مسألة : قال الشافعي : ويجمع المختلفين لأنه أشد لتقصيه وليكشف بعضهم على بعض " .
قال الماوردي : وهذا إنما يختص بالحوادث المشكلة والنوازل الملتبسة دون ما استقرت أحكامه بالنصوص أو بالإجماع أو بالقياس الذي لا يحتمل غيره ، فيجمع له المختلفين من أهل الاجتهاد ليسأل كل واحد منهم عن حكم الحادثة ودليلها ويعارض الأدلة بعضها ببعض ويكشف عن عللها وأصولها .
ولا يفوض ذلك إليهم ، حتى يجتهد فيها كاجتهادهم ، ثم يجتهد في قول كل واحد منهم وينظر فيما استدل به ويناظرهم ويناظرونه طلبا للصواب لا نصرة لقوله . فإذا وضح له الصواب بعد الكشف والنظر عمل عليه وحكم به .
وإنما لزمه أن يفعل هذا لثلاثة أمور :
[ ص: 153 ] أحدها : اقتداء بالصحابة فإن الأئمة منهم كانوا لا ينفذون الأحكام المشتبهة إلا بعد المشاورة ومسألة الناس فيما عرفوه من أحكام الرسول كما أبو بكر عن ميراث الجدة ، حتى أخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس وسأل عن سأل المجوس فأخبر عنه أنه قال " سنوا بهم سنة أهل الكتاب وكما قال عمر : رحم الله امرأ سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دية الجنين شيئا إلا قاله فأخبره حمل بن مالك أنه قضى فيه بغرة عبد أو أمة .
والثاني : أنه قد يجوز أن يخفى على الحاكم من أحكام الحوادث والنوازل ما يكون علمه عند غيره فلم يجز أن يمضي حكمه على التباس واحتمال .
والثالث : أنه مجتهد وعلى المجتهد التقصي في اجتهاده ، ومن التقصي أن يكشف بالسؤال ويناظر في طلب الصواب .
الفرق بين النظر والجدل .
وفي الفرق بين النظر والجدل وجهان :
أحدهما : أن النظر طلب الصواب ، والجدل نصرة القول .
والثاني : أن النظر هو الفكر بالقلب والعقل ، والجدل هو الاحتجاج باللسان .
الفرق بين الدليل والحجة :
وفي الفرق بين الدليل والحجة وجهان :
أحدهما : أن الدليل ما دلك على مطلوبك ، والحجة ما منعت من ذلك .
والثاني : أن الدليل ما دلك على صوابك ، والحجة ما دفعت عنك قول مخالفك .
الفرق بين النص والظاهر .
وفي الفرق بين النص والظاهر وجهان :
أحدهما : أن النص ما كان لفظه دليله ، والظاهر ما سبق مراده إلى فهم سامعه .
والثاني : أن النص ما لم يتوجه إليه احتمال ، والظاهر ما توجه إليه احتمال .
الفرق بين الفحوى ولحن القول .
وفي الفرق بين الفحوى ولحن القول وجهان :
أحدهما : أن الفحوى ما نبه عليه اللفظ ، ولحن القول ما لاح في أثناء اللفظ .
والثاني : أن الفحوى ما دل على ما هو أقوى منه ، ولحن القول ما دل على مثله .
. تفرد الحاكم باجتهاده
فإن تفرد الحاكم باجتهاده فقد أساء وقصر ، وكان حكمه نافذا إذا عمل بما أداه اجتهاده إليه ، ما لم يخالف فيه ما لا يجوز الاجتهاد معه : من نص أو إجماع أو قياس لا يحتمل .