فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا من توجيه الأقاويل انتقل الكلام إلى التفريع عليها ، فإن قلنا بالقول الأول ، إنه يبرأ من كل العيوب ، فإنما يبرأ من كل عيب به كان قبل العقد سواء كان [ ص: 274 ] معلوما ظاهرا أو غير معلوم خفيا ، فأما ، فإنه لا يبرأ منها وللمشتري فسخ البيع بها ، وإنما لم يبرأ منها لحدوثها ، وإن الإبراء لا يصح من الحقوق قبل وجوبها . فلو ما حدث به من العيوب بعد العقد وقبل القبض فقال المشتري : هو حادث بعد العقد وقبل القبض فلي فسخ البيع به . وقال البائع : هو متقدم برئت منه فليس لك الفسخ به . وأمكن ما قالا ، ففيه وجهان من اختلاف أصحابنا في العلة في اختلاف البائع والمشتري في العيب إذا ادعى المشتري تقدم العيب على القبض ليفسخ به البيع ، وادعى البائع حدوثه في يد المشتري ليمنع فسخ البيع ، أن القول قول البائع في حدوث العيب ولا فسخ للمشتري ، لكن اختلف أصحابنا في العلة الموجبة لذلك . اختلفا في العيب
فمنهم من قال : إن العلة فيه أن حدوث العيب يقين وتقدمه شك .
ومنهم من قال : إن العلة فيه أن دعوى المشتري تقتضي الفسخ ودعوى البائع توجب الإمضاء . فعلى قول من علل بأن حدوث العيب يقين وتقدمه شك فكان اليقين أولى أن يجعل القول في هذه المسألة قول المشتري ، ويجعل له الفسخ : لأن دعواه تتضمن حدوث العيب دون تقدمه . وعلى قول من علل بأن ما أوجب الإمضاء أولى مما اقتضى الفسخ فجعل القول في هذه المسألة قول البائع ويمنع المشتري من الفسخ : لأن دعوى البائع تقتضي الإمضاء دون الفسخ .
وإذا قلنا بالقول الثاني : إنه لا يبرأ من شيء من العيوب ، فقد بطل اشتراط البراءة ، فعلى هذا على وجهين : هل يبطل البيع ببطلان الشرط أم لا ؟
أحدهما : وهو قول أبي العباس بن سريج : أن البيع صحيح والشرط باطل : لأن الشرط من توابع المبيع فلم يقدح في صحة البيع .
والثاني : وهو قول جمهور أصحابنا أن البيع باطل لبطلان الشرط : لأنه شرط نافى موجب العقد كسائر الشروط المبطلة للعقد .
وإذا قلنا بالقول الثالث إنه لا يبرأ من عيوب غير الحيوان ويبرأ مما لم يعلمه من عيوب الحيوان فقد اختلف أصحابنا في المراد بما لم يعلمه على وجهين :
أحدهما : أن المراد به ما لم يكن معلوما لخفائه سواء علمه البائع أو لم يعلمه .
والثاني : أن المراد به ما لم يعلمه البائع لجهله به سواء كان ظاهرا أو خفيا . والله تعالى أعلم بالصواب .