[ ص: 152 ] باب جامع السير
قال
الشافعي : " الحكم في المشركين حكمان : فمن كان منهم
nindex.php?page=treesubj&link=7922أهل أوثان ، أو من عبد ما استحسن من غير أهل الكتاب ، لم تؤخذ منهم الجزية ، وقوتلوا حتى يقتلوا أو يسلموا : لقول الله تبارك وتعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925010أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله .
قال
الماوردي : وهذه المسألة من كتاب الجزية وإنما قدمها
المزني في الجهاد لتعلقها بأحكامه ، والمشرالكون ثلاثة أصناف :
أحدها : أهل كتاب .
والثاني : من لهم شبهة كتاب .
والثالث : من ليس بأهل كتاب ، ولا لهم شبهة كتاب .
فإن قيل : فلم جعلهم
الشافعي صنفين وهم أكثر ؟ فعنه جوابان :
أحدهما : أنهم في حكم الجزية صنفان ، وإن كانوا في غيرها من الأحكام أكثر .
والثاني : لأن الذين جاهدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا على عهده صنفين .
فإن قيل : فلم أدخل
أهل الكتاب في المشركين ، وأطلق عليهم اسم الشرك وقد منع غيره من الفقهاء إطلاق اسم الشرك عليهم : لأنه ينطلق على من جعل لله شريكا معبودا ؟ فعنه جوابان :
أحدهما : لأن فيهم من جعل لله ولدا وفيهم من جعله ثالث ثلاثة .
والثاني : لأنهم لما أنكروا معجزات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأضافوها إلى غيره جعلوا له شريكا فيها ، فلم يمتنع لهذين أن ينطلق عليهم اسم الشرك .
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=8667أهل الكتاب فصنفان :
أحدهما :
اليهود ومن تبعهم من
السامرة وكتابهم التوراة .
والثاني :
النصارى ومن تبعهم من
الصابئين وكتابهم الإنجيل ، فهو لا يجوز أخذ
[ ص: 153 ] الجزية منهم إن بذلوها مع أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم ، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=8668من ليس بأهل كتاب ولهم شبهة كتاب فهم المجوس : لأن وقوع الشك في كتابهم أجرى عليهم حكمه في حقن دمائهم ، فيجوز أن تؤخذ منهم الجزية ، ولا يجوز أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم على الصحيح في المذهب وسيأتي شرحه .
وأما من ليس بأهل كتاب ولا لهم شبهة كتاب فهم أهل الأوثان ومن عبد ما استحسن من الشمس والنار ، فلا يجوز أن تقبل جزيتهم ، ولا تؤكل ذبائحهم ، ولا تنكح نساؤهم ، سواء كانوا عربا أو عجما ، ويقاتلوا حتى يسلموا أو يقتلوا .
وقال
مالك : تقبل جزيتهم إلا أن يكونوا من
قريش ، فلا يقبل منهم إلا الإسلام .
وقال
أبو حنيفة : تقبل جزيتهم إلا إن كانوا عجما ، ولا تقبل جزيتهم إن كانوا عربا حتى يسلموا ، احتجاجا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925011ألا أدلكم على كلمة تدين لكم بها العرب ، وتؤدي الجزية إليكم بها العجم ؟ شهادة أن لا إله إلا الله فعم بالجزية جميع العجم ما عم بالدين جميع العرب ، فدل على افتراقهما في حكم الجزية .
وروى
سليمان بن بريدة ، عن أبيه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925012كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أميرا على سرية أوصاه بتقوى الله في خاصة نفسه وبمن معه من المسلمين خيرا وقال : إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى خصال ثلاث ، فإلى أيتهن أجابوك فاقبل منهم ، وكف عنهم : ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ، وهذا نص في
nindex.php?page=treesubj&link=8668_8670_8672_8675أخذ الجزية من المشركين من غير أهل الكتاب : ولأن من جاز استرقاق نسائهم جاز أخذ الجزية من رجالهم
كأهل الكتاب ، ولأن الجزية ذل وصغار ، فإذا جرت على
أهل الكتاب وهم أفضل ، كان إجراؤها على من دونهم من عبدة الأوثان أولى .
ودليلنا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم [ التوبة : 15 ] . فكان الأمر بقتلهم حتى يسلموا عاما ، وخص منهم
أهل الكتاب بقبول الجزية ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر إلى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد [ التوبة : 29 ] . فكان الدليل في هذا من وجهين :
أحدهما : أن استثناء
أهل الكتاب منهم يقتضي خروج غيرهم من استثنائهم ، ودخولهم في عموم الأمر .
[ ص: 154 ] والثاني : أنه جعل قبول الجزية مشروطا بالكتاب ، فاقتضى انتفاؤها عن غير
أهل الكتاب .
وروى
أبو صالح ، عن
أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925013أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم . فكان على عمومه ، إلا ما خصه دليل ، ولأن
عمر - رضي الله عنه - امتنع من
nindex.php?page=treesubj&link=8668أخذ الجزية من المجوس لشكه فيهم أنهم من
أهل الكتاب ، حتى أخبره
عبد الرحمن بن عوف nindex.php?page=hadith&LINKID=925014أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر وقال : سنوا بهم سنة أهل الكتاب .
وقال رجل
لعلي بن أبي طالب - عليه السلام - : " عجبت من أخذ الجزية من
المجوس ، وليس لهم كتاب ؟ فقال
علي : كيف تعجب وقد كان لهم كتاب فبدلوا ، فأسرى به ، فدل ذلك على إجماع الصحابة على أنها لا تؤخذ من غير
أهل الكتاب ، ولأن كل مشرك لم تثبت له حرمة الكتاب لم يجز قبول جزيته كالعرب ، ولأن كل ما منع الشرك منه في العرب منع منه العجم كالمناكح والذبائح .
فأما الجواب عن الحديث الأول فمن وجهين :
أحدهما : أنه ضعيف ، نقله أهل المغازي ولم ينقله أصحاب الحديث .
والثاني : حمله على
أهل الكتاب بدليلنا .
وأما الجواب عن الحديث الثاني فمن وجهين :
أحدهما : أن أكثر السرايا كانت إلى
أهل الكتاب .
والثاني : حمله بأدلتنا على
أهل الكتاب .
وأما الجواب عن قياسهم على
أهل الكتاب ، فالمعني فيهم ما ثبت لهم من حرمة كتابهم ، وأنهم كانوا على حق في اتباعه ، وهذا معدوم في غيرهم من عبدة الأوثان ، وقولهم : إنها صغار فكانت بعبدة الأوثان أحق .
[ ص: 152 ] بَابُ جَامِعِ السِّيَرِ
قَالَ
الشَّافِعِيُّ : " الْحُكْمُ فِي الْمُشْرِكِينَ حُكْمَانِ : فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=7922أَهْلَ أَوْثَانٍ ، أَوْ مَنْ عَبَدَ مَا اسْتَحْسَنَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ ، وَقُوتِلُوا حَتَّى يُقتَلُوا أَوْ يُسْلِمُوا : لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925010أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ كِتَابِ الْجِزْيَةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَهَا
الْمُزَنِيُّ فِي الْجِهَادِ لِتَعَلُّقِهَا بِأَحْكَامِهِ ، وَالْمُشْرِالكُونَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ :
أَحَدُهَا : أَهْلُ كِتَابٍ .
وَالثَّانِي : مَنْ لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ .
وَالثَّالِثُ : مَنْ لَيْسَ بِأَهْلِ كِتَابٍ ، وَلَا لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ .
فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ جَعَلَهُمُ
الشَّافِعِيُّ صِنْفَيْنِ وَهُمْ أَكْثَرُ ؟ فَعَنْهُ جَوَابَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُمْ فِي حُكْمِ الْجِزْيَةِ صِنْفَانِ ، وَإِنْ كَانُوا فِي غَيْرِهَا مِنَ الْأَحْكَامِ أَكْثَرَ .
وَالثَّانِي : لِأَنَّ الَّذِينَ جَاهَدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا عَلَى عَهْدِهِ صِنْفَيْنِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ أَدْخَلَ
أَهْلَ الْكِتَابِ فِي الْمُشْرِكِينَ ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِمُ اسْمَ الشِّرْكِ وَقَدْ مَنَعَ غَيْرُهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِطْلَاقَ اسْمِ الشِّرْكِ عَلَيْهِمْ : لِأَنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَى مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ شَرِيكًا مَعْبُودًا ؟ فَعَنْهُ جَوَابَانِ :
أَحَدُهُمَا : لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ وَلَدًا وَفِيهِمْ مَنْ جَعَلَهُ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ .
وَالثَّانِي : لِأَنَّهُمْ لَمَّا أَنْكَرُوا مُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَضَافُوهَا إِلَى غَيْرِهِ جَعَلُوا لَهُ شَرِيكًا فِيهَا ، فَلَمْ يَمْتَنِعْ لِهَذَيْنَ أَنْ يَنْطَلِقَ عَلَيْهِمُ اسْمُ الشِّرْكِ .
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=8667أَهْلُ الْكِتَابِ فَصِنْفَانِ :
أَحَدُهُمَا :
الْيَهُودُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ
السَّامِرَةِ وَكِتَابُهُمُ التَّوْرَاةُ .
وَالثَّانِي :
النَّصَارَى وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ
الصَّابِئِينَ وَكِتَابُهُمُ الْإِنْجِيلُ ، فَهُوَ لَا يُجَوِّزُ أَخْذَ
[ ص: 153 ] الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ إِنْ بَذَلُوهَا مَعَ أَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ وَنِكَاحِ نِسَائِهِمْ ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=8668مَنْ لَيْسَ بِأَهْلِ كِتَابٍ وَلَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ فَهُمُ الْمَجُوسُ : لِأَنَّ وُقُوعَ الشَّكِّ فِي كِتَابِهِمْ أَجْرَى عَلَيْهِمْ حُكْمَهُ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ ، فَيَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ ، وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ وَلَا نِكَاحُ نِسَائِهِمْ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَذْهَبِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ .
وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِأَهْلِ كِتَابٍ وَلَا لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ فَهُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَمَنْ عَبَدَ مَا اسْتَحْسَنَ مِنَ الشَّمْسِ وَالنَّارِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُقْبَلَ جِزْيَتُهُمْ ، وَلَا تُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ ، وَلَا تُنْكَحَ نِسَاؤُهُمْ ، سَوَاءٌ كَانُوا عَرَبًا أَوْ عَجَمًا ، وَيُقَاتَلُوا حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُقْتَلُوا .
وَقَالَ
مَالِكٌ : تُقْبَلُ جِزْيَتُهُمْ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا مِنْ
قُرَيْشٍ ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامُ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : تُقْبَلُ جِزْيَتُهُمْ إِلَّا إِنْ كَانُوا عَجَمًا ، وَلَا تُقْبَلُ جِزْيَتُهُمْ إِنْ كَانُوا عَرَبًا حَتَّى يُسْلِمُوا ، احْتِجَاجًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925011أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَلِمَةٍ تَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَرَبُ ، وَتُؤَدِّي الْجِزْيَةَ إِلَيْكُمْ بِهَا الْعَجَمُ ؟ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَعَمَّ بِالْجِزْيَةِ جَمِيعَ الْعَجَمِ مَا عَمَّ بِالدِّينِ جَمِيعَ الْعَرَبِ ، فَدَلَّ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا فِي حُكْمِ الْجِزْيَةِ .
وَرَوَى
سُلَيْمَانُ بْنُ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925012كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا وَقَالَ : إِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى إِحْدَى خِصِالٍ ثَلَاثٍ ، فَإِلَى أَيَّتِهِنَّ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ ، وَكُفَّ عَنْهُمْ : ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ، فَإِنْ أَبَوْا فَادْعُهُمْ إِلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلَ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ ، وَهَذَا نَصٌّ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=8668_8670_8672_8675أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ : وَلِأَنَّ مَنْ جَازَ اسْتِرْقَاقُ نِسَائِهِمْ جَازَ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ رِجَالِهِمْ
كَأَهْلِ الْكِتَابِ ، وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ ذُلٌّ وَصَغَارٌ ، فَإِذَا جَرَتْ عَلَى
أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمْ أَفْضَلُ ، كَانَ إِجْرَاؤُهَا عَلَى مَنْ دُونَهُمْ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ أَوْلَى .
وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [ التَّوْبَةِ : 15 ] . فَكَانَ الْأَمْرُ بِقَتْلِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا عَامًّا ، وَخَصَّ مِنْهُمْ
أَهْلَ الْكِتَابِ بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ [ التَّوْبَةِ : 29 ] . فَكَانَ الدَّلِيلُ فِي هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ اسْتِثْنَاءَ
أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ يَقْتَضِي خُرُوجَ غَيْرِهِمْ مِنَ اسْتِثْنَائِهِمْ ، وَدُخُولَهُمْ فِي عُمُومِ الْأَمْرِ .
[ ص: 154 ] وَالثَّانِي : أَنَّهُ جَعَلَ قَبُولَ الْجِزْيَةِ مَشْرُوطًا بِالْكِتَابِ ، فَاقْتَضَى انْتِفَاؤُهَا عَنْ غَيْرِ
أَهْلِ الْكِتَابِ .
وَرَوَى
أَبُو صَالِحٍ ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925013أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ . فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ ، إِلَّا مَا خَصَّهُ دَلِيلٌ ، وَلِأَنَّ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - امْتَنَعَ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=8668أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ لِشَكِّهِ فِيهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ ، حَتَّى أَخْبَرَهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=925014أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَقَالَ : سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ .
وَقَالَ رَجُلٌ
لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : " عَجِبْتُ مِنْ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ
الْمَجُوسِ ، وَلَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ ؟ فَقَالَ
عَلِيٌّ : كَيْفَ تَعْجَبُ وَقَدْ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ فَبَدَّلُوا ، فَأُسْرَى بِهِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ
أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مُشْرِكٍ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ حُرْمَةُ الْكِتَابِ لَمْ يَجُزْ قَبُولُ جِزْيَتِهِ كَالْعَرَبِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا مَنَعَ الشِّرْكُ مِنْهُ فِي الْعَرَبِ مُنِعَ مِنْهُ الْعَجَمُ كَالْمَنَاكِحِ وَالذَّبَائِحِ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ ضَعِيفٌ ، نَقَلَهُ أَهْلُ الْمَغَازِي وَلَمْ يَنْقُلْهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ .
وَالثَّانِي : حَمْلُهُ عَلَى
أَهْلِ الْكِتَابِ بِدَلِيلِنَا .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْحَدِيثِ الثَّانِي فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ أَكْثَرَ السَّرَايَا كَانَتْ إِلَى
أَهْلِ الْكِتَابِ .
وَالثَّانِي : حَمْلُهُ بِأَدِلَّتِنَا عَلَى
أَهْلِ الْكِتَابِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى
أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَالْمَعْنِيُّ فِيهِمْ مَا ثَبَتَ لَهُمْ مِنْ حُرْمَةِ كِتَابِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى حَقٍّ فِي اتِّبَاعِهِ ، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي غَيْرِهِمْ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ، وَقَوْلُهُمْ : إِنَّهَا صَغَارٌ فَكَانَتْ بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ أَحَقَّ .