الوسيلة الثانية : تمييز النجس من غيره .
والعالم إما جماد ، أو نبات ، أو حيوان ، وفي الجواهر ، والأولان طاهران إلا المسكرات للإسكار لأنها مطلوبة الإبعاد ، والقول بتنجيسها يفضي إلى إبعادها ، والمفضي إلى المطلوب مطلوب . والحيوان فيه أربعة فصول : الأول : في أقسامه ، والثاني : في أجزائه ، والثالث : فيما ينفصل عنه ، والرابع : فيما يلابسه .
الفصل الأول : في أقسامه ، وهي خمسة :
الأول : وفي الجواهر : الحي كله طاهر عملا بالأصل ، ولأن الحياة علة الطهارة عملا بالدوران في الأنعام ، فإنها حال حياتها حية طاهرة ، وحال موتها ليست حية ، ولا طاهرة ، والدوران دليل عليه المدار الدائر ، فيلحق به محل النزاع كالكلب ، والخنزير ، ونحوهما .
فإن قيل : الأنعام المذكاة طاهرة ، فبطل الدوران .
قلنا : علل الشرع تخلف بعضها ، والذكاة علة مطهرة إجماعا .
الثاني : قال : الميتة حتف أنفها كلها نجسة لاشتمالها على الفضلات المستقذرة إلا ميتة البحر لقوله عليه السلام في الموطأ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348204هو الطهور ماؤه الحل ميتته . والحل دليل الطهارة .
الثالث : قال :
nindex.php?page=treesubj&link=533ميتة ما ليست له نفس سائلة طاهرة لعدم الدم منه الذي هو علة الاستقذار لقوله عليه السلام في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=hadith&LINKID=10348205إذا وقع الذباب في إناء أحدكم ، فليغمسه كله ، ثم ليطرحه .
ولو كان ينجس بالموت مع أن الغالب موته لكان
[ ص: 180 ] عليه السلام أمر بإفساد الطعام ، وقال
أشهب nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي رحمهما الله : ينجس ، لأن الموت عندهما علة التنجيس دون احتقان الدم لقلته ، ووافقناهم على أن الأنعام إذا قطعت من أوساطها ، وخرجت دماؤها أنها نجست بالموت مع انتفاء الدم ، فإذا استدللنا نحن بالذكاة احتجوا بهذه الصورة وجوابنا عنه أن الشرع لم يسلطنا على الحيوان إلا بشرط انتفاعنا به ، وأن نسلك أقرب الطرق في ذلك ، وأقرب الطرق هو الذكاة في الموضع المخصوص ، فمن عدل عنه لم يرتب الشرع على فعله أثرا ، فسوى بين هذه الصورة ، وبين التي احتقنت فيها الفضلات زجرا له .
فرعان :
الأول :
للمازري في شرح التلقين ألحق
ابن القصار البرغوث بما له نفس سائلة لوجود الدم فيه ، وألحقه
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون بما لا نفس له ، وألحق
أبو حنيفة البعوض بالجراد مع وجود الدم فيه ، ومنشأ الخلاف النظر إلى أصالة الدم ، أو طروه .
الثاني : من الطراز : إذا مات البرغوث ، أو القملة في الطعام ألحقه
ابن القصار بما له نفس ، وخالفه
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون ،
nindex.php?page=showalam&ids=13332وابن عبد البر ، هذا إذا لم يكن فيهما دم ، فإن كان وافق
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر ابن القصار في التنجيس ، وأكثر أصحابنا يقولون لا يؤكل طعام مات فيه أحدهما لأن عيشهما من دم الحيوان ، ومنهم من قضى بنجاسة القملة لكونها من الإنسان تخلق بخلاف البرغوث ، فإنه من التراب ، ولأنه وثاب ، فيعسر الاحتراز منه .
كشف : للنفس ثلاثة معان : يقال لذات الشيء نحو جاء زيد نفسه ، وللروح كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42الله يتوفى الأنفس حين موتها ) . وللدم كقول
nindex.php?page=showalam&ids=13147ابن دريد :
خير النفوس السائلات جهرة على ظباة المرهفات والقنا
ومنه سميت النفساء لخروج الدم منها .
[ ص: 181 ] فقول العلماء : ما ليست له نفس سائلة احتراز من الأولين ، وإلا فكل دم يسيل ، فلا معنى للتقييد حينئذ .
الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=22662الآدمي إذا مات طاهرا على أحد القولين لأن الأمر بغسله وإكرامه يأبى تنجيسه إذ لا معنى لغسل الميتة التي هي بمنزلة العذرة ، ولما في الموطأ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348206أنه عليه السلام صلى على nindex.php?page=showalam&ids=355سهل بن بيضاء في المسجد ، ولو كان نجسا ما فعل عليه السلام ذلك .
الخامس :
nindex.php?page=treesubj&link=523الكلب . في الجواهر : أطلق
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون ،
وعبد الملك عليه التنجيس ، وكذلك الخنزير إما لنجاسة عينهما ، وإما لملابستهما النجاسة ، فيرجع إلى نجاسة السؤر ، وقد قال عليه السلام في الموطأ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348207إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم ، فليغسله سبعا .
ومن هذا الحديث تتخرج فروع المذهب ، فنذكرها في أثناء فقهه ، و الكلام على ألفاظه ، فنقول :
قوله إذا ولغ : هل يختص بالماء عملا بالغالب ، أو يعم الماء والطعام لحصول السبب في الجميع . قولان .
وقوله : الكلب هل يختص بالمنهي عن اتخاذه ، فتكون اللام للعهد ، أو يعم الكلاب لعموم السبب . قولان .
وإذا قلنا بالعموم ، فولغ في الإناء جماعة كلاب ، أو كلب مرارا هل تتداخل مسببات الأسباب كالأحداث ، أو يغسل لكل كلب سبعا ، وللكلب كذلك قولان .
وقوله : فليغسله هل يحمل على الندب أو الوجوب . قولان إما لأن الأمر للوجوب لكن هاهنا قرائن صرفته عنه ، وإما للخلاف في صيغة الأمر ، وهل هذا الأمر تعبد لتقييده بالعدد كغسل الميت ، ودلالة الدليل على طهارة الحيوان كما تقدم ، أو هو معلل بدفع مفسدة الكلب عن بني آدم لأن الكلب في أول مباشرة
[ ص: 182 ] الماء يعلق لعابه بالإناء ، وهو سم ، ويؤكد ذلك أمره عليه السلام في بعض الطرق باستعمال التراب لزوال اللزوجة الحاملة للسم ، وأما عدد السبع ، فمناسب بخصوصية لدفع السموم والأسقام قال عليه السلام في مرضه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348208أهريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن .
وقال عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348209من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر .
ولذلك أمر بالرقى سبعا في قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348210أعوذ بعزة الله وعظمته وقدرته من شر ما نجد .
وإذا جاء أمر الله سلام من الله ، والحمد لله .
أو هو معلل بنجاسته لقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348211طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبعا .
والطهارة ظاهرة في النجاسة .
ويخرج على هذا هل يغسل بالماء الذي في الإناء لطهارته ، أو لا يغسل لنجاسته ؟ قولان ، وهل يؤكل الطعام أو يطرح ؟ قولان ، وهل يمتنع القياس على الكلب لأنه تعبد ، أو يلحق به الخنزير بجامع الاستقذار ؟ قولان ، وهل هذا الأمر على الفور لأنه تعبد ، والعبادات لا تؤخر ، أو لا يتعين غسله إلا عند إرادته استعماله بناء على نجاسته ؟ قولان ، واختار
عبد الحق وسند التأخير .
فروع أربعة : من الطراز .
الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=524الأمر بالغسل مختص بالإناء ، فلو ولغ من حوض ، أو نهر لا يتعدى الحكم إليه لأنه تعبد .
الثاني : الحكم مختص بولوغه ، فلو أدخل يده ، أو رجله ، فلا أثر لذلك خلافا ش .
الثالث : إذا استعمل الإناء في الماء القليل قبل غسله هل يعتد به ، أو يغسل سبعا بعد ذلك ، يتخرج على اشتراط النية في غسله قال
الباجي : لا
[ ص: 183 ] تشترط ، ويحتمل أن تشترط قياسا على اشتراطها في النضح ، ويحتمل الفرق ، فإن الغسل مما يزيل اللعاب ، والنضح لا يزيل شيئا ، فكان تعبدا بخلاف إناء الكلب .
الرابع : هل يشترط الدلك قياسا على الوضوء لجامع التعبد به ، أو لا يشترط ، ويكفي إمرار الماء عليه ليس في ذلك نص ، ويحتمل ألا يشترط لأن غسله خرج عن المتعارف ، وإمرار الماء قد يسمى غسلا ، وقد قدمت المشهور عن
مالك - رحمه الله - في حكاية الخلاف على العادة في الكتاب .
تحقيق : قال في الكتاب : وقد كان يضعفه ، وقال : قد جاء هذا الحديث ، وما أدري ما حقيقته .
من التنبيهات : قيل يضعف العمل به تقديما للكتاب والقياس عليه لأن الله تعالى أباح أكل ما أمسك الكلاب عليه ، ولم يشترط غسلا ، والقياس على سائر الحيوان ، وقيل يضعف العدد ، وقيل إيجابه للغسل ، وهو معنى قوله : وما أدري ما حقيقته أي ما المراد به من الحكم .
ويقال : ولغ يلغ بالفتح فيهما .
من الطراز : يضعف علة الحكم حتى يقاس عليه الخنزير .
الْوَسِيلَةُ الثَّانِيَةُ : تَمْيِيزُ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِهِ .
وَالْعَالَمُ إِمَّا جَمَادٌ ، أَوْ نَبَاتٌ ، أَوْ حَيَوَانٌ ، وَفِي الْجَوَاهِرِ ، وَالْأَوَّلَانِ طَاهِرَانِ إِلَّا الْمُسْكِرَاتِ لِلْإِسْكَارِ لِأَنَّهَا مَطْلُوبَةُ الْإِبْعَادِ ، وَالْقَوْلُ بِتَنْجِيسِهَا يُفْضِي إِلَى إِبْعَادِهَا ، وَالْمُفْضِي إِلَى الْمَطْلُوبِ مَطْلُوبٌ . وَالْحَيَوَانُ فِيهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ : الْأَوَّلُ : فِي أَقْسَامِهِ ، وَالثَّانِي : فِي أَجْزَائِهِ ، وَالثَّالِثُ : فِيمَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ ، وَالرَّابِعُ : فِيمَا يُلَابِسُهُ .
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : فِي أَقَسَامِهِ ، وَهِيَ خَمْسَةٌ :
الْأَوَّلُ : وَفِي الْجَوَاهِرِ : الْحَيُّ كُلُّهُ طَاهِرٌ عَمَلًا بِالْأَصْلِ ، وَلِأَنَّ الْحَيَاةَ عِلَّةُ الطَّهَارَةِ عَمَلًا بِالدَّوَرَانِ فِي الْأَنْعَامِ ، فَإِنَّهَا حَالَ حَيَاتِهَا حَيَّةٌ طَاهِرَةٌ ، وَحَالَ مَوْتِهَا لَيْسَتْ حَيَّةً ، وَلَا طَاهِرَةً ، وَالدَّوَرَانُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ الْمَدَارُ الدَّائِرُ ، فَيَلْحَقُ بِهِ مَحَلُّ النِّزَاعِ كَالْكَلْبِ ، وَالْخِنْزِيرِ ، وَنَحْوِهِمَا .
فَإِنْ قِيلَ : الْأَنْعَامُ الْمُذَكَّاةُ طَاهِرَةٌ ، فَبَطَلَ الدَّوَرَانُ .
قُلْنَا : عِلَلُ الشَّرْعِ تَخْلُفُ بَعْضَهَا ، وَالذَّكَاةَ عِلَّةٌ مُطَهِّرَةٌ إِجْمَاعًا .
الثَّانِي : قَالَ : الْمَيْتَةُ حَتْفَ أَنْفِهَا كُلُّهَا نَجِسَةٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفَضَلَاتِ الْمُسْتَقْذَرَةِ إِلَّا مَيْتَةَ الْبَحْرِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمُوَطَّأِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348204هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ . وَالْحِلُّ دَلِيلُ الطَّهَارَةِ .
الثَّالِثُ : قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=533مَيْتَةُ مَا لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ طَاهِرَةٌ لِعَدَمِ الدَّمِ مِنْهُ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الِاسْتِقْذَارِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ nindex.php?page=hadith&LINKID=10348205إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ ، فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ .
وَلَوْ كَانَ يَنَجَسُ بِالْمَوْتِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ مَوْتُهُ لَكَانَ
[ ص: 180 ] عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ بِإِفْسَادِ الطَّعَامِ ، وَقَالَ
أَشْهَبُ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : يَنَجَسُ ، لِأَنَّ الْمَوْتَ عِنْدَهُمَا عِلَّةُ التَّنْجِيسِ دُونَ احْتِقَانِ الدَّمِ لِقِلَّتِهِ ، وَوَافَقْنَاهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَنْعَامَ إِذَا قُطِعَتْ مِنْ أَوْسَاطِهَا ، وَخَرَجَتْ دِمَاؤُهَا أَنَّهَا نَجِسَتْ بِالْمَوْتِ مَعَ انْتِفَاءِ الدَّمِ ، فَإِذَا اسْتَدْلَلْنَا نَحْنُ بِالذَّكَاةِ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الصُّورَةِ وَجَوَابُنَا عَنْهُ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُسَلِّطْنَا عَلَى الْحَيَوَانِ إِلَّا بِشَرْطِ انْتِفَاعِنَا بِهِ ، وَأَنْ نَسْلُكَ أَقْرَبَ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ ، وَأَقْرَبُ الطُّرُقِ هُوَ الذَّكَاةُ فِي الْمَوْضِعِ الْمَخْصُوصِ ، فَمَنْ عَدَلَ عَنْهُ لَمْ يُرَتِّبِ الشَّرْعُ عَلَى فِعْلِهِ أَثَرًا ، فَسَوَّى بَيْنِ هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَبَيْنَ الَّتِي احْتَقَنَتْ فِيهَا الْفَضَلَاتُ زَجْرًا لَهُ .
فَرْعَانِ :
الْأَوَّلُ :
لِلْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ أَلْحَقَ
ابْنُ الْقَصَّارِ الْبُرْغُوثَ بِمَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ لِوُجُودِ الدَّمِ فِيهِ ، وَأَلْحَقَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15968سَحْنُونٌ بِمَا لَا نَفْسَ لَهُ ، وَأَلْحَقَ
أَبُو حَنِيفَةَ الْبَعُوضَ بِالْجَرَادِ مَعَ وُجُودِ الدَّمِ فِيهِ ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ النَّظَرُ إِلَى أَصَالَةِ الدَّمِ ، أَوْ طُرُوِّهِ .
الثَّانِي : مِنَ الطَّرَّازِ : إِذَا مَاتَ الْبُرْغُوثُ ، أَوِ الْقَمْلَةُ فِي الطَّعَامِ أَلْحَقَهُ
ابْنُ الْقَصَّارِ بِمَا لَهُ نَفْسٌ ، وَخَالَفَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15968سَحْنُونٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13332وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا دَمٌ ، فَإِنْ كَانَ وَافَقَ
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ابْنَ الْقَصَّارِ فِي التَّنْجِيسِ ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ لَا يُؤْكَلُ طَعَامٌ مَاتَ فِيهِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ عَيْشَهُمَا مِنْ دَمِ الْحَيَوَانِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى بِنَجَاسَةِ الْقَمْلَةِ لِكَوْنِهَا مِنَ الْإِنْسَانِ تُخْلَقُ بِخِلَافِ الْبُرْغُوثِ ، فَإِنَّهُ مِنَ التُّرَابِ ، وَلِأَنَّهُ وَثَّابٌ ، فَيَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ .
كَشْفٌ : لِلنَّفْسِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ : يُقَالُ لِذَاتِ الشَّيْءِ نَحْوَ جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ ، وَلِلرُّوحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) . وَلِلدَّمِ كَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13147ابْنِ دُرَيْدٍ :
خَيْرُ النُّفُوسِ السَّائِلَاتُ جَهْرَةً عَلَى ظُبَاةِ الْمُرْهَفَاتِ وَالْقَنَا
وَمِنْهُ سُمِّيَتِ النُّفَسَاءُ لِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْهَا .
[ ص: 181 ] فَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ : مَا لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ احْتِرَازٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ، وَإِلَّا فَكُلُّ دَمٍ يَسِيلُ ، فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْيِيدِ حِينَئِذٍ .
الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=22662الْآدَمِيُّ إِذَا مَاتَ طَاهِرًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِغُسْلِهِ وَإِكْرَامِهِ يَأْبَى تَنْجِيسَهُ إِذْ لَا مَعْنَى لِغُسْلِ الْمَيْتَةِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْعَذِرَةِ ، وَلِمَا فِي الْمُوَطَّأِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348206أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى عَلَى nindex.php?page=showalam&ids=355سَهْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا مَا فَعَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ .
الْخَامِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=523الْكَلْبُ . فِي الْجَوَاهِرِ : أَطْلَقَ
nindex.php?page=showalam&ids=15968سَحْنُونٌ ،
وَعَبْدُ الْمَلِكِ عَلَيْهِ التَّنْجِيسَ ، وَكَذَلِكَ الْخِنْزِيرُ إِمَّا لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِمَا ، وَإِمَّا لِمُلَابَسَتِهِمَا النَّجَاسَةَ ، فَيُرْجَعُ إِلَى نَجَاسَةِ السُّؤْرِ ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمُوَطَّأِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348207إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ ، فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا .
وَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَتَخَرَّجُ فُرُوعُ الْمَذْهَبِ ، فَنَذْكُرُهَا فِي أَثْنَاءِ فِقْهِهِ ، وَ الْكَلَامُ عَلَى أَلْفَاظِهِ ، فَنَقُولُ :
قَوْلُهُ إِذَا وَلَغَ : هَلْ يَخْتَصُّ بِالْمَاءِ عَمَلًا بِالْغَالِبِ ، أَوْ يَعُمُّ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ لِحُصُولِ السَّبَبِ فِي الْجَمِيعِ . قَوْلَانِ .
وَقَوْلُهُ : الْكَلْبُ هَلْ يَخْتَصُّ بِالْمَنْهِيِّ عَنِ اتِّخَاذِهِ ، فَتَكُونَ اللَّامُ لِلْعَهْدِ ، أَوْ يَعُمُّ الْكِلَابَ لِعُمُومِ السَّبَبِ . قَوْلَانِ .
وَإِذَا قُلْنَا بِالْعُمُومِ ، فَوَلَغَ فِي الْإِنَاءِ جَمَاعَةُ كِلَابٍ ، أَوْ كَلْبٌ مِرَارًا هَلْ تَتَدَاخَلُ مُسَبَّبَاتُ الْأَسْبَابِ كَالْأَحْدَاثِ ، أَوْ يُغْسَلُ لِكُلِّ كَلْبٍ سَبْعًا ، وَلِلْكَلْبِ كَذَلِكَ قَوْلَانِ .
وَقَوْلُهُ : فَلْيَغْسِلْهُ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ أَوِ الْوُجُوبِ . قَوْلَانِ إِمَّا لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ لَكِنْ هَاهُنَا قَرَائِنُ صَرَفَتْهُ عَنْهُ ، وَإِمَّا لِلْخِلَافِ فِي صِيغَةِ الْأَمْرِ ، وَهَلْ هَذَا الْأَمْرُ تَعَبُّدٌ لِتَقْيِيدِهِ بِالْعَدَدِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ ، وَدَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَى طَهَارَةِ الْحَيَوَانِ كَمَا تَقَدَّمَ ، أَوْ هُوَ مُعَلَّلٌ بِدَفْعِ مَفْسَدَةِ الْكَلْبِ عَنْ بَنِي آدَمَ لِأَنَّ الْكَلْبَ فِي أَوَّلِ مُبَاشَرَةِ
[ ص: 182 ] الْمَاءِ يَعْلَقُ لُعَابُهُ بِالْإِنَاءِ ، وَهُوَ سُمٌّ ، وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَمْرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ بِاسْتِعْمَالِ التُّرَابِ لِزَوَالِ اللُّزُوجَةِ الْحَامِلَةِ لِلسُّمِّ ، وَأَمَّا عَدَدُ السَبْعِ ، فَمُنَاسِبٌ بِخُصُوصِيَّةٍ لِدَفْعِ السُّمُومِ وَالْأَسْقَامِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَرَضِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348208أَهْرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ .
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348209مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ .
وَلِذَلِكَ أَمَرَ بِالرُّقَى سَبْعًا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348210أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا نَجِدُ .
وَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ سَلَامٌ مِنَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .
أَوْ هُوَ مُعَلَّلٌ بِنَجَاسَتِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348211طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا .
وَالطَّهَارَةُ ظَاهِرَةٌ فِي النَّجَاسَةِ .
وَيَخْرُجُ عَلَى هَذَا هَلْ يُغْسَلُ بِالْمَاءِ الَّذِي فِي الْإِنَاءِ لِطَهَارَتِهِ ، أَوْ لَا يُغْسَلُ لِنَجَاسَتِهِ ؟ قَوْلَانِ ، وَهَلْ يُؤْكَلُ الطَّعَامُ أَوْ يُطْرَحُ ؟ قَوْلَانِ ، وَهَلْ يَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ عَلَى الْكَلْبِ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ ، أَوْ يَلْحَقُ بِهِ الْخِنْزِيرُ بِجَامِعِ الِاسْتِقْذَارِ ؟ قَوْلَانِ ، وَهَلْ هَذَا الْأَمْرُ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ ، وَالْعِبَادَاتُ لَا تُؤَخَّرُ ، أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ غَسْلُهُ إِلَّا عِنْدَ إِرَادَتِهِ اسْتِعْمَالَهُ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَتِهِ ؟ قَوْلَانِ ، وَاخْتَارَ
عَبْدُ الْحَقِّ وَسَنَدٌ التَّأْخِيرَ .
فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ : مِنَ الطَّرَّازِ .
الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=524الْأَمْرُ بِالْغَسْلِ مُخْتَصٌّ بِالْإِنَاءِ ، فَلَوْ وَلَغَ مِنْ حَوْضٍ ، أَوْ نَهْرٍ لَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ .
الثَّانِي : الْحُكْمُ مُخْتَصٌّ بِوُلُوغِهِ ، فَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ ، أَوْ رِجْلَهُ ، فَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ خِلَافًا ش .
الثَّالِثُ : إِذَا اسْتُعْمِلَ الْإِنَاءُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ قَبْلَ غَسْلِهِ هَلْ يُعْتَدُّ بِهِ ، أَوْ يُغْسَلُ سَبْعًا بَعْدَ ذَلِكَ ، يَتَخَرَّجُ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي غَسْلِهِ قَالَ
الْبَاجِيُّ : لَا
[ ص: 183 ] تُشْتَرَطُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُشْتَرَطَ قِيَاسًا عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي النَّضْحِ ، وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ ، فَإِنَّ الْغَسْلَ مِمَّا يُزِيلُ اللُّعَابَ ، وَالنَّضْحَ لَا يُزِيلُ شَيْئًا ، فَكَانَ تَعَبُّدًا بِخِلَافِ إِنَاءِ الْكَلْبِ .
الرَّابِعُ : هَلْ يُشْتَرَطُ الدَّلْكُ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ لِجَامِعِ التَّعَبُّدِ بِهِ ، أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ، وَيَكْفِي إِمْرَارُ الْمَاءِ عَلَيْهِ لَيْسَ فِي ذَلِكَ نَصٌّ ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يُشْتَرَطَ لِأَنَّ غَسْلَهُ خَرَجَ عَنِ الْمُتَعَارَفِ ، وَإِمْرَارُ الْمَاءِ قَدْ يُسَمَّى غَسْلًا ، وَقَدْ قَدَّمْتُ الْمَشْهُورَ عَنْ
مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ عَلَى الْعَادَةِ فِي الْكِتَابِ .
تَحْقِيقٌ : قَالَ فِي الْكِتَابِ : وَقَدْ كَانَ يُضَعِّفُهُ ، وَقَالَ : قَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ ، وَمَا أَدْرِي مَا حَقِيقَتُهُ .
مِنَ التَّنْبِيهَاتِ : قِيلَ يَضْعُفُ الْعَمَلُ بِهِ تَقْدِيمًا لِلْكِتَابِ وَالْقِيَاسِ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ أَكْلَ مَا أَمْسَكَ الْكِلَابُ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ غَسْلًا ، وَالْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانِ ، وَقِيلَ يَضْعُفُ الْعَدَدُ ، وَقِيلَ إِيجَابُهُ لِلْغَسْلِ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : وَمَا أَدْرِي مَا حَقِيقَتُهُ أَيْ مَا الْمُرَادُ بِهِ مِنَ الْحُكْمِ .
وَيُقَالُ : وَلَغَ يَلَغُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا .
مِنَ الطَّرَّازِ : يُضَعِّفُ عِلَّةَ الْحُكْمِ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ الْخِنْزِيرُ .