا قلعت الريح نخلة لك في أرض رجل ، أو قلعتها أنت فلك غرس نخلة أو نحوها من سائر الشجر لا تكون أكثر استيلاء أو ضررا على الأرض ; لأن لك منفعة ذلك الموضع ، فلك أخذه على الوجه الذي استحققته ، ولا تغرس نخلتين لأنه غير المستحق ، وليس له منعك أو وكيلك من الدخول للجذاذ أو غيره لدخوله على ذلك ، وإن كانت أرضه مزروعة فلك السلوك مع من يجذها من غير ضرر ، ولا تجمع نفرا يطأون زرعه ، ولو كان لك في وسط أرضه المزروعة أرض فيها رعي لم تسلك بما يشتد لعظم الضرر ، ولك الدخول للاحتشاش لعدم الضرر ، وإن كان لكل نهر ممره في أرض قوم لا تمنعهم غرس حافتيه شجرا لأنه لا [ ص: 256 ] ضرر عليك ، فمنعه ضرر ، وإذا كنست بئرك حملت على سنة البلد في طرح الكناسة ; فإن كان الطرح بضفتيه لم تطرح ذلك على شجرهم إن وجدت مكانا ، وإلا فبين الشجر ; فإن ضاق ففوق شجرهم لتعين ضررك ، وصاحب الحق مقدم على الطارئ ، قال اللخمي : يريد : يغرس مكان النخلة نخلة أو غيرها : ما لا يضر بباطن الأرض بانتشار العروق أو أقوى فيهلك ما يجاوره ، ولا يضر بأعلاه بكثرة الفروع ، فيمنع الشمس عن الأرض فتقل منفعتها . وعن ابن القاسم فيمن خرج في أرضه عرق شجرة غيره في مكان آخر : إن لم تكن له فيه منفعة ولا مضرة بقي لصاحب الأرض إلا أن يكون لو قلع له ثمن الخشب أو الحطب فيأخذ قيمته مقلوعا ، قال عيسى : وإن كان إقراره مضرا بأصل شجرته التي هو منها لم يقره إلا أن يرضى صاحب الشجرة ، قال اللخمي : فإن لم يرض وكان إن قطع في الأرض بين الفرع والشجرة نبت ، قطع وأعطى قيمته مقلوعا ، وإن كان بنبت قطع وأخذه صاحبه ، وجعل ابن القاسم حق صاحب النهر في موضع جريان الماء خاصة ، والحافتين ملكا لصاحب الأرض يغرسها إن أحب ، ولا يطرح الآخر عليها إلا العادة ، ولصاحب النهر منع صاحب الأرض من غرس حافتي النهر إذا أضر بشربه للماء لأصول الشجر بغوص عروق الشجرة في النهر فتضر بجريانه .
فرع
في الكتاب : يباع من الدار بقدر الدين قبل القسم لتقدم الدين على الميراث إلا أن يعطى الورثة الدين لتعلق حقهم بعين التركة ، وحق الغريم إنما تعلق بالمالية . فهم مقدمون في العين وهو مقدم في المالية .
[ ص: 257 ] فرع
قال ابن يونس : لا يقسم القاضي حتى يثبت عنده الموت وحصر الورثة وملك الميت للمقسوم ، كان فيهم صغير أم لا ، ولا يقضي بالقسم بتقاررهم ، وإن كانوا بالغين ولا دين على الميت ، وكذلك غير الورثة من الشركاء ، ومشهور الشافعية مثلنا ، ولهم القسم بإقرارهم ، ويكتب لهم القسم بقولهم ، وقال ( ح ) بالقول الثاني في غير العقار ، وفي العقار إن نسبوه إلى غير إرث ; فإن نسبوه إلى إرث : فلا بد من البينة لاعترافهم بأنه انتقل من يد الغير ، ونحن لا نعلم صحة تلك اليد ، ولا صحة قولهم للميت لاعترافهم حتى يثبت موته ، أما إذا اقتصروا على يدهم فاليد ظاهرة في الملك فتكفي ، وجوابه : أن اليد قد تكون بإجارة فيتصرف الحاكم في أموال الناس بغير مستند شرعي وهو فساد عظيم ، وقال : لا يشترط الثبوت إلا في قسم الجبر لأنه حكم ، والحكم بالجبر يعتمد مستندا شرعا . ابن حنبل
فرع
في الكتاب : إذا لم يرض أحدهم بما خرج لزمه ; لأن قسم القاسم كحكم الحاكم لا ينتقض ، وإن كره الخصوم ، وإن قالوا غلطت ، أو لم تعدل ، أتم قسمه ، ونظر الإمام ; فإن وجده صوابا وإلا رده ، ولم ير مالك قسم القاسم كحكم الحاكم ، قال صاحب المقدمات : القسم من العقود اللازمة إذا وقع فيما يجوز قسمه على التراضي أو القرعة بوجه صحيح ، ولا ينقضها أحدهم ولا يرجع عنها .
فرع
في الكتاب : إذا ورثا نخلا وكرما لم يعرفاه أو عرفه أحدهما لم يجز التراضي [ ص: 258 ] يأخذ أحدهما والآخر الآخر إلا أن يوصفا لهما ; لأن هذا بيع يمنعه الغرر ، ويجوز قسم الدار وصفت لهما لجوازها بيعا ، فأولى القسم لجوازه بالقرعة ، ويمتنع شراء ما تخرجه القرعة ، قال ابن يونس : قال : لا يقسم إلا بالتراضي لئلا ينضم غرر الغيبة لغرر القرعة بخلاف البيع فيه غرر واحد ، والقسم يعتمد التقويم ، فكيف يقوم بالبلد البعيد ؟ وقد تكون السوق حالت أو انهدمت . سحنون
فرع
في الكتاب : يجوز اشتراط فيما يجوز فيه البيع وكثرة الخيار وقلته ، وهو لازم ، ويبطل بالتصرف كالبيع . الخيار في القسم
فرع
قال : دار داخلها لقوم وخارجها لقوم ، وللداخلين الممر ، فأراد الخارجون تحويل الباب إلى ما لا ضرر على الداخلين معه لقربه ، فذلك لهم ، وإن بعد منعوا ، ولهم منعهم من تضييق الباب نفيا للضرر ، ولو قسم الداخلون فأراد أهل كل نصيب فتح باب لنصيبه إلى الخارجين منعهم الخارجون إلا من الباب الأول ، قال ابن يونس : منع تغيير الباب مطلقا إلا منعهم الأبواب ، كان الحائط الذي تغلق فيه الأبواب لهم أو للخارجين ; لأنه خلاف ما وقعت عليه القسمة . سحنون
فرع
في الكتاب : إذا اقتسما كل واحد طائفة من الدار فمن صارت له الأجنحة فهي له ، ولا تعد من الفناء ، وإن كانت في هواء الأفنية ، بل تعد من البناء ; لأنه في معناه ، وفناء الدار لهم أجمعين يرتفقون فيه .
[ ص: 259 ] فرع
قال : إذا : فكل واحد أولى بما بين يدي باب بيته ، ولا يطرح حطبه ولا علف دوابه بين يدي باب غيره إن كان في الدار سعة ، وإن وقع بعض ذلك جاز إلا أن يضر . اقتسموا الدار وتركوا الساحة مرتفقا
فرع
قال : إذا اقتسموا الفناء والساحة رفعوا الطريق ولا يعرض فيها أحدهم لصاحبه لأنها من المصالح العامة ، وإن اقتسموا على أن يصير كل واحد بابه ناحية أخرى ولا يدعوا طريقا بتراض جاز ; لأنه حقهم ، وإن اقتسموا البناء ، ثم قسموا الساحة ولم يذكروا رفع الطريق فوقع باب الدار في حظ أحدهم ورضي ; فإن لم يشترطوا في القسم أن طريق كل حصة فيها الطريق بينهما على حالها ; لأنه العادة ، ومالك باب الدار لمن وقع في نصيبه ، ولباقيهم فيه الممر لأنه عادتهم لم ينقضوها بشرط . فإن اقتسموا الساحة وهي واسعة يقع لكل واحد ما يرتفق به ولا يخرج إلا من باب الدار . واختلفوا في سعة الطريق جعلت سعة الحمولة ; قال ابن يونس : قال ابن حبيب : إذا لم يذكروا الطريق عند القسم أعيد القسم على معرفة مخرج كل سهم وما لم يشترطوا قطع الطريق ; لأن القسم حينئذ ليس من قسم الناس ، وكذلك لو اقتسموا دارا بتراض بلا سهم أو به فصار مجرى مائها في نصيب أحدهم : قال اللخمي : إذا لم يكن لأحدهم مكان يفتح فيه امتنعت القسمة بالقرعة وبالتراضي إلا على بقاء الطريق ; لأنها قسمة المسلمين .
فرع
في الكتاب : إذا تراضيا بأن لأحدهما دبر الدار وللآخر مقدمها على عدم [ ص: 260 ] الطريق للداخل على الخارج جاز إن كان له موضع يصرف له بابه وإلا فلا للضرر ، وكذلك أخذ العلو على أن لا طريق في السفل .
فرع
قال : يخير الممتنع من القسم فيما ينقسم ، وإن لم ينقسم خير الممتنع من البيع ، وله أخذ الجميع بما يعطى فيه ; لأن من حق الشريك أن ينتفع بملكه سالما عن ضرر الشركة أصلا أو ثمنا وقد تقدم خلاف ( ش ) .
فرع
في النوادر : قال ابن القاسم : وجد أحدهما في نصيبه جبا يعاد القسم لعدم تعديل الملك ; فإن فات ببناء فللآخر قيمة نصف ذلك كبيوت وجدها أسفل بيوت لم يعلم بها . وقال : إذا وجد بئرا عادية فهي له دون شريكه ، وكذلك الغمد والصخر ، وكذلك المشتري ، قال سحنون : كل ما وجد قديما ليس من تركة الميت فلواجده ، والذهب والفضة والنحاس كالكنز ، إن كان بأرض العرب فلواجده ، أو عنوة فللفاتحين لها ; فإن جهلوا فللمساكين من تلك البلد ، أو صلحا فللذين صولحوا ، وقال ابن نافع : الكنز كله لواجده ، وهذا الفرع ينبني على أن من ملك ظاهر الأرض هل ملك باطنها أم لا ؟ وفيه قولان في المذهب . سحنون
فرع
قال : قال مالك : لا تقسم التركة حتى يوضع الحمل ليعلم على أي جزء تقسم ، وكم التركة ، ولا ينظر للاستبراء بل حتى يظهر ، ولو أبطأ الحيض ومضى الاستبراء لا تقسم حتى يتبين ; فإن الحامل قد تحيض فيضيع نصيب الجنين من غير ضرورة .