مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " فإن كان نحاسا أو تبرا أو عرضا غير مأكول ، ولا مشروب ، ولا ذي روح أجبرته على أخذه ، وإن كان مأكولا أو مشروبا فقد يريد أكله ، وشربه جديدا ، وإن كان حيوانا فلا غنى به عن العلف ، أو الرعي ، فلا يجبره على أخذه قبل محله : لأنه يلزمه فيه مؤنة إلى أن ينتهي إلى وقته ، فعلى هذا الباب وقياسه ، وهذا كما قال : ولو جاءه بحقه قبل محله ، لم يخل حاله من أحد أمرين : إما أن يكون حيوانا أو غير حيوان ، فإن كان حيوانا لم يلزمه قبوله قبل أجله لأمرين : أحدهما : ضمان نفسه ، والثاني : مؤونة ضرسه . إذا أسلم في شيء موصوف إلى أجل معروف فجاءه بالسلم على صفته قبل حلول أجله
وإن كان غير حيوان فعلى ضربين أحدهما : أن يكون طعاما رطبا ، إن ترك إلى حلول الأجل فسد أو عتق ، فلا يلزمه قبوله أيضا : لما في تركه إلى حلول الأجل من نقصان القيمة ، وحدوث التغيير .
والضرب الثاني : ألا يكون طعاما رطبا ، فهو على ضربين :
أحدهما : أن يكون متاعا كافيا لإحرازه ومؤونته ، ولإحرازها وحفظها قدر مؤونته ، فلا يلزمه قبول ذلك أيضا : لأن التزام مؤونته إلى حلول أجله يضر به .
والضرب الثاني : أن يكون مما ليس لإحرازه مؤونة ، ولا يحدث بتركه نقص كالحديد والنحاس والفضة والذهب فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون له سوق منتظرة وزيادة سعر متوقعة ، ففيه وجهان :
أحدهما : أن ذلك قصد صحيح وعذر في تأخير قبضه ، فعلى هذا لا يلزمه تعجيل أخذه قبل حلول أجله .
والوجه الثاني : أن هذا المعنى لا يختص بالسلم ، وإنما يختص بالمسلم ، فلم يكن ذلك عذرا في تأخير القبض بل يجبر على تعجيله .
[ ص: 417 ] والضرب الثاني : ألا يكون هناك عذر في تأخيره من انتظار سوق ، ولا غيره ، فهذا يلزمه أن يتعجل قبض سلمه ، فليس له تأخيره إلى حلول الأجل : لأن الأجل حق للمسلم إليه ، فإذا أسقطه بالتعجيل أجبر المسلم مع ارتفاع الأعذار ، وزوال الموانع على القبض لوصوله إلى حقه على صفته وكماله ، فإن أقام على الامتناع من قبضه قبضه القاضي عنه ، ليقع براءة المسلم إليه منه ، ثم يضعه في النائب للمسلم حتى يختار أخذه متى شاء .