الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                البحث الخامس : في صفات اللعان ، والنظر في : لفظه ، وتغليظه ، وسنته .

                                                                                                                فلفظه في الجواهر : يتعين لفظ الشهادة ، ولا يبدل بالحلف ، ولا لفظ الغضب باللعن اتباعا للآية ، ويجب تأخير اللعن ، وتقوم مقام اللفظ الإشارة ، والكتابة من الأخرس ، ولو قال بعد انطلاق لسانه : لم أرد ذلك لم يقبل منه ، ولو اعتقد لسان الناطق وهو مرجو البرء انتظر .

                                                                                                                التغليظ بالزمان ، في الجواهر : يلتعنان دبر الصلوات ، وقال في كتاب محمد : أي ساعة يرى الإمام ، وإثر المكتوبة أحب إلي ، وروي عن ابن وهب : كان اللعان عندنا بعد العصر ولم يكن سنة بل أي ساعة شاء الإمام ، وبعد العصر أحب إلي ، وقال عبد الملك : لا يكون مقطع حق إلا بإثر صلاة فجعله شرطا كالمكان .

                                                                                                                وأما المكان ففي الكتاب : يلتعن المسلم في المسجد عند الإمام دبر الصلاة ، والنصرانية في كنيستها حيث تعظم وتحلف بالله ، والزوج مخير في [ ص: 305 ] الحضور معها ، ولا تدخل هي معه في المسجد لجنابتها ، وفي الجواهر : يبعث الإمام للمريض عدولا ، ولا يصح اللعان إلا في مجلس الحاكم ، والتغليظ بالمكان واجب ، وبالزمان مستحب ، وظاهر قول مالك : الوجوب .

                                                                                                                وأما الجمع : ففي الجواهر : يحضر أربعة فأكثر لقوله تعالى في الزنا : ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) ( النور : 2 ) .

                                                                                                                فيحضرون هاهنا بجامع التغليظ ، ولأن قطع الأنساب وفساد الأعراض أمر عظيم فيغلظ في سببه .

                                                                                                                وأما سنته فتخويفهما ، في الجواهر : يقال للرجل تب إلى الله عز وجل تحد ويسقط عنك المأثم ، وللمرأة نحو ذلك ، ولكل واحد منهما قبل الخامسة : اتق الله فعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه هي الموجبة للعذاب لقوله - عليه السلام - في مسلم عند الخامسة : ( أقيموها . فقال للمرأة إنها الموجبة ) .

                                                                                                                وفي الاستذكار ليس للزوج إيقاع اللعان بنفسه دون السلطان إجماعا .

                                                                                                                تفريع ، في الكتاب : يبدأ بالزوج ; لأن لعانه سبب عن قذفه ، فيدرأ عن نفسه الحد ، وسبب للعانها ; لأنه الموجب للحد عليها لكونه مثل البينة ، ولقوله تعالى بعد ذكر لعانه : ( ويدرأ عنها العذاب ) ( النور : 8 ) ( فدل على توجه العذاب عليها ) ، وهو الحد ، فتشهد أربع شهادات ، فيقول في الرؤية : أشهد بالله لرأيتها تزني ، وفي نفي الحمل أشهد بالله [ ص: 306 ] لزنت ; لأن القاعدة مطابقة البينة واليمين للدعوى ، وفي الخامسة : أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، وتقول المرأة في الرؤية : أشهد بالله ما رآني أزني ; لأنها مكذبة له فتعين دعواه في لفظها ، وفي الحمل : أشهد بالله ما زنيت ، أربع مرات ، وفي الخامسة : أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، قال ابن يونس : زاد أصبغ في حلف الرؤية : تزني كالمرود في المكحلة ، وفي حلف المرأة في نفي الحمل : وإنه لمنه ، وروي عن ابن القاسم في نفي الحمل : أشهد بالله إني لمن الصادقين ما هذا الحمل مني ولزنت ; لنفي احتمال الغصب ، قال أصبغ : وإن بدل مكان : إن كنت من الكاذبين : إن كنت كذبتها ، أجزأ ، والمرأة في الخامسة : مكان إن كان من الصادقين : إنه من الكاذبين ، أجزأها ; لاتحاد المعنى لكن لفظ القرآن أولى ، وقال ( ح ) : يخاطبها فيقول : فيما رميتك به ، وتقول هي : فيما رميتني به .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن القاسم : إذا بدأت المرأة لا يعاد اللعان ; لأن دلالة الأيمان على الصدق لا تختلف ، وقال أشهب : يعاد حتى يكون بعد سببه الذي هو لعان الزوج ، وتقدم الحكم على سببه يبطله .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يوجب النكول حد القذف عليه ، والرجم عليها إن كانت ثيبا ، ولا تؤخر إلا في الحمل لحق الولد ، وقاله ( ش ) ، وقال ( ح ) : يحبس الناكل منهما أبدا حتى يحلف ; لأن ضعف اللعان سبب يدرأ الحد . لنا : [ ص: 307 ] أن قذف الزوجة لا يوجب غير اللعان ، وجوابه : أن أصل القذف الحد حتى يخلص منه باليمين .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                إذا ماتت قبل كمال لعانها ففي الكتاب : ورثها ، وإن مات بعد التعانه ، فإن امتنعت من اللعان ، ورثته ، ورجمت ، وإلا فلا ، قال ابن يونس : قال مالك : إذا وجب اللعان فماتت قبل لعانه لا لعان عليه ، وإذا مات قبل تمام لعانه فلا لعان عليها لعدم السبب ، وإذا التعنت بعد موته فلا عدة عليها لوفاته ، وقال أشهب : ترثه ، وإن التعنت لتأخير البينونة بعد الموت ، قال ابن القاسم : فإن التعنت قبله ثم ماتت فعرض اللعان عليه ، فإن فعل فلا ميراث ، ولا حد عليه ، وإلا ورثها وحد ، وإن كانت التعنت لم أعد لعانها لحصول المقصود ، وقال أشهب : أعيده لتقديم يمين الطالب في الحقوق .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية