فصل : القضاء في موضع بارز
قال الشافعي : وأحب أن يقضي في موضع بارز للناس .
ومراده بهذا شيئان :
أحدهما : أن لا يخرج مع البروز إلى الاستئذان عليه .
والثاني : أن يكون الموضع فسيحا ترتاح فيه النفوس ولا يسرع فيه المال فقد قيل : خير المجالس ما سافر فيه البصر واتدع فيه الجسد .
وبحسب هذين الأمرين اختلفت الرواية في نقل المزني في موضع بارز للناس فرواه بعضهم بالخفض وجعله صفة للموضع في الفساحة والسعة ومنهم من رواه بالنصب بارزا للناس وجعله صفة للقاضي في ظهوره من غير إذن .
[ ص: 29 ] ولئن لم يحتج مع بروزه إلى الإذن عليه فمن أدب المتنازعين أن لا يبدأ بالدعوى إلا بعد إشعاره وإذنه .
فإن نظر بينهم في داره التي لا يدخلها أحد إلا بإذنه جاز ولم يكره وإن قل .
روت قالت أم سلمة اختصم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رجلان من الأنصار في مواريث متقادمة ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما في بيتي " وكان بين عمر بن الخطاب وأبي بن كعب - رضي الله عنه - منازعة فأتيا زيد بن ثابت في بيته فقضى بينهما وقال لعمر : لو أمرتني لجئت فقال عمر : في بيته يؤتى الحكم .
فإن كثرت المحاكمات عدل عن النظر في داره التي تحوج إلى الاستئذان إلى المجلس الذي وصفناه بالشرطين المتقدمين وإن كان حكمه نافذا في الأحوال كلها .