الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا صح ما ذكرنا : فصورة مسألتنا في علج اشترط أن يدل المسلمين علـى قلعة على أن يعطوه جارية منها سماها : فدلهم عليها ، فهذا شرط صحيح تصح به الجعالة مع الجهالة لما قدمناه ، ولا يخلو حال القلعة بعد الوصول إليها من أن يظفر المسلمون بفتحها ، أو لا يظفروا ، فإن لم يظفروا بفتحها فلا شيء للدليل : لأنه لما شرط جارية منها صارت جعالته مستحقة بشرطين : الدلالة ، والفتح ، فلم يستحقها بأحد الشرطين ، ولو جعل شرطه في الجعالة شيئا في غير القلعة استحقه بالدلالة ، وإن تعذر فتحها : لأنها معلقة بشرط واحد وهو الدلالة وقد وجدت ، وإن ظفروا بالقلعة وفتحوها فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يظفروا بفتحها عنوة ، حال الجارية فيها من أحد أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن لا تكون من أهل القلعة ، ولا فيها فلا شيء للدليل لاشتراط معدوم ، ويستحب لو أعطي رضخا ، وإن لم يستحقه ، فلو وجدت الجارية في غير القلعة نظر ، فإن كانت من أهل القلعة كان كوجودها في القلعة فيستحقها الدليل على ما سنذكره ، وإن كانت من غير أهل القلعة فلا حق للدليل فيها : لأنه اشترط جارية من القلعة ، وليست هذه منها ولا من أهلها .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن تكون الجارية موجودة في القلعة باقية على شركها ، فيستحقها الدليل ، ولا حق فيه للغانمين ، ولا يعاوضهم الإمام عنها لاستحقاقها قبل الفتح ، فصارت كأموال من أسلم قبل الفتح .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن تكون الجارية موجودة في القلعة ، وقد أسلمت ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون إسلامها قبل القدرة عليها فهي حرة ، ولا يجوز استرقاقها فلا يستحقها الدليل ، لمنع الشرع منها ويستحق قيمتها : لأن شرعنا منعه منها ، فلذلك وجب أن يعاوض عنها بقيمتها ، وسواء كان الدليل مسلما أو كافرا .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون إسلامها بعد القدرة عليها ، فهي مسترقة لا يرتفع رقها بالإسلام وللدليل حالتان .

                                                                                                                                            إحداهما : أن يكون مسلما فيستحق الجارية .

                                                                                                                                            [ ص: 204 ] والحال الثانية : أن يكون كافرا ففيه قولان ، بناء على اختلاف قوليه في الكافر إذا ابتاع عبدا مسلما :

                                                                                                                                            فأحد قوليه : إن البيع باطل فعلى هذا لا يستحق الجارية ، وتدفع إليه قيمتها ، فإن أسلم من بعد لم يستحقها لانتقال حقه منها إلى قيمتها .

                                                                                                                                            والقول الثاني : إن البيع صحيح ، ويمنع من إقراره على ملكه ، فعلى هذا يستحق الدليل الجارية وإن كان كافرا ، ويمنع منها ، حتى يبيعها ، أو يسلم فيستحقها ، فإن لم يفعل أحد هذه الثلاث بيعت عليه جبرا ودفع إليه ثمنها .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن توجد الجارية في القلعة ميتة فقد ذكر الشافعي هاهنا كلاما محتملا في غرم القيمة له خرجه أصحابنا على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : له قيمتها كما لو أسلمت : لأنه ممنوع منها في الحالين .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا قيمة له : لأن الميتة غير مقدور عليها فصار كما لو لم تكن فيها ، وخالفت التي أسلمت لمنع الشرع منها مع القدرة على تسليمها ، وعندي أن الأولى من إطلاق هذين القولين أن ينظر ، فإن كان موتها بعد القدرة على تسليمها استحق قيمتها ، وإن كان قبل القدرة على تسلمها فلا قيمة له ، ويجوز أن يكون إطلاق الشافعي محمولا على هذا التفصيل ، فهذا حكم فتح القلعة عنوة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية