الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما نكاح المحلل فهو أن يحل ، فالمطلقة ثلاثا إذا نكحت زوجا لتحل به للأول أن لا يطلقها ويتمسك بها فتشترط عليه أنها تنكحه ليحلها للزوج الأول حتى تعود إليه فهذا محظور .

                                                                                                                                            روى سفيان عن عبد الله بن شريك العامري قال سمعت ابن عمر يقول لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المستحل والمستحل له كلاهما وإن كان إلى عشر سنين ، وإن كان إلى عشرين سنة ، وإن كان إلى ثلاثين . روى الليث عن مشرح عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بالتيس المستعار قالوا : بلى . قال : هو المحلل ثم قال لعن الله المحلل والمحلل له فإذا تقرر وحظر هذا الشرط فهو على ضربين :

                                                                                                                                            [ ص: 331 ] أحدهما : أن يتقدم العقد فلا تأثير له في فساد العقد ، لأن ما تقدم العقود من الشروط لا تلزم ، فصار وجود الشرط المتقدم كعدمه ، غير أننا نكرهه ، وهكذا لو أضمره الزوجان ، ولم يشترطاه كرهناه لما قدمناه في النكاح والبيوع ، وإن كل شرط لو نطق به في العقد أفسده فمكروه إضماره وإن لم يفسده .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يصرحا باشتراطه في العقد فهذا على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يشترط عليه في عقد النكاح أن ينكحها على أن يحلها للزوج الأول فهذا الشرط الأول مكروه ، والعقد معه صحيح ، لأنه لم يشترط عليه الفرقة ، وهكذا حكم نكاحه أن يحلها للزوج الأول ، وإن لم يشرط فلم يؤثر فيه الشرط ، فإن أقام الزوج الثاني معها لم يجز أن يؤخذ بطلاقها ، فإن طلقها مختارا أحلها .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يشترط عليه في العقد أن ينكحها على أن يحلها للزوج الأول ، فإذا أحلها فلا نكاح بينهما ، فهذا نكاح فاسد ، لأنه نكاح إلى مدة ، وهذا أفسد من نكاح المتعة ، لأنه إلى مدة مجهولة ، ونكاح المتعة إلى مدة معلومة ، وهل يحلها للزوج الأول إذا أصابها أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في الجديد أنه لا يحلها : لأن فساد العقد قد سلبه حكمه وأجرى عليه حكم الشبهة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو قوله في القديم أنه يحلها للزوج الأول .

                                                                                                                                            واختلف أصحابنا في علة إحلالها له ، فذهب أبو علي بن أبي هريرة وجمهور البغداديين إلى أن العلة فيه أنها موطوءة باسم النكاح ، فعلى هذا يكون حكم الوطء في كل نكاح فاسد كحكمه في نكاح المحلل .

                                                                                                                                            وذهب البصريون إلى أن العلة فيه إطلاق النبي صلى الله عليه وسلم اسم الإحلال عليه في نهيه عنه فعلى هذا يكون حكم الوطء في غيره من المناكح الفاسدة غير محل لها بخلافه لاختصاصه بهذا الاسم دون غيره .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يتزوجها على أنه إذا أحلها للزوج الأول بوطئه طلقها ففي فساد هذا العقد قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه فاسد ، لأنه غير مؤبد ، فأشبه قوله على أنني إذا أحللتك فلا نكاح بيننا ، فعلى هذا ، هل يحلها أم لا ؟ على القولين الماضيين على الجديد لا يحلها ، وعلى القديم يحلها ، وفي العلة وجهان .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه نكاح صحيح ، لأنه نكاح قرن بشرط فاسد فبطل الشرط ، وثبت العقد ، فعلى هذا هو بالخيار بعد إصابتها بين أن يطلقها أو يقيم معها ، وليس [ ص: 332 ] للشرط تأثير في إجباره على طلاقها فإن طلقها مختارا أحلها قولا واحدا لصحة نكاحه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية