الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ولو أن قوما أظهروا رأي الخوارج وتجنبوا الجماعات وأكفروهم لم يحل بذلك قتالهم . بلغنا أن عليا رضي الله عنه سمع رجلا يقول : لا حكم إلا لله في ناحية المسجد ، فقال علي رضي الله عنه : كلمة حق أريد بها باطل ، لكم علينا ثلاث : لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ، ولا نبدؤكم بقتال " . قال الماوردي : أما الخوارج ، فهم الخارجون عن الجماعة بمذهب ابتدعوه ورأي اعتقدوه ، يرون أن من ارتكب إحدى الكبائر كفر وحبط عمله ، واستحق الخلود في النار ، وأن دار الإسلام صارت بظهور الكبائر فيها دار كفر وإباحة ، وأن من تولاهم وجرى على حكمهم فكذلك .

                                                                                                                                            فاعتزلوا الجماعة وأكفروهم ، وامتنعوا من الصلاة خلف أحد منهم ، وسموا شراة ، واختلف في تسميتهم على وجهين :

                                                                                                                                            [ ص: 118 ] أحدهما : أنه تسمية ذم ، سماهم به أهل العدل : لأنهم شروا على المسلمين وحاربوا جماعتهم . والثاني : أنه تسمية حمد ، سموا بها أنفسهم : لأنهم شروا الدنيا بالآخرة ، أي : باعوها .

                                                                                                                                            فإذا اعتقد قوم رأي الخوارج وظهر معتقدهم على ألسنتهم ، وهم بين أهل العدل غير منابذين لهم ولا متجرئين عليهم ، تركوا على حالهم ، ولم يجز قتلهم ولا قتالهم ، ولم يؤخذوا جبرا بالانتقال عن مذهبهم ، والرجوع عن تأويلهم ، وعدل إلى مناظرتهم وإبطال شبهتهم بالحجج والبراهين ، وإن كانوا عليها مقرين .

                                                                                                                                            فقد أقرهم علي بن أبي طالب عليه السلام قبل أن يعتزلوه ، وسمع قائلهم يقول : لا حكم إلا لله تعريضا به في تحكيمه يوم صفين .

                                                                                                                                            فقال علي : كلمة حق أريد بها باطل . وهذا أحسن جواب لمن عرض بمثل هذا القول . ثم قال : لكم علينا ثلاث : لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا ، ولا نبدؤكم بقتال .

                                                                                                                                            فجعل هذه الأحكام فيهم كهي في أهل العدل ، واقتضى في ذلك سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين في كفه عنهم مع علمه بمعتقدهم : لتظاهرهم بطاعته مع استبطان معصيته .

                                                                                                                                            فإن صرح الخوارج بسب الإمام ، وسب أهل العدل ، عزروا للأذى وذبا عن منصب الإمامة .

                                                                                                                                            وإن عرضوا به من غير تصريح ، ففي تعزيرهم وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يعزرون : لأن عليا لم يعزر من عرض ، لفرق ما بين التعريض والتصريح .

                                                                                                                                            والثاني : أنهم يعزرون : لأن الإقرار على التعريض مفض إلى التصريح ، فكان التعزير حاسما لما بعده من التصريح .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية