الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            فإذا تقرر أنهم لا يتبعون بعد انهزامهم فلا فرق بين المنهزم إلى غير دار يرجع إليها ، وإلى غير إمام يعود إلى طاعته ، وبين المنهزم إلى دار وإمام .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يتبع المنهزم إلى غير دار وإمام ، ويتبع المنهزم إلى دار وإمام ويقتل إن ظفر به ؛ احتجاجا بأن عليا لم يتبع من انهزم من أهل الجمل : لأنهم انهزموا إلى غير دار وإمام ، واتبع من انهزم يوم صفين : لأنهم رجعوا إلى دار وإمام .

                                                                                                                                            حتى روي أنه اتبع مدبرا ليقتله فكشف عن سوأته فكف علي طرفه ، ورجع عنه .

                                                                                                                                            قال : ولأن الانهزام مع بقاء الدار والإمام لا يكون رجوعا عن البغي ، ولا مانعا من العود .

                                                                                                                                            ودليلنا : ما روي عن علي كرم الله وجهه أنه أتي بأسير يوم صفين ، فقال له الأسير : أتقتلني صبرا . فقال : لا إني أخاف الله رب العالمين ، وخلى سبيله . [ ص: 117 ] قال الشافعي : والحرب يومئذ قائمة ، ومعاوية يقاتل جادا في أيامه كلها مستعليا أو منتصفا .

                                                                                                                                            يعني : مستعليا بكثرة جيشه ، أو منتصفا بمساواة الجيش .

                                                                                                                                            وأتي معاوية بأسير يوم صفين فأمر بقتله ، فقال الأسير : والله ما تقتلني لله ولا فيه ، ولكن لحطام هذه الدنيا ، فإن عفوت فصنع الله بك ما هو أهله ، وإن قتلت فصنع الله بك ما أنت أهله . فقال له معاوية : لقد سببت فأحسنت . وخلى سبيله .

                                                                                                                                            ولأن الإمام مأمور بالقتال لا بالقتل ، والمولي غير مقاتل فلم يجز أن يقتل .

                                                                                                                                            ولأن المراد بالقتال الكف ، والمولي كاف فلم يجز أن يتبع .

                                                                                                                                            فأما احتجاجه بندائه يوم الجمل دون صفين فعنه جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه أمر بالنداء في اليومين معا ، أن لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح .

                                                                                                                                            والثاني : أنه - وإن فرق بين اليومين في النداء - فلأن الحرب انجلت يوم الجمل ، فتفرغ للنداء ، وكانت يوم صفين باقية فتشاغل بتدبير الحرب عن النداء .

                                                                                                                                            وأما طلبه للأسير ، فقد كان ذلك عند اختلاط الصفوف وبقاء القتال .

                                                                                                                                            واحتجاجهم بجواز عوده فلا معنى لتعليق الحكم بعلة لم تكن ، ويجوز أن لا تكون . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية