مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " وإن فرط في دفعها فعليه الضمان .
قال الماوردي : قد ذكرنا أن إخراج الزكاة بعد الإمكان على الفور ، فمتى فعليه ضمانها . أمكنه إخراجها فلم يخرجها حتى هلك
[ ص: 104 ] وقال أبو حنيفة : إخراجها على التراخي فإن تلف المال فلا ضمان عليه إلا أن يكون تلفها بجناية منه ، أو يكون الساعي قد طالب بها فمنعه ، قال : لأن الزكاة إذا وجبت عليه كانت في يده أمانة كالوديعة ، والودائع لا يضمنها إلا بجناية أو بمطالبة ربها بها ، فيمنعه فكذلك في الزكاة . قال : ولأن الزكاة حق للمساكين فهم غير معينين وله أن يحبسها عن قوم ويصرفها في آخرين ، وإذا لم يتعين مستحقها لم يلزمه الضمان بحبسها ، وهذا خطأ .
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه : هو أنه حق يتعلق وجوبه بوجود المال ، فإذا وجب لم يسقط وجوبه بعد الإمكان بتلف المال ، كصدقة الفطر عن عبيده إذا ماتوا ، وكالحج إذا تلف ماله بعد إمكان أدائه ، ولأنها زكاة قدر على أدائها بعد وجودها ، فوجب أن يلزمه ضمانها ، كما لو طالبه الساعي بها ، ولأن تعيين المستحقين بالوصف يجري مجرى تعيين للمستحقين بالاسم ، فإذا ألزمه الضمان بمنع مستحقيها بالاسم وجب أن يلزمه الضمان بمنع مستحقيها بالوصف ، فأما قوله : إنها كالوديعة لا يضمن إلا بجناية ، أو منع بعد المطالبة .
فالجواب عن ذلك أن يقال : تأخيرها بعد إمكان أدائها جناية منه عليها ، على أن من الودائع ما يجب ضمانها من غير مطالبته ، وهي ما لم يعلم رضا مالكها بإمساكها ، كالثوب إذا طار به الريح إلى دار رجل عليه الضمان إذا لم يبادر برده وإعلامه ، وكموت رب الوديعة ، يوجب على المودع ردها على الوارث ، فإن لم يردها أو لم يعلم بها ضمنها ، كذلك الزكاة ليس يعلم رضا مستحقها بحبسها ، فوجب أن يلزمه ضمانها . وأما قوله : إن مستحقها غير معين وله أن يحبسها عن قوم ويصرفها في آخرين فغير صحيح ، لأنه إنما يجوز أن يصرفها عن قوم إلى غيرهم إذا حضر جميع المساكين ، فأما إذا حضر بعضهم لم يجز أن يحبسها عمن حضر ليدفعها إلى من لم يحضر ، فإن فعل ذلك ضمن . والله تعالى أعلم .