مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن كانوا أهل ذمة ، فقد قيل : ليس هذا نقضا للعهد . قال : وأرى إن كانوا مكرهين أو ذكروا جهالة ، فقالوا : كنا نرى إذا حملتنا طائفة من المسلمين على أخرى أن دمها يحل كقطاع الطريق ، أو لم نعلم أن من حملونا على قتاله مسلم ، لم يكن هذا نقضا للعهد ، وأخذوا بكل ما أصابوا من دم ومال ، وذلك أنهم ليسوا بمؤمنين الذين أمر الله بالإصلاح بينهم " .
قال الماوردي : إذا ، فإن كانوا مكرهين : لم تنتقض ذمتهم . استعان أهل البغي على قتالنا بأهل الذمة ، وأصحاب الجزية
وإن كانوا مختارين : فإن ادعوا جهالة ، وقالوا : ظننا أن معونتنا لبعضكم على بعض جائزة ، كما نعينكم على قطاع الطريق ، قبل منهم دعوى الجهالة ، ولم تنقض ذمتهم ، وإن لم يقبل من أهل العهد وانتقض به عهدهم . والفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن عقد الذمة حق لهم علينا ، وعهد الأمان حق لنا عليهم : لأن من سأل الأمان لم يلزم إجابته ، ومن بذل الجزية لزمت إجابته .
والثاني : أن لنا مع خوف الخيانة أن ننقض أمان أهل العهد ، وليس لنا مع خوفها أن ننقض أمان أهل الذمة حتى نتيقنها ، فافترقا .
وإن لم يدعوا الجهالة ، لم يخل عقد ذمتهم من أحد أمرين :
أحدهما : أن يشترط فيه عليهم أن لا يعينوا على مسلم بقتل ولا قتال ، فيكون ما خالف هذا الشرط من قتالهم لأهل العدل نقضا لأمانهم .
والثاني : أن يكون عقد ذمتهم مطلقا ، لم يشترط ذلك فيه ، ففي انتقاض ذمتهم قولان :
أحدهما : قد انتقضت بالقتال ذمتهم كما انتقض به أمان أهل العهد .
فعلى هذا : يجوز قتلهم وقتالهم مقبلين ومدبرين ، كما ذكرنا في أهل العهد .
والقول الثاني : لا تنتقض به ذمتهم وإن انتقض به أمان أهل العهد : لقوة الذمة على العهد من وجهين : [ ص: 127 ] أحدهما : أن الذمة مؤبدة والعهد مقدر بمدة .
والثاني : أن الذمة توجب أن نكف عنهم أنفسنا وغيرنا ، والعهد لا يوجب أن نكف عنهم غيرنا ، مع ما قدمناه من الفرق بينهما من الوجهين المتقدمين .
فعلى هذا : يجب علينا أن نقاتلهم مقبلين ونكف عنهم مدبرين كأهل البغي ، لكن ما أصابوه من دم أو مال يؤخذون بغرمه قولا واحدا ، وإن لم يؤخذ أهل البغي بغرمه في أحد القولين : لأن قتال أهل البغي بتأويل ، وقتال أهل الذمة بغير تأويل .