الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 425 ] تضمين الأجراء من الإجارة

                                                                                                                                            من كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى

                                                                                                                                            قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " الأجراء كلهم سواء ، وما تلف في أيديهم من غير جنايتهم ففيه واحد من قولين أحدهما الضمان : لأنه أخذ الأجر ، والقول الآخر لا ضمان إلا بالعدوان ( قال المزني ) هذا أولاهما به : لأنه قطع بأن لا ضمان على الحجام يأمره الرجل أن يحجمه ، أو يختن غلامه ، أو يبيطر دابته ، وقد قال الشافعي : إذا ألقوا عن هؤلاء الضمان لزمهم إلقاؤه عن الصناع وقال ما علمت أني سألت واحدا منهم ففرق بينهما منهم . وروي عن عطاء أنه قال : لا ضمان على صانع ، ولا أجير ( قال المزني ) رحمه الله : ولا أعرف أحدا من العلماء ضمن الراعي المنفرد بالأجرة . عندي في القياس مثله ( قال الشافعي ) رحمه الله : وإذا استأجر من يخبز له خبزا معلوما في تنور أو فرن فاحترق ، فإن كان خبزه في حال لا يخبز في مثلها لاستعار التنور ، أو شدة حموه ، أو تركه تركا لا يجوز في مثله ، فهو ضامن وإن كان ما فعل صلاحا لمثله لم يضمن عند من لا يضمن الأجير " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وجملة الأجراء والصناع ضربان : منفرد ومشترك وحكمهما يختلف .

                                                                                                                                            وقول الشافعي : إن الأجراء كلهم سواء ؛ يعني به الأجير المشترك مع اختلاف صنائعهم . فأما الأجير المنفرد فهو الذي يكون عمله في يد مستأجره ؛ كرجل دعا صانعا إلى منزله ليصوغ له حليا ، أو يخيط له ثوبا ، أو يخبز له خبزا ، أو يبيطر له فرسا ، أو يختن له عبدا ، فينفرد الأجير بعمله في منزل المستأجر ، فهذا أجير منفرد سواء حضر المستأجر عمله أو لم يحضر ، وهكذا لو حمل المستأجر ثوبه إلى دكان الأجير ليخيطه أو حمل إليه حليه ليصوغه وهو حاضر ويده على ماله ، فهذا أجير منفرد ، وسواء كان في دكانه عمل لغيره أو لم يكن فهذان النوعان على سواء في حكم الأجير المنفرد ، وأما الأجير المشترك فهو الذي يكون عمله في يد نفسه لمستأجره مع عمله لمستأجر آخر كالقصابين والخياطين في حوانيتهم ، فأما الأجير الذي يكون عمله في يد نفسه منفردا لمستأجر واحد لا يشركه بغيره كصانع أو خياط يعمل في دكانه لرجل واحد ولا يعمل لغيره ومستأجره غائب عن عمله ، فقد اختلف أصحابنا هل يكون حكمه حكم الأجير المنفرد ، أو حكم الأجير المشترك ؟ فحكي عن أبي إسحاق المروزي ، وهو مذهب البصريين : أنه في حكم الأجير المنفرد لاختصاصه بمستأجر واحد

                                                                                                                                            وقال أبو علي بن أبي هريرة ، وهو مذهب البغداديين : إنه في حكم الأجير المشترك لاختصاصه باليد والتصرف دون المستأجر .

                                                                                                                                            [ ص: 426 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية