[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب أدب القاضي
[ القول في حكم القضاء ] .
nindex.php?page=treesubj&link=15032الأصل في وجوب القضاء وتنفيذ الحكم بين الخصوم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع الأمم عليه .
الدليل من الكتاب :
قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله [ ص : 26 ] . الآية .
أما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26إنا جعلناك خليفة في الأرض ففيه وجهان :
أحدهما : خليفة لنا ، وتكون الخلافة هي النبوة .
والثاني : خليفة لمن تقدمك فيها ، وتكون الخلافة هي الملك .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26فاحكم بين الناس بالحق وفيما أخذ منه الحكم وجهان :
أحدهما : أنه مأخوذ من الحكمة التي توجب وضع الشيء في موضعه .
والثاني : أنه مأخوذ من إحكام الشيء ومنه حكمة اللجام لما فيه من الإلزام .
وفي قوله : بالحق وجهان :
أحدهما : بالعدل .
والثاني : الحق الذي ألزمك الله .
وفي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26ولا تتبع الهوى ، وجهـان :
أحدهما : الميل مع من يهواه .
والثاني : أن تحكم بما تهواه .
وفي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26فيضلك عن سبيل الله وجهان :
أحدهما : عن دين الله .
والثاني : عن طاعة الله .
وفي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26بما نسوا يوم الحساب وجهان :
[ ص: 4 ] أحدهما : بما تركوا من العمل ليوم الحساب .
والثاني : بما أعرضوا عن يوم الحساب .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=78وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم [ الأنبياء : 78 ] . قال
قتادة : النفش : رعي الليل ، والهمل : رعي النهار .
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=78وكنا لحكمهم شاهدين وكان الحكم في غنم رعت كرم آخر ، وقيل زرعه ، فحكم
داود بالغنم لصاحب الكرم أو الزرع ، وحكم
سليمان بأن تدفع الغنم إلى صاحب الكرم لينتفع بدرها ونسلها ويدفع الكرم إلى صاحب الغنم ليعمره حتى يعود إلى حالته ثم يرد الكرم ويسترجع الغنم . -
فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=79ففهمناها سليمان فكان حكم الله تعالى فيما قضاه
سليمان ، فرجع
داود عن حكمه إلى حكم
سليمان - عليهما السلام - .
فإن قيل فكيف نقض
داود حكمه باجتهاد
سليمان ؟ فعنه جوابان :
أحدهما : أن
داود كان قد أفتى بهذا الحكم ولم ينفذه فلذلك رجع عنه .
الثاني : أنه يجوز أن يكون حكم
سليمان عن وحي فيكون نصا يبطل به الاجتهاد .
ثم
nindex.php?page=treesubj&link=29009قال تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=79وكلا آتينا حكما وعلما فيه وجهان :
أحدهما : أنه آتى كل واحد منهما من الحكم والعلم مثل ما آتاه للآخر .
والثاني : أنه آتى كل واحد منهما من الحكم والعلم غير ما آتاه للآخر .
وفي المراد بالحكم والعلم وجهان :
أحدهما : أن الحكم الاجتهاد والعلم النص .
والثاني : أن الحكم : القضاء والعلم : الفتيا .
قال
الحسن البصري : لولا هذه الآية لرأيت الحكام قد هلكوا لكن الله تعالى عذر هذا باجتهاده وأثنى على هذا بصوابه .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [ النساء : 65 ] .
قال
عبد الله وعروة ابنا
الزبير بن العوام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925451نزلت هذه الآية في الزبير ورجل من الأنصار قد شهد بدرا ، وقيل إنه حاطب بن أبي بلتعة ، تخاصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شراج الحرة كانا يسقيان به نخلا لهما فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك " فغضب الأنصاري وقال إن كان ابن عمتك ؟ ! فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى [ ص: 5 ] عرف أنه قد ساءه ثم قال : " يا زبير احبس الماء إلى الجدر أو إلى الكعبين ثم خل سبيل الماء " فنزل قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فلا وربك لا يؤمنون أي لا يعلمون بما يوجبه الإيمان
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65حتى يحكموك أي يرجعوا إلى حكمك
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فيما شجر بينهم ، أي فيما تنازعوا فيه .
وسميت المنازعة مشاجرة لتداخل كلامهما كتداخل الشجر الملتف .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت فيه وجهان
أحدهما : شكا ، قاله
مجاهد .
والثاني : إنما قاله
الضحاك :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65ويسلموا تسليما يحتمل وجهين :
أحدهما : يسلموا ما تنازعوا فيه لحكمك .
والثاني : يستسلموا إليك تسليما لأمرك .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل [ النساء : 58 ] .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم [ المائدة : 49 ] .
وأما السنة :
فروى
بشر بن سعيد عن
أبي قيس عن
عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925452وإذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر " ورواه
أبو سلمة عن
أبي هريرة .
فجعل له في الإصابة أجرين هما على الاجتهاد والآخر على الإصابة ، وجعل له في الخطأ أجرا واحدا على الاجتهاد دون الخطأ .
وروى
أبو هاشم عن
ابن بريدة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925453nindex.php?page=treesubj&link=20230القضاة ثلاثة : اثنان في النار وواحد في الجنة : قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة وقاض قضى بجهل فهو في النار وقاض عرف الحق فجار فهو في النار " .
وروى
عمرو بن الأسود عن
أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=925454إن الله مع القاسم حين يقسم ومع القاضي حين يقضي [ ص: 6 ] وروى
ابن عون الثقفي عن
الحارث بن عمرو عن أصحاب
معاذ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال
لمعاذ حين بعثه إلى
اليمن : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925455كيف تقضي إن عرض لك قضاء ؟ " .
قال : أقضي بكتاب الله ، قال " فإن لم يكن في كتاب الله " قال بسنة رسول الله . قال فإن لم يكن في سنة رسول الله " قال أجتهد رأيي ولا آلو ، قال : فضرب صدره وقال : " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله .
وروى
أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925456إذا جلس القاضي للحكم بعث الله إليه ملكين يسددانه فإن عدل أقاما وإن جار عرجا وتركاه "
nindex.php?page=treesubj&link=20218وقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المتنازعين وحكم بين المتشاجرين .
nindex.php?page=treesubj&link=20218وقلد القضاء ؛
فولى عليا قضاء ناحية اليمن وقال له : " إذا حضر الخصمان إليك فلا تقض لأحدهما حتى تسمع من الآخر " قال علي فما أشكلت علي قضية بعدها وقدم منها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع .
nindex.php?page=treesubj&link=20218واستخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتاب بن أسيد على مكة بعد الفتح واليا وقاضيا وقال " يا عتاب انههم عن بيع ما لم يقبضوا وعن ربح ما لم يضمنوا " .
وقلد
معاذا قضاء بعض
اليمن وقال له ما قدمنا .
وقلد
دحية الكلبي قضاء ناحية
اليمن وكان يشبهه
بجبريل - عليه السلام - .
وكان إذا أسلم قوم أقام عليهم من يعلمهم شرائع الدين ويقضي بين المتنازعين .
وقد
nindex.php?page=treesubj&link=20218حكم الخلفاء الراشدون بين الناس وقلدوا القضاة والحكام .
فحكم
أبو بكر - رضي الله عنه - بين الناس واستخلف القضاة ، وبعث
أنسا إلى
البحرين قاضيا .
وحكم
عمر بين الناس ، وبعث
أبا موسى الأشعري إلى
البصرة قاضيا ، وبعث
عبد الله بن مسعود إلى
الكوفة قاضيا .
وحكم
عثمان بين الناس ، وقلد
شريحا القضاء .
وحكم
علي بين الناس وبعث
عبد الله بن عباس إلى
البصرة قاضيا وناظرا .
فصار ذلك من فعلهم إجماعا
[ ص: 7 ] دليل العقل والعرف :
ولأن
nindex.php?page=treesubj&link=20217القضاء أمر بالمعروف ونهي عن المنكر والله تعالى يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر [ التوبة : 112 ] . الآية .
ولأن الناس لما في طباعهم من التنافس والتغالب ولما فطروا عليه من التنازع والتجاذب يقل فيهم التناصر ويكثر فيهم التشاجر والتخاصم ، إما لشبهة تدخل على من تدين أو لعناد يقدم عليه من يجور . فدعت الضرورة إلى قودهم إلى الحق والتناصف بالأحكام القاطعة لتنازعهم والقضايا الباعثة على تناصفهم .
ولأن عادات الأمم به جارية وجميع الشرائع به واردة .
ولأن في أحكام الاجتهاد ما يكثر فيه الاختلاف فلم يتعين أحدهما بين المختلفين فيه إلا بالحكم الفاصل والقضاء القاطع .
[ ص: 3 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي
[ الْقَوْلُ فِي حُكْمِ الْقَضَاءِ ] .
nindex.php?page=treesubj&link=15032الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَتَنْفِيذِ الْحُكْمِ بَيْنَ الْخُصُومِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعُ الْأُمَمِ عَلَيْهِ .
الدَّلِيلُ مِنَ الْكِتَابِ :
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ ص : 26 ] . الْآيَةَ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : خَلِيفَةٌ لَنَا ، وَتَكُونُ الْخِلَافَةُ هِيَ النُّبُوَّةُ .
وَالثَّانِي : خَلِيفَةٌ لِمَنْ تَقَدَّمَكَ فِيهَا ، وَتَكُونُ الْخِلَافَةُ هِيَ الْمُلْكُ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَفِيمَا أُخِذَ مِنْهُ الْحُكْمُ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي تُوجِبُ وَضْعَ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعِهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ إِحْكَامِ الشَّيْءِ وَمِنْهُ حَكْمَةُ اللِّجَامِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِلْزَامِ .
وَفِي قَوْلِهِ : بِالْحَقِّ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : بِالْعَدْلِ .
وَالثَّانِي : الْحَقُّ الَّذِي ألْزَمَكَ اللَّهُ .
وَفِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى ، وَجْهَـانِ :
أَحَدُهُمَا : الْمَيْلُ مَعَ مَنْ يَهْوَاهُ .
وَالثَّانِي : أَنْ تَحْكُمَ بِمَا تَهْوَاهُ .
وَفِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : عَنْ دِينِ اللَّهِ .
وَالثَّانِي : عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ .
وَفِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ وَجْهَانِ :
[ ص: 4 ] أَحَدُهُمَا : بِمَا تَرَكُوا مِنَ الْعَمَلِ لِيَوْمِ الْحِسَابِ .
وَالثَّانِي : بِمَا أَعْرَضُوا عَنْ يَوْمِ الْحِسَابِ .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=78وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ [ الْأَنْبِيَاءِ : 78 ] . قَالَ
قَتَادَةُ : النَّفْشُ : رَعْيُ اللَّيْلِ ، وَالْهَمَلُ : رَعْيُ النَّهَارِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=78وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ وَكَانَ الْحُكْمُ فِي غَنَمٍ رَعَتْ كَرْمَ آخَرَ ، وَقِيلَ زَرْعَهُ ، فَحَكَمَ
دَاوُدُ بِالْغَنَمِ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ أَوِ الزَّرْعِ ، وَحَكَمَ
سُلَيْمَانُ بِأَنْ تُدْفَعَ الْغَنَمُ إِلَى صَاحِبِ الْكَرْمِ لِيَنْتَفِعَ بِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَيُدْفَعَ الْكَرْمُ إِلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ لِيُعَمِّرَهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَى حَالَتِهِ ثُمَّ يَرُدَّ الْكَرْمَ وَيَسْتَرْجِعَ الْغَنَمَ . -
فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=79فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ فَكَانَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا قَضَاهُ
سُلَيْمَانُ ، فَرَجَعَ
دَاوُدُ عَنْ حُكْمِهِ إِلَى حُكْمِ
سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - .
فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ نَقَضَ
دَاوُدُ حُكْمَهُ بِاجْتِهَادِ
سُلَيْمَانَ ؟ فَعَنْهُ جَوَابَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ
دَاوُدَ كَانَ قَدْ أَفْتَى بِهَذَا الْحُكْمِ وَلَمْ يُنَفِّذْهُ فَلِذَلِكَ رَجَعَ عَنْهُ .
الثَّانِي : أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ
سُلَيْمَانَ عَنْ وَحْيٍ فَيَكُونُ نَصًّا يَبْطُلُ بِهِ الِاجْتِهَادُ .
ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29009قَالَ تَعَالَى nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=79وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ آتَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْحُكْمِ وَالْعِلْمِ مِثْلَ مَا آتَاهُ لِلْآخَرِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ آتَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْحُكْمِ وَالْعِلْمِ غَيْرَ مَا آتَاهُ لِلْآخَرِ .
وَفِي الْمُرَادِ بِالْحُكْمِ وَالْعِلْمِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْحُكْمَ الِاجْتِهَادُ وَالْعِلْمَ النَّصُّ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْحُكْمَ : الْقَضَاءُ وَالْعِلْمَ : الْفُتْيَا .
قَالَ
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَرَأَيْتَ الْحُكَّامَ قَدْ هَلَكُوا لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَذَرَ هَذَا بِاجْتِهَادِهِ وَأَثْنَى عَلَى هَذَا بِصَوَابِهِ .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [ النِّسَاءِ : 65 ] .
قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ وَعُرْوَةُ ابْنَا
الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925451نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الزُّبَيْرِ وَرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، وَقِيلَ إِنَّهُ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ ، تَخَاصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ نَخْلًا لَهُمَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ " فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ وَقَالَ إِنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ ؟ ! فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى [ ص: 5 ] عُرِفَ أَنَّهُ قَدْ سَاءَهُ ثُمَّ قَالَ : " يَا زُبَيْرُ احْبِسِ الْمَاءَ إِلَى الْجَدْرِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ خَلِّ سَبِيلَ الْمَاءِ " فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ أَيْ لَا يَعْلَمُونَ بِمَا يُوجِبُهُ الْإِيمَانُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65حَتَّى يُحَكِّمُوكَ أَيْ يَرْجِعُوا إِلَى حُكْمِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، أَيْ فِيمَا تَنَازَعُوا فِيهِ .
وَسُمِّيَتِ الْمُنَازَعَةُ مُشَاجَرَةً لِتَدَاخُلِ كَلَامِهِمَا كَتَدَاخُلِ الشَّجَرِ الْمُلْتَفِّ .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ فِيهِ وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا : شَكًّا ، قَالَهُ
مُجَاهِدٌ .
وَالثَّانِي : إِنَّمَا قَالَهُ
الضَّحَّاكُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : يُسَلِّمُوا مَا تَنَازَعُوا فِيهِ لِحُكْمِكَ .
وَالثَّانِي : يَسْتَسْلِمُوا إِلَيْكَ تَسْلِيمًا لِأَمْرِكَ .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [ النِّسَاءِ : 58 ] .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ [ الْمَائِدَةِ : 49 ] .
وَأَمَّا السُّنَّةُ :
فَرَوَى
بِشْرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ
أَبِي قَيْسٍ عَنْ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925452وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ " وَرَوَاهُ
أَبُو سَلَمَةَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ .
فَجَعَلَ لَهُ فِي الْإِصَابَةِ أَجْرَيْنِ هُمَا عَلَى الِاجْتِهَادِ وَالْآخَرِ عَلَى الْإِصَابَةِ ، وَجَعَلَ لَهُ فِي الْخَطَأِ أَجْرًا وَاحِدًا عَلَى الِاجْتِهَادِ دُونَ الْخَطَأِ .
وَرَوَى
أَبُو هَاشِمٍ عَنِ
ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925453nindex.php?page=treesubj&link=20230الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ : اثْنَانِ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ : قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَقَاضٍ قَضَى بِجَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فَهُوَ فِي النَّارِ " .
وَرَوَى
عَمْرُو بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ
أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=925454إِنَّ اللَّهَ مَعَ الْقَاسِمِ حِينَ يَقْسِمُ وَمَعَ الْقَاضِي حِينَ يَقْضِي [ ص: 6 ] وَرَوَى
ابْنُ عَوْنٍ الثَّقَفِيُّ عَنِ
الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَصْحَابِ
مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى
الْيَمَنِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925455كَيْفَ تَقْضِي إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ ؟ " .
قَالَ : أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ ، قَالَ " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ " قَالَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ . قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ " قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو ، قَالَ : فَضَرَبَ صَدْرَهُ وَقَالَ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ .
وَرَوَى
أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925456إِذَا جَلَسَ الْقَاضِي لِلْحُكْمِ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ يُسَدِّدَانِهِ فَإِنْ عَدَلَ أَقَامَا وَإِنْ جَارَ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ "
nindex.php?page=treesubj&link=20218وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ وَحَكَمَ بَيْنَ الْمُتَشَاجِرَيْنِ .
nindex.php?page=treesubj&link=20218وَقَلَّدَ الْقَضَاءَ ؛
فَوَلَّى عَلِيًّا قَضَاءَ نَاحِيَةِ الْيَمَنِ وَقَالَ لَهُ : " إِذَا حَضَرَ الْخَصْمَانِ إِلَيْكَ فَلَا تَقْضِ لِأَحَدِهِمَا حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الْآخَرِ " قَالَ عَلِيٌّ فَمَا أَشْكَلَتْ عَلَيَّ قَضِيَّةٌ بَعْدَهَا وَقَدِمَ مِنْهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ .
nindex.php?page=treesubj&link=20218وَاسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ عَلَى مَكَّةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَالِيًا وَقَاضِيًا وَقَالَ " يَا عَتَّابُ انْهَهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضُوا وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنُوا " .
وَقَلَّدَ
مُعَاذًا قَضَاءَ بَعْضِ
الْيَمَنِ وَقَالَ لَهُ مَا قَدَّمْنَا .
وَقَلَّدَ
دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ قَضَاءَ نَاحِيَةِ
الْيَمَنِ وَكَانَ يُشَبِّهُهُ
بِجِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - .
وَكَانَ إِذَا أَسْلَمَ قَوْمٌ أَقَامَ عَلَيْهِمْ مَنْ يُعَلِّمُهُمْ شَرَائِعَ الدِّينِ وَيَقْضِي بَيْنَ الْمُتَنَازِعِينَ .
وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=20218حَكَمَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَيْنَ النَّاسِ وَقَلَّدُوا الْقُضَاةَ وَالْحُكَّامَ .
فَحَكَمَ
أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ النَّاسِ وَاسْتَخْلَفَ الْقُضَاةَ ، وَبَعَثَ
أَنَسًا إِلَى
الْبَحْرَيْنِ قَاضِيًا .
وَحَكَمَ
عُمَرُ بَيْنَ النَّاسِ ، وَبَعَثَ
أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ إِلَى
الْبَصْرَةِ قَاضِيًا ، وَبَعَثَ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ إِلَى
الْكُوفَةِ قَاضِيًا .
وَحَكَمَ
عُثْمَانُ بَيْنَ النَّاسِ ، وَقَلَّدَ
شُرَيْحًا الْقَضَاءَ .
وَحَكَمَ
عَلِيٌّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَعَثَ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ إِلَى
الْبَصْرَةِ قَاضِيًا وَنَاظِرًا .
فَصَارَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ إِجْمَاعًا
[ ص: 7 ] دَلِيلُ الْعَقْلِ وَالْعُرْفِ :
وَلِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20217الْقَضَاءَ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=112الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ [ التَّوْبَةِ : 112 ] . الْآيَةَ .
وَلِأَنَّ النَّاسَ لِمَا فِي طِبَاعِهِمْ مِنَ التَّنَافُسِ وَالتَّغَالُبِ وَلِمَا فُطِرُوا عَلَيْهِ مِنَ التَّنَازُعِ وَالتَّجَاذُبِ يَقِلُّ فِيهِمُ التَّنَاصُرُ وَيَكْثُرُ فِيهِمُ التَّشَاجُرُ وَالتَّخَاصُمُ ، إِمَّا لِشُبْهَةٍ تَدْخُلُ عَلَى مَنْ تَدَيَّنَ أَوْ لِعِنَادٍ يُقْدِمُ عَلَيْهِ مَنْ يَجُورُ . فَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى قَوْدِهِمْ إِلَى الْحَقِّ وَالتَّنَاصُفِ بِالْأَحْكَامِ الْقَاطِعَةِ لِتَنَازُعِهِمْ وَالْقَضَايَا الْبَاعِثَةِ عَلَى تَنَاصُفِهِمْ .
وَلِأَنَّ عَادَاتِ الْأُمَمِ بِهِ جَارِيَةٌ وَجَمِيعَ الشَّرَائِعِ بِهِ وَارِدَةٌ .
وَلِأَنَّ فِي أَحْكَامِ الِاجْتِهَادِ مَا يَكْثُرُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُهُمَا بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ إِلَّا بِالْحُكْمِ الْفَاصِلِ وَالْقَضَاءِ الْقَاطِعِ .