فرع
قال صاحب البيان : قال
ابن القاسم : يمتنع وضع المرأة صداقها لزوجها على أن يحجها ، لأنه فسخ دين في دين ، وإن قالت له : إن حملتني إلى أهلي فلك صداقي صدقة عليك فامتنع ، فخرجت مبادرة إلى أهلها لتقطع الصدقة سقط عنه الصداق ، وإن لم تخرج كذلك فلا .
فرع
قال
اللخمي : إذا سلمت المقاصة من الفساد الآن اعتبر ما تقدم ، فإن كانا متساويين : ثمن قمح وثمن تمر امتنع على أصل
ابن القاسم ; لاتهامهما في بيع القمح بالتمر ، وفي الكتاب : إلا أن يكون العقدان نقدا والأول مؤجلا والثاني نقدا وأخذ عن المبيع أولا مثل ما يباع به نقدا فيجوز . وإن كان الثاني أكثر عينا امتنع ، وكذلك لو كانا عرضين أسلم بعضهم لبعض فيها فإن اتفق رأس المال أو الأول أكثر جاز ، أو الأول أقل امتنع ; لاتهامهما على سلف بزيادة ، وإن كان رأس مال أحدهما دراهم والآخر دنانير امتنع على قول
ابن القاسم ; لأنه صرف مستأخر ، وقيل : يجوز إن كان رأس مال الأول أقل فيما يكون الصرف دون سلم الأول .
فرع
قال : اختلف
nindex.php?page=treesubj&link=24296إذا تضمنت الصرف المستأخر أو بيع الطعام قبل قبضه هل تفسخ المقاصة خاصة لأنها المتضمنة للفساد أو المتضمنة المبيع الأخير ؟ ويصح الأول ، قولان ، قال : والأول أحسن ; لأن سبب التهمة ليس محققا إلا أن
[ ص: 306 ] تجري بينهما عادة ، فينفسخ البيع الأول والثاني .
تمهيد : نذكر قواعد شرعية تنبني عليها المقاصة وبيوع الآجال وما يدخل فيه سد الذرائع ; لأن
مالكا - رحمه الله - يقدر الأسباب المبيحة معدومة ، والمقتضي للفساد موجود ، والتقدير من الأمور العامة في الشرع ، فأبسط القول فيه فأقول : التقدير : إعطاء الموجود حكم المعدوم والمعدوم حكم الموجود ، فإعطاء المعدوم حكم الموجود كإيمان الصبيان قبل تعلمهم وكذلك البالغون حالة الغفلة ، وكفر أطفال الكفار وعدالة الشهود حالة الغفلة ، وكذلك فسق الفساق ، والإخلاص والرياء فيمن مات على شيء من هذه الصفات ، فالشرع يحكم عليهم بهذه الصفات حالة عدمها ، وتجري عليهم أحكامها ، ويبعثهم عليها بعد الموت ، وكذلك النيات في العبادات حالة الغفلة في أثناء العبادة فهو في حكم الناوي ، وإن لم يكن متصفا بالنية حينئذ ، فالثابت في حقه النية الحكمية دون الفعلية ، وكذلك من تقدم ، وكذلك العلم في العلماء ، والفقه ، والشعر ، والطب ، والصداقة ، والعداوة ، والحسد حالة الغفلة عن هذه الصفات ، وكذلك خصص الله تعالى الحاسد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=113&ayano=5ومن شر حاسد إذا حسد ) . ففائدة التخصيص بقوله : إذا حسد ; ليتقي الحسد الفعلي لأنه الباعث على أذية الحسود ، بخلاف الحكمي ، وكذلك إذا باع عبدا سارقا فيقطع بقدر قطعة عند البائع ، ويرد عليه ، وكذلك كل عيب نشأ في المبيع بسبب التدليس لا يمنع الرد ، ويقدر تقدمه على ما تقدم تقريره في الرد
[ ص: 307 ] بالعيب ، والديون تقدر في الذمم ، والنقدان في عروض التجارة ، ويقدر الملك في المملوكات ، والرق والحرية والزوجية في محالها . وإعطاء الموجود حكم المعدوم كالماء مع المحتاج له لتعطيشه ، والرقبة عند المكفر المحتاج إليها ، ومن النقدين إعطاء المتقدم حكم المتأخر ، والمتأخر حكم المتقدم ، فالأول كمن رمى سهما أو حجرا فأصاب بعد موته شيئا فأفسده ، فإنه يضمنه ويقدر تقدمه ( في حال حياته ، كالدية في القتل متأخرة الاستحقاق عن الموت لأنه سببها ، ويقدر تقدمه ) قبل الموت حتى يصح أن يورث عنه ، والثاني كتقدير الحروف السابقة على الحرف الأخير من لفظ الطلاق والبيع وسائر صيغ العقود مع الحرف الأخير ، فحينئذ يقضى عليه بأنه متكلم بتلك الصيغ ، ولو لم يقدر أول الكلام عند آخره لما اعتبر الحرف الأخير ، لأنه ليس سببا شرعيا ، وكذلك تقدر النية في آخر العبادات ، وإن كانت متقدمة في أولها فنعده ناويا في آخرها ، وإن كان غافلا عن النية حينئذ ، بل كانت النية سابقة فر أول العبادات : ولا يكاد ينفك شيء من العقود عن التقدير ، وإيراده على المعدوم ، أما البيع فقد يقابل الدين بالدين إجماعا كبيع درهم بدرهم ، إلا أنه لا يتأخر ، والإجارة إن قوبلت بمنفعة كانا معدومين ، أو بعين كانت المنافع معدومة ، والسلم والقرض يقتضي عوضه معدوما ، والوكالة إذن في معدوم ، والقراض والمساقاة والمزارعة والجعالة والوقف تمليك لمعدوم ؛ تارة لموجود وتارة لمعدوم ، والرهن في دين معدوم وقد يكون دينا بنفسه ، والوصية تصح بالدين المعدوم ، والعواري تمليك لمعدوم ، وتمليك اللقطة مقابلة موجود بمعدوم ، وحفظ الوديعة الواجب معدوم
[ ص: 308 ] يوجد يقينا مساو كذلك منافع النكاح والنفقة والسكنى والكفالة التزام المعدوم ، والحوالة بيع معدوم بمعلوم ، والصلح لا يخرج عن البيع ، والإجارة ، والإبراء ، والهبة . والعجب ممن يعتقد أن المعاوضة على المعدوم على خلاف الأصل مع أنه عماد الشريعة ومعظمها ؛ والأوامر ، والنواهي ، والإباحات ، والأدعية ، والوعد ، والوعيد ، والبشارة ، والنذارة ، والنذور ، والشروط وأجوبتها لا تتعلق جميع هذه إلا بمعدوم ، فهذا التمهيد وهذه القواعد وإن كانت تتعلق بالديون فهي عظيمة النفع في أبواب الفقه ; يحتاج إليها الفقيه حاجة شديدة إن أراد أن يكون من فحول العلماء ، وبسبب الإحاطة بهذه القواعد تتضح المدارك ، ويتميز الصواب في المذاهب من الخطأ ، وتنشأ الفروق والتراجيح ، وفي مثل هذه المواطن يتميز الجذع من القارح ، والصالح لضبط الفقه من الطالح .
فَرْعٌ
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ : قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ : يَمْتَنِعُ وَضْعُ الْمَرْأَةِ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا عَلَى أَنْ يُحِجَّهَا ، لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ ، وَإِنْ قَالَتْ لَهُ : إِنْ حَمَلْتَنِي إِلَى أَهْلِي فَلَكَ صَدَاقِي صَدَقَةً عَلَيْكَ فَامْتَنَعَ ، فَخَرَجَتْ مُبَادِرَةً إِلَى أَهْلِهَا لِتَقْطَعَ الصَّدَقَةَ سَقَطَ عَنْهُ الصَّدَاقُ ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ كَذَلِكَ فَلَا .
فَرْعٌ
قَالَ
اللَّخْمِيُّ : إِذَا سَلَمَتِ الْمُقَاصَّةُ مِنَ الْفَسَادِ الْآنَ اعْتُبِرَ مَا تَقَدَّمَ ، فَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ : ثَمَنُ قَمْحٍ وَثَمَنُ تَمْرٍ امْتَنَعَ عَلَى أَصْلِ
ابْنِ الْقَاسِمِ ; لِاتِّهَامِهِمَا فِي بَيْعِ الْقَمْحِ بِالتَّمْرِ ، وَفِي الْكِتَابِ : إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَقْدَانِ نَقْدًا وَالْأَوَّلُ مُؤَجَّلًا وَالثَّانِي نَقْدًا وَأَخَذَ عَنِ الْمَبِيعِ أَوَّلًا مِثْلَ مَا يُبَاعُ بِهِ نَقْدًا فَيَجُوزُ . وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَكْثَرَ عَيْنًا امْتَنَعَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا عَرْضَيْنِ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِيهَا فَإِنِ اتَّفَقَ رَأْسُ الْمَالِ أَوِ الْأَوَّلُ أَكْثَرَ جَازَ ، أَوِ الْأَوَّلُ أَقَلَّ امْتَنَعَ ; لِاتِّهَامِهِمَا عَلَى سَلَفٍ بِزِيَادَةٍ ، وَإِنْ كَانَ رَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ وَالْآخَرِ دَنَانِيرَ امْتَنَعَ عَلَى قَوْلِ
ابْنِ الْقَاسِمِ ; لِأَنَّهُ صَرْفٌ مُسْتَأْخِرٌ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ إِنْ كَانَ رَأْسُ مَالِ الْأَوَّلِ أَقَلَّ فِيمَا يَكُونُ الصَّرْفُ دُونَ سَلَمِ الْأَوَّلِ .
فَرْعٌ
قَالَ : اخْتُلِفَ
nindex.php?page=treesubj&link=24296إِذَا تَضَمَّنَتِ الصَّرْفَ الْمُسْتَأْخِرَ أَوْ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ هَلْ تُفْسَخُ الْمُقَاصَّةُ خَاصَّةً لِأَنَّهَا الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْفَسَادِ أَوِ الْمُتَضَمِّنَةُ الْمَبِيعَ الْأَخِيرَ ؟ وَيَصِحُّ الْأَوَّلُ ، قَوْلَانِ ، قَالَ : وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ ; لِأَنَّ سَبَبَ التُّهْمَةِ لَيْسَ مُحَقَّقًا إِلَّا أَنْ
[ ص: 306 ] تَجْرِيَ بَيْنَهُمَا عَادَةٌ ، فَيَنْفَسِخَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي .
تَمْهِيدٌ : نَذْكُرُ قَوَاعِدَ شَرْعِيَّةً تَنْبَنِي عَلَيْهَا الْمُقَاصَّةُ وَبُيُوعُ الْآجَالِ وَمَا يَدْخُلُ فِيهِ سَدُّ الذَّرَائِعِ ; لِأَنَّ
مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقَدِّرُ الْأَسْبَابَ الْمُبِيحَةَ مَعْدُومَةً ، وَالْمُقْتَضِي لِلْفَسَادِ مَوْجُودٌ ، وَالتَّقْدِيرُ مِنَ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ فِي الشَّرْعِ ، فَأَبْسُطُ الْقَوْلَ فِيهِ فَأَقُولُ : التَّقْدِيرُ : إِعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ ، فَإِعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ كَإِيمَانِ الصِّبْيَانِ قَبْلَ تَعَلُّمِهِمْ وَكَذَلِكَ الْبَالِغُونَ حَالَةَ الْغَفْلَةِ ، وَكَفْرِ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ وَعَدَالَةِ الشُّهُودِ حَالَةَ الْغَفْلَةِ ، وَكَذَلِكَ فِسْقُ الْفُسَّاقِ ، وَالْإِخْلَاصُ وَالرِّيَاءُ فِيمَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ ، فَالشَّرْعُ يَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ حَالَةَ عَدَمِهَا ، وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُهَا ، وَيَبْعَثُهُمْ عَلَيْهَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَكَذَلِكَ النِّيَّاتُ فِي الْعِبَادَاتِ حَالَةَ الْغَفْلَةِ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ فَهُوَ فِي حُكْمِ النَّاوِي ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِالنِّيَّةِ حِينَئِذٍ ، فَالثَّابِتُ فِي حَقِّهِ النِّيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ دُونَ الْفِعْلِيَّةِ ، وَكَذَلِكَ مَنْ تَقَدَّمَ ، وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ فِي الْعُلَمَاءِ ، وَالْفِقْهُ ، وَالشِّعْرُ ، وَالطِّبُّ ، وَالصَّدَاقَةُ ، وَالْعَدَاوَةُ ، وَالْحَسَدُ حَالَةَ الْغَفْلَةِ عَنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ ، وَكَذَلِكَ خَصَّصَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَاسِدَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=113&ayano=5وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ) . فَفَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِقَوْلِهِ : إِذَا حَسَدَ ; لِيَتَّقِيَ الْحَسَدَ الْفِعْلِيَّ لِأَنَّهُ الْبَاعِثُ عَلَى أَذِيَّةِ الْحَسُودِ ، بِخِلَافِ الْحُكْمِيِّ ، وَكَذَلِكَ إِذَا بَاعَ عَبْدًا سَارِقًا فَيُقْطَعُ بِقَدْرِ قِطْعَةٍ عِنْدَ الْبَائِعِ ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ عَيْبٍ نَشَأَ فِي الْمَبِيعِ بِسَبَبِ التَّدْلِيسِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ ، وَيُقَدَّرُ تَقَدُّمُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي الرَّدِّ
[ ص: 307 ] بِالْعَيْبِ ، وَالدُّيُونُ تُقَدَّرُ فِي الذِّمَمِ ، وَالنَّقْدَانِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ ، وَيُقَدَّرُ الْمِلْكُ فِي الْمَمْلُوكَاتِ ، وَالرِّقُّ وَالْحُرِّيَّةُ وَالزَّوْجِيَّةُ فِي مَحَالِّهَا . وَإِعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ كَالْمَاءِ مَعَ الْمُحْتَاجِ لَهُ لِتَعْطِيشِهِ ، وَالرَّقَبَةُ عِنْدَ الْمُكَفِّرِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا ، وَمِنَ النَّقْدَيْنِ إِعْطَاءُ الْمُتَقَدِّمِ حُكْمَ الْمُتَأَخِّرِ ، وَالْمُتَأَخِّرِ حُكْمَ الْمُتَقَدِّمِ ، فَالْأَوَّلُ كَمَنْ رَمَى سَهْمًا أَوْ حَجَرًا فَأَصَابَ بَعْدَ مَوْتِهِ شَيْئًا فَأَفْسَدَهُ ، فَإِنْهُ يَضْمَنُهُ وَيُقَدِّرُ تَقَدُّمَهُ ( فِي حَالِ حَيَاتِهِ ، كَالدِّيَةِ فِي الْقَتْلِ مُتَأَخِّرَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عَنِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ سَبَبُهَا ، وَيُقَدَّرُ تَقَدُّمُهُ ) قَبْلَ الْمَوْتِ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يُورَثَ عَنْهُ ، وَالثَّانِي كَتَقْدِيرِ الْحُرُوفِ السَّابِقَةِ عَلَى الْحَرْفِ الْأَخِيرِ مِنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَسَائِرِ صِيَغِ الْعُقُودِ مَعَ الْحَرْفِ الْأَخِيرِ ، فَحِينَئِذٍ يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِتِلْكَ الصِّيَغِ ، وَلَوْ لَمْ يُقَدَّرْ أَوَّلُ الْكَلَامِ عِنْدَ آخِرِهِ لَمَا اعْتُبِرَ الْحَرْفُ الْأَخِيرُ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا شَرْعِيًّا ، وَكَذَلِكَ تُقَدَّرُ النِّيَّةُ فِي آخِرِ الْعِبَادَاتِ ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً فِي أَوَّلِهَا فَنُعِدُّهُ نَاوِيًا فِي آخِرِهَا ، وَإِنْ كَانَ غَافِلًا عَنِ النِّيَّةِ حِينَئِذٍ ، بَلْ كَانَتِ النِّيَّةُ سَابِقَةً فَرَّ أَوَّلُ الْعِبَادَاتِ : وَلَا يَكَادُ يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنَ الْعُقُودِ عَنِ التَّقْدِيرِ ، وَإِيرَادُهُ عَلَى الْمَعْدُومِ ، أَمَّا الْبَيْعُ فَقَدْ يُقَابِلُ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ إِجْمَاعًا كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ ، وَالْإِجَارَةُ إِنْ قُوبِلَتْ بِمَنْفَعَةٍ كَانَا مَعْدُومَيْنِ ، أَوْ بِعَيْنٍ كَانَتِ الْمَنَافِعُ مَعْدُومَةً ، وَالسَّلَمُ وَالْقَرْضُ يَقْتَضِي عِوَضُهُ مَعْدُومًا ، وَالْوِكَالَةُ إِذَنْ فِي مَعْدُومٍ ، وَالْقِرَاضُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْجُعَالَةُ وَالْوَقْفُ تَمْلِيكٌ لِمَعْدُومٍ ؛ تَارَةً لِمَوْجُودٍ وَتَارَةً لِمَعْدُومٍ ، وَالرَّهْنُ فِي دَيْنٍ مَعْدُومٍ وَقَدْ يَكُونُ دَيْنًا بِنَفْسِهِ ، وَالْوَصِيَّةُ تَصِحُّ بِالدَّيْنِ الْمَعْدُومِ ، وَالْعَوَارِيُّ تَمْلِيكٌ لِمَعْدُومٍ ، وَتَمْلِيكُ اللُّقَطَةِ مُقَابِلَةُ مَوْجُودٍ بِمَعْدُومٍ ، وَحِفْظُ الْوَدِيعَةِ الْوَاجِبُ مَعْدُومٌ
[ ص: 308 ] يُوجَدُ يَقِينًا مُسَاوٍ كَذَلِكَ مَنَافِعُ النِّكَاحِ وَالنَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكَفَالَةُ الْتِزَامُ الْمَعْدُومِ ، وَالْحِوَالَةُ بَيْعُ مَعْدُومٍ بِمَعْلُومٍ ، وَالصُّلْحُ لَا يَخْرُجُ عَنِ الْبَيْعِ ، وَالْإِجَارَةِ ، وَالْإِبْرَاءِ ، وَالْهِبَةِ . وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَلَى الْمَعْدُومِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ مَعَ أَنَّهُ عِمَادُ الشَّرِيعَةِ وَمُعْظَمُهَا ؛ وَالْأَوَامِرُ ، وَالنَّوَاهِي ، وَالْإِبَاحَاتُ ، وَالْأَدْعِيَةُ ، وَالْوَعْدُ ، وَالْوَعِيدُ ، وَالْبِشَارَةُ ، وَالنِّذَارَةُ ، وَالنُّذُورُ ، وَالشُّرُوطُ وَأَجْوِبَتُهَا لَا تَتَعَلَّقُ جَمِيعُ هَذِهِ إِلَّا بِمَعْدُومٍ ، فَهَذَا التَمْهِيدُ وَهَذِهِ الْقَوَاعِدُ وَإِنْ كَانَتْ تَتَعَلَّقُ بِالدُّيُونِ فَهِيَ عَظِيمَةُ النَّفْعِ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ ; يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْفَقِيهُ حَاجَةً شَدِيدَةً إِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مِنْ فُحُولِ الْعُلَمَاءِ ، وَبِسَبَبِ الْإِحَاطَةِ بِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ تَتَّضِحُ الْمَدَارِكُ ، وَيَتَمَيَّزُ الصَّوَابُ فِي الْمَذَاهِبِ مِنَ الْخَطَأِ ، وَتَنْشَأُ الْفُرُوقُ وَالتَّرَاجِيحُ ، وَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ يَتَمَيَّزُ الْجَذَعُ مِنَ الْقَارِحِ ، وَالصَّالِحُ لِضَبْطِ الْفِقْهِ مِنَ الطَّالِحِ .