فصل : [ المولى ] .
وأما الشرط الثاني وهو : المولى
فتقليد القضاء من جهته من فروض الكفايات ، لأنه لا يتعين في واحد من الناس ، ويدخل في فرضه كل من تكاملت فيه شروط القضاء حتى يقوم به أحدهم فيسقط فرضه عن جماعتهم .
فإن لم تكمل شروطه في الوقت إلا في واحد تعين عليه فرض الإجابة إذا دعي إلى القضاء ، ولم يتعين عليه طلب القضاء لأن فرض التقليد على المولي دون المولى ولا يصير لتفرده في عصره واليا حتى يولى .
ولو انفرد بها عن غيره فقد اختلف العلماء : هل تنعقد إمامته من غير أن يعقدها له أهل العقد والحل ؟ تكاملت شروط الإمامة في واحد
فذهب أكثر الفقهاء إلى أنها لا تنعقد إمامته من غير أن يعقدها له أهل العقد والحل إلا بعقد كولاية القضاء .
وذهب آخرون من فقهاء العراق وبعض المتكلمين إلى انعقاد إمامته من غير عقد . لأن عقد أهل العقد إنما يراد لتمييز المستحق . فإذا تميز بصفته استغنى عن عقدهم .
وفرقوا بين القضاء والإمامة . بأن القضاء نيابة خاصة يجوز صرفه عنها مع بقائه على صفته فلم يفتقر إلى عقد ومول وإن شذ بعض أهل المذهب فسوى بين الإمامة والقضاء . وجعل ولاية القضاء فيمن تفرد بشروطه منعقدة من غير عاقد كالإمامة . والجمع بينهما في الصحة أفسد ، والجمع بينهما في البطلان أصح ، لأن الولايات عقود فافتقرت إلى عاقد .
فإن امتنع هذا المنفرد بشروط القضاء من الإجابة إليه أجبره الإمام عليه لتعين [ ص: 10 ] فرضه عليه ومن تعين عليه فرض أخذ به جبرا .
: ولاية المفولاضول مع وجود الأفضل
وإذا تكاملت شروط القضاء في جماعة كان الأولى بالإمام أن يقلد أفضلهم .
فإن عدل عن الأفضل إلى المقصر انعقدت ولايته لأن الزيادة على كمال الشروط غير معتبرة .
ولو تكاملت شروط الإمامة في جماعة وجب على أهل الاختيار من أهل العقد أن يقلدوا أفضلهم .
وإن عدلوا عن الأفضل إلى المفضول لعذر صح العقد .
وإن عدلوا عنه لغير عذر فقد اختلف الفقهاء في صحة إمامته فذهب جمهورهم إلى صحتها كالقضاء ، وذهب بعضهم إلى فسادها لفساد الاختيار في العدول عن الأفضل إلى المفضول .
وفرقوا بين الإمامة والقضاء بأن القضاء نيابة خاصة فجاز أن يعمل فيها على اختيار المستنيب كالوكالة ، والإمامة ولاية عامة ولم يصح فيها تفريط أهل الاختيار لافتياتهم على غيرهم .
: تقليد طالب القضاء
وإذا عنها فالأولى بالإمام أن يقلد الممسك دون الطالب . لأنه أرغب في السلامة . تكافأت الجماعة في شروط القضاء وكان فيهم طالب للولاية وفيهم ممسك
فإن امتنع لعذر لم يجبر عليه .
وإن امتنع لغير عذر ففي جواز إجباره عليه وجهان :
أحدهما : لا يجبر عليه : لأنها نيابة لا يدخلها الإجبار كالوكالة .
والوجه الثاني : يجبر عليه : لأنه مأمور بطاعة إن ترك فيها على امتناعه جاز أن يكون حال غيره مثل حاله فيفضي الأمر إلى تعطيل القضاء .
وخالف حال الوكالة التي لا تتعلق بطاعة .
فإن . عدل الإمام عن الممسك إلى الطالب جاز وصح تقليده بعد أن اعتبر حال الطالب في طلبه
وله فيه خمسة أحوال ، مستحب ومحظور ومباح ومكروه ومختلف فيه .
فأما الحال الأولى : وهو فهو أن تكون الحقوق مضاعة بجور أو عجز والأحكام فاسدة بجهل أو هوى ؛ فيقصد بطلبه حفظ الحقوق وحراسة الأحكام فهذا [ ص: 11 ] الطلب مستحب وهو به مأجور ، لأنه يقصد أمرا بمعروف ونهيا عن منكر . الطلب المستحب
والحال الثانية : وهو : أن يقصد بطلبه انتقاما من أعداء أو تكسبا بارتشاء ، فهذا الطلب محظور يأثم به لأنه قصد به ما يأثم بفعله . الطلب المحظور
وأما الحال الثالثة : وهو فهو أن يطلبه لاستمداد رزقه أو استدفاع ضرر ، فهذا الطلب مباح لأن المقصود به مباح . الطلب المباح
وأما الحال الرابعة : وهو ، فهو أن يطلبه للمباهاة والاستعلاء به فهذا الطلب مكروه لأن المقصود به مكروه . الطلب المكروه
قال الله تعالى : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين [ القصص : 83 ] .
وأما الحال الخامسة : وهو فهو أن يطلبه رغبة في الولاية والنظر فقد اختلف الفقهاء فيه مع اختلاف السلف قبلهم ، واختلاف أصحابنا معهم على ثلاثة مذاهب : الطلب المختلف فيه
أحدها : يكره أن يكون له طالبا ويكره أن يجيب إليه مطلوبا ، وهو الظاهر من قول ابن عمر ومكحول وأبي قلابة ومن تخشن من الفقهاء وطلب السلامة لرواية سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " " ولأنها أمانة يتحملها ربما قصر فيها أو عجز عنها والله تعالى يقول : من استقضى فكأنما ذبح بغير سكين إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال [ الآية الأحزاب : 73 ] .
والمذهب الثاني : يستحب أن يكون له طالبا ، وأن يجيب إليه مطلوبا وهو الظاهر من قول عمر والحسن ومسروق ومن تساهل من الفقهاء ومال إلى التعاون على البر والتقوى لرواية أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " . ولأنه فرض لا يؤدى إلا بالتعاون والله تعالى يقول : من طلب القضاء حتى يناله فإن غلب عدله جوره فله الجنة ، وإن غلب جوره عدله فله النار وتعاونوا على البر والتقوى [ المائدة : 2 ] .
والمذهب الثالث : وهو أعدلها : يكره أن يكون طالبا ويستحب أن يجيب إليه مطلوبا وهو قول أكثر المتوسطين في الأمر من الفقهاء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن [ ص: 12 ] سمرة " " ولأن الطلب تكلف والإجابة معونة . لا تطلب الإمارة فإن أوتيتها عن غير مسألة أعنت عليها وإن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها
: بذل المال على طلب القضاء
فإن بذل على طلب القضاء مالا : انقسم حال طلبه ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون واجبا لتعين فرضه عليه عند انفراده بشروط القضاء أو مستحبا له ليزيل جور غيره أو تقصيره فبذله على هذا الطلب مستحب له وقبوله منه محظور على القابل له .
والقسم الثاني : أن يكون طلبه محظورا أو مكروها فبذله على هذا الطلب محظور ومكروه ، بحسب حال الطلب لامتزاجهما ، وقبوله منه أشد حظرا وتحريما .
والقسم الثالث : أن يكون طلبه مباحا فيعتبر الحكم ، فإن كان بعد التقليد لم يحرم على الباذل وحرم على القابل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " هدايا الأمراء غلول " وإن كان البذل قبل التقليد حرم على الباذل والقابل جميعا لأنها من الرشا المحظورة على باذلها وقابلها لرواية ثابت عن أبيه . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن الراشي والمرتشي والرائش
فالراشي باذل الرشوة والمرتشي قابلها والرائش المتوسط بينهما .
فإن كان هذا الطالب قد عدم شروط القضاء أو بعضها حرم عليه الطلب وحرم على الإمام الإجابة لفساد التقليد وتحريم النظر وصار بالطلب مجروحا .