يَذُمُّ النَّاسُ كُلُّهُمُ الْزَّمَانَا وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا نَذُمُّ زَمَانَنَا وَالْعَيْبُ فِينَا
وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ بِنَا هَجَانَا يَعَافُ الذِّئْبُ يَأْكُلُ لَحَمَ ذِئْبٍ
وَيَأْكُلُ بَعْضُنَا بَعْضًا عِيَانًا
سَلِ الْقَصْرَ أَوْدَى أَهْلَهُ : أَيْنَ أَهْلُهُ ؟ أَكُلُّهُمُ عَنْهُ تَبَدَّدَ شَمْلُهُ
أَكُلُّهُمُ قَضَتْ يَدُ الدَّهْرِ جَمْعَهُ وَأَفْنَاهُ قَصُّ الدَّهْرِ يَوْمًا وَقَتْلُهُ
أُخَيَّ أَرَى لِلدَّهْرِ نَبْلًا مُصِيبَةً إِذَا مَا رَمَانَا الدَّهْرُ لَمْ تُخْطِ نَبْلُهُ
فَلَمْ أَرَ مِثْلَ الدَّهْرِ فِي طُولِ عَدْوِهِ وَلَا مِثْلَ رَيْبِ الدَّهْرِ يُؤْمَنُ خَتْلُهُ
إِنَّ الزَّمَانَ يُغْرِينِي بِأَمَانِهِ وَيُذِيقُنِي الْمَكْرُوهَ مِنْ حِدْثَانِهِ
فَأَنَا النَّذِيرُ مِنَ الزَّمَانِ لِكُلِّ مَنْ أَمْسَى وَأَصْبَحَ وَاثِقًا بِزَمَانِهِ
إِنَّ الْفَتَى مِنَ الْفَنَاءِ قَرِيبُ إِنَّ الزَّمَانَ إِذَا رَمَى لَمُصِيبُ
إِنَّ الزَّمَانَ لِأَهْلِهِ لَمُؤَدِّبٌ لَوْ كَانَ فِيهِمْ يَنْفَعُ التَّأْدِيبُ
صِفَةُ الزَّمَانِ حَكِيمَةٌ وَبَلِيغَةٌ إِنَّ الزَّمَانَ لَشَاعِرٌ وَخَطِيبُ
وَلَقَدْ رَأَيْتُكَ لِلزَّمَانِ مُجَرِّبًا لَوْ كَانَ يُحْكِمُ رَأْيَكَ التَّجْرِيبُ
وَلَقَدْ يُكَلِّمُكُ الزَّمَانُ بِأَلْسُنٍ عَرَبِيَّةٍ وَأَرَاكَ لَسْتَ تُجِيبُ
لَوْ كُنْتَ تَفَهَمُ عَنْ زَمَانِكَ قَوْلُهُ لَعَرَاكَ مِنْهُ تَفَجُّعٌ وَنَحِيبُ
كَيْفَ اغْتَرَرْتَ بِصَرْفِ دَهْرِكَ يَا أَخِي كَيْفَ اغْتَرَرْتَ بِهِ وَأَنْتَ لَبِيبُ
وَلَقَدْ حَلَبْتَ الدَّهْرَ أَشْطُرَ دَرِّهِ حِقَبًا وَأَنْتَ مُجَرِّبٌ وَأَرِيبُ
يَا حَسَنَ الظَّنِّ بِاللَّيَالِي أَمَا تَرَاهَا كَيْفَ تَفْعَلُ
يَضْحَكُ هَذَا ، وَذَاكَ يَبْكِي تَنْصُرُ هَذَا وَذَاكَ تَخْذُلُ
ذَاكَ مُعَافًى ، وَذَاكَ مُبْتَلًى وَذَاكَ تُوَلِّي ، وَذَاكَ تَعْزِلُ
أَمْ أَنْتَ عَنْ مَا تَرَاهُ مَنْ ذَا وَذَاكَ مِنْ فِعْلِهَا بِمَعْزِلٍ
لِلدَّهْرِ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارُ وَكُلُّ حَالٍ بَعْدَهَا حَالُ
وَآمِنُ الْأَيَّامِ فِي غَفْلَةٍ وَلَيْسَ لِلْأَيَّامِ إِغْفَالُ
يَا دَهْرُ وَيْحَكَ مَا أَبْقَيْتَ لِي أَحَدًا وَأَنْتَ وَالِدُ سُوءٍ تَأْكُلُ الْوَلَدَا
أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ، بَلْ ذَا كُلُّهُ قَدَرُ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَاحِدَا صَمَدَا
لَا شَيْءَ يَبْقَى سِوَى خَيْرٍ تُقَدِّمُهُ مَا دَامَ مُلْكٌ لِإِنْسَانٍ وَلَا خَلَدَا
أَيَّا دَهْرُ أَعْمَلْتَ فِينَا أَذْكَاكَ وَوَلَّيْتَنَا بَعْدَ وَجْهٍ قَفَاكَا
جَعَلْتَ الشِّرَارَ عَلَيْنَا رُءُوسًا وَأَجْلَسْتَ سِفْلَتَنَا مُسْتَوَاكَا
فَيَا دَهْرُ إِنْ كُنْتَ عَادَيْتَنَا فَهَا قَدْ صَنَعْتَ بِنَا مَا كَفَاكَا
بَلِيتُ وَعِلْمِي فِي الْبِلَادِ مَكَانَهُ وَأَفَنَا شَبَابِي الدَّهْرُ وَهْوَ جَدِيدُ
يذم الناس كلهم الزمانا وما لزماننا عيب سوانا نذم زماننا والعيب فينا
ولو نطق الزمان بنا هجانا يعاف الذئب يأكل لحم ذئب
ويأكل بعضنا بعضا عيانا
سل القصر أودى أهله : أين أهله ؟ أكلهم عنه تبدد شمله
أكلهم قضت يد الدهر جمعه وأفناه قص الدهر يوما وقتله
أخي أرى للدهر نبلا مصيبة إذا ما رمانا الدهر لم تخط نبله
فلم أر مثل الدهر في طول عدوه ولا مثل ريب الدهر يؤمن ختله
إن الزمان يغريني بأمانه ويذيقني المكروه من حدثانه
فأنا النذير من الزمان لكل من أمسى وأصبح واثقا بزمانه
إن الفتى من الفناء قريب إن الزمان إذا رمى لمصيب
إن الزمان لأهله لمؤدب لو كان فيهم ينفع التأديب
صفة الزمان حكيمة وبليغة إن الزمان لشاعر وخطيب
ولقد رأيتك للزمان مجربا لو كان يحكم رأيك التجريب
ولقد يكلمك الزمان بألسن عربية وأراك لست تجيب
لو كنت تفهم عن زمانك قوله لعراك منه تفجع ونحيب
كيف اغتررت بصرف دهرك يا أخي كيف اغتررت به وأنت لبيب
ولقد حلبت الدهر أشطر دره حقبا وأنت مجرب وأريب
يا حسن الظن بالليالي أما تراها كيف تفعل
يضحك هذا ، وذاك يبكي تنصر هذا وذاك تخذل
ذاك معافى ، وذاك مبتلى وذاك تولي ، وذاك تعزل
أم أنت عن ما تراه من ذا وذاك من فعلها بمعزل
للدهر إقبال وإدبار وكل حال بعدها حال
وآمن الأيام في غفلة وليس للأيام إغفال
يا دهر ويحك ما أبقيت لي أحدا وأنت والد سوء تأكل الولدا
أستغفر الله ، بل ذا كله قدر رضيت بالله ربا واحدا صمدا
لا شيء يبقى سوى خير تقدمه ما دام ملك لإنسان ولا خلدا
أيا دهر أعملت فينا أذكاك ووليتنا بعد وجه قفاكا
جعلت الشرار علينا رءوسا وأجلست سفلتنا مستواكا
فيا دهر إن كنت عاديتنا فها قد صنعت بنا ما كفاكا
بليت وعلمي في البلاد مكانه وأفنا شبابي الدهر وهو جديد