الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو أن علجا دل مسلمين على قلعة على أن له جارية سماها ، فلما انتهوا إليها ، صالح صاحب القلعة على أن يفتحها لهم ويخلوا بينه وبين أهله [ ص: 202 ] ففعل فإذا أهله تلك الجارية ، فأرى أن يقال للدليل : إن رضيت العوض عوضناك بقيمتها ، وإن أبيت قيل لصاحب القلعة أعطيناك ما صالحنا عليه غيرك بجهالة ، فإن سلمتها عوضناك ، وإن لم تفعل نبذنا إليك وقاتلناك ، فإن كانت أسلمت قبل الظفر أو ماتت عوض ، ولا يبين ذلك في الموت كما يبين إذا أسلمت " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأصل هذا أنه يجوز للإمام ووالي الجهاد أن يبذل في مصالح المسلمين وما يفضي إلى ظفرهم بالمشركين ما يراه من أموالهم وأموال المشركين ، لقيامه بوجوه المصالح ، وذلك بأن يقول : من دلنا على أقرب الطرق ، أو من أوصلنا إلى قلعة ، أو أرشدنا إلى مغنم ، أو أظفرنا بأسباب الفتح من احتلال مضيق وشعب حصون ، أو كان عينا لنا عليهم ونقل أخبارهم ، فله كذا وكذا فهذه جعالة يصح عقدها لمن أجاب إليها من مسلم ومشرك ، لعودها بنفع للجاعل والمستجعل ، ويجوز أن يكون العوض فيها من أموال المسلمين ، ومن أموال المشركين ، فإن كانت من أموال المسلمين لم يصح إلا أن يكون العوض معلوما ، إما معينا ، أو في الذمة : فالمعين أن يقول : فله هذا العبد ، وفي الذمة أن يقول : فله مائة دينار ، فإن كان مجهولا لم يصح : لأن ما أمكن نفي الجعالة عنه منعت الجهالة من صحته كسائر العقود ، وإن كان العوض من أموال المشركين صحت الجعالة ، وإن كان العوض فيها مجهولا وبما ليس في الحال مملوكا : فتكون الجعالة بأموالهم مخالفة للجعالة بأموال المسلمين من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : جوازها مجهول .

                                                                                                                                            والثاني : جوازها بغير مملوك .

                                                                                                                                            ودليله ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صالح بني النضير على أن يأخذوا ما تستوقره الإبل إلا المال والسلاح ، وهذا مجهول وغير مملوك .

                                                                                                                                            وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل في البدأة الربع ، وفي الرجعة الثلث ، وذلك من غنيمة مجهولة وغير مملوكة .

                                                                                                                                            وروى عدي بن حاتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب ، وأنتم ستفتحونها ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ، هب لي بنت بقيلة . فقال : هي لك ، فلما فتحها أصحابه أعطوه الجارية ، فقال أبوها أتبيعها ، فقال : نعم بألف فأعطاه الألف فقيل له لو طلبت ثلاثين ألفا أعطاك ، فقال : وهل عدد أكثر من ألف .

                                                                                                                                            [ ص: 203 ] وروي أن أبا موسى الأشعري حاصر مدينة السوس ، فصالحه دهقانها على أن يفتح له المدينة ، ويؤمن مائة رجل من أهلها ، فقال أبو موسى : إني لأرجو أن يخـدعه الله عن نفسه ، فلما عزلهم قال له أبو موسى : أفرغت ؟ قال : نعم ، فأمنهم أبو موسى ، وقال : الله أكبر ، وأمر بقتل الدهقان قال : أتغدر بي وقد أمنتني ؟ قال : أمنت العدة الذين سميت ، ولم تسم نفسك فنادى بالويل وبذل مالا كثيرا ، فلم يقبل منه وقتله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية