البحث الثاني : في ، والأصل في القذف : التحريم ، وإيجاب الحد كما هو في الأجنبي ، وإنما أبيح للزوج لضرورة حفظ النسب وشفاء الصدور ، ولما خرج من حيز التحريم لم يناسب العقوبة بالجلد مطلقا بل عند عدم ظهور الغرض الصحيح ، وجعل له مخلص بالأيمان المباحة لقوله تعالى : ( القذف الموجب للعان والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) ( النور : 6 ) .
تفريع ، في الكتاب : يجب : رؤية الزنا كالمرود في المكحلة ، ونفي حمل يدعى قبله الاستبراء ، أو واحد مختلف فيه ، وهو : قذفها من غير دعوى رؤية ولا نفي حمل ، قال اللعان باثنين متفق عليهما ابن القاسم : أكثر الروايات على أنه يحد ولا يلاعن ; لأن الأيمان إنما تنزلت منزلة البينة في درء الحد عنه ، وتوجهه عليها .
والسند لا بد أن يصف ولا يقتصر على مجرد القذف ، ولابن القاسم قولان ، قال ابن يونس : يكفي في دعوى الاستبراء حيضة لحصول براءة الرحم بها ، قاله مالك وأصحابه إلا عبد الملك اشترط ثلاثا ، ورواه عن مالك ، وقيل : لا يحتاج إلى صفة الرؤية ; لأن الآية لم تشترطها ، والفرق أنه محتاج لحفظ نسبه ، ولا حاجة للشهود فغلظ عليهم [ ص: 288 ] طلبا للستر ، وفي الكتاب : إذا : لاعن ; لأنه قاذف ، وإذا ولدت ميتا أو مات بعد الولادة ولم يعلم به لغيبة أو غيرها فنفاه التعن للتشفي أو لنفي الحمل ، فإن أكذب نفسه لم يحد ; لأنه قاذف زانية ، وفي الجواهر : لو زنت فحدت ثم قال رأيتها تزني ولم يقذفها بالزنا الأول فلا حد ، ولا لعان لاستيفاء موجبه قبل ذلك ، وقال لاعنها فأبانها ثم قذفها بتلك الزنية ربيعة : يحد ، وإن قذفها بزنية أخرى فإن كانت لم تلاعن وحدت لم يجب الحد ; لسقوط حصانتها بتلك الزنية بموجب لعانه ، وإن لاعنت وجب الحد ، وإن قذفها أجنبي فأولى بالحد ; لأن أثر لعان الزوج لا يتعدى لغيره .
قاعدة : الحصانة لا تعود بالعدالة ; لأن الله تعالى إنما أوجب الحد في المحصنات ، فمن ثبتت جنايته بالزنا ذهبت حصانته ، وهذا مقام تزلزل فيه الفكر ، وتضطرب العبر ، وكيف يصير المقذوف من أهل الولاية والعدالة وجانبه مهضوم ، والزنية الثانية التي رماه بها أو رمى المرأة لم يقم عليها مصدق للرامي ، وأي فرق بين هذه الأذية هاهنا وبين أذية من لم يتقدم له زنا ، وهما مولمان مؤذيان للرمي أذية ظاهرها الكذب ، أما إذا رمي بالفرية الأولى فهو صادق فلا يلحق بمحل الإجماع بالحد بل في التعزير ، والجواب عن الأول : يتخرج على قاعدة وهي : أن الله تعالى إذا نصب سببا لحكمة اختلف العلماء هل يجوز ترتيب الحكم على تلك الحكمة حيث وجدت ; لأنها الأصل في اعتبار ذلك السبب أو لا يجوز ؟ لأن الله تعالى لم ينصبها ، وهو الصحيح عندهم ، كما نصب السرقة سببا للقطع لحكمة حفظ الأموال فمن أخذ مالا بغير السرقة لا يجوز قطعه ، ونصب الزنا سببا للرجم لحكمة حفظ الأنساب فمن سعى في لبسها بغير الزنا لا يجوز [ ص: 289 ] رجمه ، وكذلك هاهنا شرع القذف سببا للحد لحكمة حفظ الأعراض وصونا للقلوب عن الأذيات ، لكن اشترط فيه الإحصان من جملة عدم مباشرة الزنا ، فمن باشر فقد انتفى في حقه عدم المباشرة ، فإن النقيضين لا يصدقان ، والعدالة بعد ذلك لا تنافي كونه باشر ، فإن لاحظنا الحكمة دون السبب كان ذلك لحسن إيجاب الحد ، فإن اقتصرنا على خصوص السبب لا يوجب الحد ، ويؤكد ذلك أن الحدود تعبدية من جهة مقاديرها ، وإن كانت معقولة الحكمة من جهة أصولها ، والتعبد لا يجوز التصرف فيه ، فظهر أنه لا يلزم من الاستواء في الأذية الاستواء في الحد .
فرع
في الجواهر : إن ، اندفع الحد الثاني ، واستوفى الأول ; لأن اللعان لا يدفع قذفا قبل الزوجية . قذفها أجنبية ثم تزوجها وقذف فلاعن
فرع
في الكتاب : إذا التعن ، وقال غيره : إن قذفها وقد كانت غصبت تلاعنا جميعا ، وإن قذفها بغير الغصب لا ينتفي إلا بلعان ، ولا تلتعن هي ; لأنها تقول : إن لم يكن منك فمن الغاصب ، قال غصبت واستمرت حاملا ابن يونس : قال محمد : هذا إن علم الغصب برؤيتها متعلقة تدمي أو غاب عليها ، وإن انفردت دعواها فلا بد من اللعان .
قال مالك : وتقول أشهد بالله ما زنيت ، ولقد غلبت على نفسي ، [ ص: 290 ] قال محمد : وتقول في الخامسة : أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ولا يسقط الحد عنها موافقة الزوج لها على الغصب ، وإن كان الحمل ; لأنه حق لله ، قال صاحب النكت : بخلاف تصديقه على الزنا عند تصديق الزوج على الغصب لا ينفي الولد منه باللعان ابن القاسم لانتفاء التهمة بتزوجه الحد عليها فصدقت على قطع النسب ، ولو رجعت عن إقرارها قبل الحد ( استوى المسألتان ) ، وتقبل دعوى الغصب من ذات الزوج من غير حد فيما ظهر من حمل لقدرتها على الإلحاق بالزوج ، بخلاف الغرية إلا أن تصح وتفضح نفسها .
فرع
قال ابن يونس : إذا ، لحقه لعدم لعانه ، ولها الصداق ; لأن الموت يكمله ولا يلاعن ; لأن سبب لعانها لعانه ولم يوجد ، وترث . أنكر حمل امرأته قبل البناء ثم مات
في الكتاب : ، ويؤدب إن لم تكن له بينة حتى يصف الوطء ولم يجعل هذا تعريضا بالقذف كما في الأجنبي ; لعذر الزوجية ، وقال : ابن الملاعنة أو أمه يوجب الحد لقبول اللعان للاستلحاق ، ولو القائل : وجدتها معه في لحاف ، أو تجردت له ، أو ضاجعته ، لم يلتعن [ ص: 291 ] حد ، قاله قذفها زوجها بعد اللعان ربيعة ، قال ابن يونس : قيل : يحد بذكر المضاجعة كما لو قاله لأجنبي ، ولو طالبته بذلك فقال : رأيتها تزني فله الملاعنة ، قال ابن القاسم : ولو ، أخر حتى يلتعن فيحد أولا ( وإلا فلا ) لثبوت زناها ، وقال قذفها أجنبي بعد لعان الزوج أشهب : لا يؤخره ، ولو لم يؤخر ، وإن أخر لا يسقط الحد إذا التعنت ، وخالف قذفها قبل تمام لعان الزوج محمد ربيعة في ; لأنه إنما لاعن لقذفه ، قال حد الزوج لقذفه بعد اللعان : وإذا قذفها بمعين فحد له سقط اللعان وحق الزوجة ، كقاذف رجلين يحد لأحدهما ، وإن طولب باللعان فنكل فتحد سقط حد الرجل ، وفي الكتاب : القائل رأيتها تزني بفلان فيلاعن فتحد لفلان لبقاء حقه ، سحنون لما في والمنكر للون ولده لا يلاعن مسلم ( ، زاد أنه - عليه السلام - أتاه أعرابي فقال : يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود ، وإني أنكرته فقال له عليه السلام : هل لك من إبل ؟ قال : نعم ، قال : ما لونها ؟ قال : حمر ، قال : هل فيها من أورق ؟ قال : نعم ، قال عليه السلام : فأنى هو ؟ فقال : لعله يا رسول الله يكون نزعه عرق له ، فقال له عليه السلام : وهذا لعله يكون نزعه عرق له : ولم يرخص له في الانتفاء منه ) ، وإذا لم يرفع القذف إلى الإمام فلا شيء فيه ، قال البخاري اللخمي : إذا حد ولم يلاعن ; لجواز حمل الإقرار على قبل الزوجية ، والأصل في القذف : الحد ، واللعان . قال : أقرت عندي بالزنا
فرع
وإذا لا يحد ولا يلاعن ; لأن العذرة تذهب بالوثبة ، والحيض ، والتغييس . قال : لم أجدك عذراء
[ ص: 292 ] فرع
في الجواهر : قال القاضي أبو بكر : لا يمنع إقامة البينة على القذف من اللعان ، وقوله تعالى : ( ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ) خرج مخرج الغالب فسقط مفهومه إجماعا ، ( وبه قال ( ش ) خلافا ل ( ح ) ، وفي الكتاب : إذا لاعن الزوج ، وحد ) الثلاثة لرد شهادته بالتهمة ، قال شهد عليهما أربعة أحدهما زوجها ابن يونس : قال مالك : فإن رجمها الإمام ثم علم بذلك لم يحد الثلاثة للقضاء بشهادتهم ، ويلاعن الزوج ; لأنه قذف ، فإن نكل حد ثم لا قصاص على الإمام للخلاف فيه كشهادة العبد ، وقال : إذا علم ذلك قبل الرجم فعرض اللعان على الزوج ، فإن فعل قيل : لها التعني ، فإن فعلت حد الثلاثة ، وإلا حدت دونهم ; لأنه حق عليها ما شهدوا به . ابن أبي زمنين
فرع
قال : ويكفي نسبتها لوطء حرام في القبل والدبر ، فإن ليس على الإمام إعلامه ; لأنه يبلغه ذلك غالبا ، وروي ذلك عليه لقوله - عليه السلام - في قذفها بأجنبي ، وذكره في اللعان مسلم : ( أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ) وليس الستر الإعلام ، فإن الحدود يؤمر بالستر فيها ، فإن قام المقذوف بالحدود وحد له ، قال واغد يا : سحنون ، فإن لم يعين لم يحد لعدم أذية غير المعين . يسقط اللعان لتداخل حدود القذف
[ ص: 293 ] فلو ، فلا حد لتداخل الحدود فلو قال بعد الحد : ( كذبت عليكما أو للتي قامت أخيرا : صدقت عليك حد ; لأنه يصدق بعد الحد ، ولو قال للتي حد لها : ) صدقت عليك حد عند قذف امرأتين بكلمة واحدة فقامت إحداهما ، فقال : كذبت عليك فجلد ثم قامت الأخرى ابن القاسم لها ثانيا خلافا . لابن المواز
فرع
قال : إذا حد إلا أن يدعي رؤية فيلتعن ، ويقبل منه بعد جحوده بخلاف الأجنبي ; لأنه مأمور بالستر ، ولو أنشأ قذفا آخر فله اللعان ، ولو أقامت بينة على إقراره بذلك لاعن منه وهو منكر لحق به وحد ، قال ادعت القذف فأنكر فأثبتته محمد : إلا أن يكون اللعان عن الرؤية مع نفي الحمل فلا حد لبقاء لعان الرؤية .
فرع
قال : قال ابن محرز : إذا لاعن الكتابية بنفي الحمل ، ثم استلحق الولد ، ثم طلب الولد الحد لقطع نسبه لم يحد الأب ; لأن المقصود بالقذف أمه دونه ، وهو كمن عرض بقذف ولده لا يحد لبعده من التهمة في ولده ، فلا يؤاخذ إلا بغير المحتمل كقتله .
[ ص: 294 ] فرع
قال : ولو امتنع من اللعان فعرض للحد فله الالتعان حينئذ ، وهل ذلك للمرأة أم لا ، قال بالأول قياسا على النكول في الزنا ، وبالثاني قال أبو بكر بن عبد الرحمن أبو عمران ، والفرق تعلق حق الزوج بالنكول في اللعان بخلاف الزنا .
فرع
( قال : إذا قال : حد عند زنيت وأنت صغيرة ، أو أمة ، أو نصرانية ابن القاسم ، فإن أقام بينة ورآه تعريضا : قال أشهب : لا يحد في غير المشاتمة ، ويحد في المشاتمة إلا أن تقوم بينة ) .
فرع
قال : إذا مات الولد فله اللعان ، وإن لم يكن للوالد ولد حسي ، ولو نفاه فلما مات استلحقه ، قيل : إن كان للميت ولد وإلا فلا ; لتهمة الميراث .