الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " فإذا كان لا يصلحها إلا السقي فعلى المشتري تخلية البائع وما يكفي من السقي ، وإنما له من الماء ما فيه صلاح ثمره " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال :

                                                                                                                                            إذا استحق البائع ترك الثمرة على نخل المشتري إلى وقت الجذاذ ، فقد تحتاج الثمرة إلى ما يصلحها من السقي ، فيجب على المشتري تمكينه من السقي ، لما قد استحقه من إصلاح ثمرته ، وإذا كان كذلك فلا يخلو حال السقي من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يكون ممكنا أو متعذرا .

                                                                                                                                            فإن كان السقي ممكنا لم يخل حاله من أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون نافعا للنخل والثمرة ، فللبائع أن يسقي وعلى المشتري أن يمكنه ، ومؤنة السقي على البائع دون المشتري : لما فيه من صلاح ثمرته ، وإن كان لنخل المشتري فيه صلاح : لأن الأغلب من حال السقي صلاح الثمرة والنخل تبع .

                                                                                                                                            والفرق بين هذا وبين أن يبيع صاحب النخل ثمرته فيجب سقيها على صاحب النخل دون مشتري الثمرة ، أن من باع ثمرة وجب عليه تسليمها بمنافعها ، ومن منافعها السقي فوجب على بائعها دون المشتري لها ، وليست هذه الثمرة الحاصلة لبائع النخل بالتأبير مضمونة على صاحب النخل بالتسليم ، فلم يجب عليه السقي ، فلو امتنع البائع في مسألتنا من سقي ثمرته لم يجبر عليه ، وقيل لمشتري النخل إن أردت سقي نخلك فاسقه ولا نجبرك عليه .

                                                                                                                                            [ ص: 171 ] والحال الثانية : أن يكون السقي مضرا بالنخل والثمرة ، فإن أراد صاحب النخل أن يسقي كان لصاحب الثمرة أن يمنعه : لأنه لا ينفعه ويضر غيره .

                                                                                                                                            وإن أراد صاحب الثمرة أن يسقي كان لصاحب النخل أن يمنعه : لأنه لا ينفعه ويضر غيره .

                                                                                                                                            فلو قال صاحب الثمرة : أريد أن آخذ الماء الذي كنت أستحقه لسقي ثمرتي فأسقي به غيرها من الثمار أو الزرع لم يجز ، وكذا لو أخذ ثمرته قبل وقت جذاذها ، لم يكن له أن يأخذ الماء الذي كان يستحقه لسقيها إلى وقت الجذاذ : لأنه إنما كان يستحق من الماء ما فيه صلاح تلك الثمرة دون غيرها .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يكون السقي نافعا للنخل مضرا بالثمرة ، فقد اختلف أصحابنا ، هل لصاحب النخل أن يسقي مع ما في السقي من مضرة الثمرة ؟

                                                                                                                                            فحكي عن أبي إسحاق المروزي أنه قال : لصاحب الثمرة أن يمنعه من السقي لما فيه من مضرة الثمرة ، فإذا منعه كان لصاحب النخل فسخ العقد لما يلحقه في منع السقي من المضرة .

                                                                                                                                            وحكي عن أبي علي بن أبي هريرة أنه قال : لصاحب النخل أن يسقي ويجبر صاحب الثمرة على تمكينه لما فيه من حقوق ملكه ولا خيار ، ثم مؤنة السقي هاهنا على صاحب النخل لاختصاصه بالمنفعة .

                                                                                                                                            والحال الرابعة : أن يكون السقي نافعا للثمرة مضرا بالنخل ، فعلى قول أبي إسحاق المروزي لصاحب الثمر أن يسقي لصلاح ثمرته ، ولصاحب النخل فسخ البيع : لما يلحقه من الإضرار بنخله .

                                                                                                                                            وعلى قول أبي علي بن أبي هريرة له أن يسقي ثمرته جبرا ، ولا خيار لصاحب النخل . فلو اختلفا في قدر السقي لم يرجع فيه إلى واحد منهما ، وسئل أهل الخبرة بالثمرة ، فما ذكروا أنه قدر كفايتها كان على صاحب النخل تمكينه منه دون الزيادة عليه أو التقصير عنه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية