الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ومن ولد للمرتدين في الردة لم يسب : لأن آباءهم لم يسبوا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد مضى الكلام في أولاد المرتدين قبل الردة .

                                                                                                                                            فأما أولادهم بعد الردة : وهم المولودون لهم بعد ستة أشهر فصاعدا من ردتهم .

                                                                                                                                            فإن كان أحد أبويهم مسلما : فهم مسلمون لا تجري عليهم أحكام الردة ، وكانوا كالمولودين قبل الإسلام على ما قدمناه .

                                                                                                                                            [ ص: 171 ] وإن كان أبواهم مرتدين ، لم يجر عليهم حكم الإسلام بأنفسهم ولا بغيرهم ، ففيها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : - وهو الأصح المنصوص عليه في هذا الموضع - أنه يجري عليهم حكم الردة : إلحاقا بآبائهم ، فلا يجوز سبيهم ولا استرقاقهم كآبائهم .

                                                                                                                                            لكن لا يقتلون إلا بعد بلوغهم وامتناعهم من التوبة .

                                                                                                                                            فإن ماتوا قبل البلوغ لم يصل عليهم ، ولم يورثوا ، وكان مالهم فيئا .

                                                                                                                                            فيكونوا على هذا القول موافقين للمولودين قبل الردة من وجه : وهو أنهم لا يسبون ولا يسترقون . ومخالفين لهم من وجه : وهو أنه يجري عليهم حكم الردة قبل بلوغهم ، ويجري على المولودين حكم الإسلام قبل بلوغهم .

                                                                                                                                            القول الثاني : أنهم مخالفون لآبائهم ، فيكونوا كفارا لم يثبت لهم حرمة الإسلام : لأن آباءهم وصفوا الإسلام فثبتت فيهم حرمته ، وهؤلاء لم يولدوا في إسلام آبائهم ولا وصفوه بأنفسهم ، فانتفت عنهم حرمة الإسلام بهم وبآبائهم .

                                                                                                                                            فعلى هذا : يجوز سبيهم واسترقاقهم كأولاد أهل الحرب ، لكن لا يجوز أن يقروا بعد الاسترقاق على كفرهم : لدخولهم في الكفر بعد نزول القرآن .

                                                                                                                                            ومن أسر منهم بعد البلوغ ، كان الإمام على خياره فيهم كأهل الحرب بين أربعة أشياء : قتل أو استرقاق أو فدا أو من .

                                                                                                                                            فيكونوا مخالفين للمولودين قبل الردة من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لا يجري عليهم حكم الإسلام قبل بلوغهم ، وإن جرى حكمه على المولود قبل الردة .

                                                                                                                                            والثاني : أنه يجوز سبيهم واسترقاقهم ، وإن لم يجز ذلك في المولود قبل الردة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية