فصل : فإذا ثبت أن بيع المرابحة جائز ، فلا بد من فإن لم يخبر بثمنه ، وقال : قد بعتكه بالثمن الذي أبيعه وربح العشرة واحد لم يجز ، وكذا لو قال بما يخرج به الحساب من ثمنه علي وربح العشرة واحد لم يجز : لأنهما لم يعقداه بثمن معلوم وقت العقد ولا بما يصير به الثمن معلوما بعد العقد ، وقد يجوز أن يختلفا في قدر الثمن الذي يذكره بعد العقد ، ولا يرجعان إلى ما ينفي الجهالة عنهما ويمنع من اختلافهما ، فصار العقد باطلا للجهل بالثمن فيه . فإذا ثبت أنه لا بد من ذكر الثمن مع العقد فلا يخلو الإخبار بالثمن مع نفس العقد بعد تحري الصدق فيه ، من ثلاثة أحوال : حال البائع
إما أن يريد الإخبار بالثمن الذي ابتاعه به ، أو يريد الإخبار بالثمن مع مؤنة لزمته عليه ، أو يريد الإخبار بالثمن مع عمله فيه بنفسه .
فإن أراد الإخبار بالثمن وحده ، وكان قدره مائة درهم ، فله الإخبار عنه بإحدى ثلاث عبارات : إما أن يقول : اشتريته بمائة درهم ، أو يقول : رأس مالي فيه مائة درهم ، أو يقول : قام علي بمائة ، فبأي هذه العبارات الثلاث عبر عنه جاز .
وإن أراد الإخبار بثمنه ومؤنة لزمته عليه من صنع أو قصارة أو علوفة ماشية أو أجرة حمولة ، كأن اشتراه بمائة درهم ولزمته مؤنة الصبغ والقصارة عشرة دراهم ، فله أن يخبر عن المبلغ بإحدى العبارات الثلاث : وهو أن يقول : قام علي بمائة درهم وعشرة دراهم ، ولا يجوز أن يقول اشتريته بمائة وعشرة ، ولا أن يقول : قام علي بمائة وعشرة : لأن رأس المال في المبيعات عرفا هو الثمن الذي عقد عليه البيع .
وإن أراد الإخبار بثمنه مع عمله فيه بنفسه ، مثل أن يشتريه بمائة ويقصره بنفسه قصارة قدر أجرتها عشرة . لم يجز أن يخبر عنه بإحدى هذه العبارات الثلاث ، ولا يجوز أن يقول : اشتريته بمائة وعشرة ، ولا رأس مالي فيه مائة وعشرة ، ولا يقول قام علي بمائة وعشرة : لأن عمل الإنسان لنفسه لا يقوم عليه ، وإنما يقوم عليه عمل غيره . ألا ترى أن العامل في المضاربة لو استأجر لحمولة المتاع كان في مال المضاربة ولو حمله بنفسه لم يرجع بأجرته في مال المضاربة . وإذا لم يجز أن يخبر عنه بإحدى هذه العبارات الثلاث ، فليس له إلا أن يقول : اشتريته بمائة وعملت فيه بنفسي عملا يساوي عشرة ، وأربح في كل عشرة واحدا ، فيسلم من الكذب ويصل إلى الغرض .