الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : ويجمع المختلفين لأنه أشد لتقصيه وليكشف بعضهم على بعض " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا إنما يختص بالحوادث المشكلة والنوازل الملتبسة دون ما استقرت أحكامه بالنصوص أو بالإجماع أو بالقياس الذي لا يحتمل غيره ، فيجمع له المختلفين من أهل الاجتهاد ليسأل كل واحد منهم عن حكم الحادثة ودليلها ويعارض الأدلة بعضها ببعض ويكشف عن عللها وأصولها .

                                                                                                                                            ولا يفوض ذلك إليهم ، حتى يجتهد فيها كاجتهادهم ، ثم يجتهد في قول كل واحد منهم وينظر فيما استدل به ويناظرهم ويناظرونه طلبا للصواب لا نصرة لقوله . فإذا وضح له الصواب بعد الكشف والنظر عمل عليه وحكم به .

                                                                                                                                            وإنما لزمه أن يفعل هذا لثلاثة أمور :

                                                                                                                                            [ ص: 153 ] أحدها : اقتداء بالصحابة فإن الأئمة منهم كانوا لا ينفذون الأحكام المشتبهة إلا بعد المشاورة ومسألة الناس فيما عرفوه من أحكام الرسول كما سأل أبو بكر عن ميراث الجدة ، حتى أخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس وسأل عن المجوس فأخبر عنه أنه قال " سنوا بهم سنة أهل الكتاب وكما قال عمر : رحم الله امرأ سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دية الجنين شيئا إلا قاله فأخبره حمل بن مالك أنه قضى فيه بغرة عبد أو أمة .

                                                                                                                                            والثاني : أنه قد يجوز أن يخفى على الحاكم من أحكام الحوادث والنوازل ما يكون علمه عند غيره فلم يجز أن يمضي حكمه على التباس واحتمال .

                                                                                                                                            والثالث : أنه مجتهد وعلى المجتهد التقصي في اجتهاده ، ومن التقصي أن يكشف بالسؤال ويناظر في طلب الصواب .

                                                                                                                                            الفرق بين النظر والجدل .

                                                                                                                                            وفي الفرق بين النظر والجدل وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن النظر طلب الصواب ، والجدل نصرة القول .

                                                                                                                                            والثاني : أن النظر هو الفكر بالقلب والعقل ، والجدل هو الاحتجاج باللسان .

                                                                                                                                            الفرق بين الدليل والحجة :

                                                                                                                                            وفي الفرق بين الدليل والحجة وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الدليل ما دلك على مطلوبك ، والحجة ما منعت من ذلك .

                                                                                                                                            والثاني : أن الدليل ما دلك على صوابك ، والحجة ما دفعت عنك قول مخالفك .

                                                                                                                                            الفرق بين النص والظاهر .

                                                                                                                                            وفي الفرق بين النص والظاهر وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن النص ما كان لفظه دليله ، والظاهر ما سبق مراده إلى فهم سامعه .

                                                                                                                                            والثاني : أن النص ما لم يتوجه إليه احتمال ، والظاهر ما توجه إليه احتمال .

                                                                                                                                            الفرق بين الفحوى ولحن القول .

                                                                                                                                            وفي الفرق بين الفحوى ولحن القول وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الفحوى ما نبه عليه اللفظ ، ولحن القول ما لاح في أثناء اللفظ .

                                                                                                                                            والثاني : أن الفحوى ما دل على ما هو أقوى منه ، ولحن القول ما دل على مثله .

                                                                                                                                            تفرد الحاكم باجتهاده .

                                                                                                                                            فإن تفرد الحاكم باجتهاده فقد أساء وقصر ، وكان حكمه نافذا إذا عمل بما أداه اجتهاده إليه ، ما لم يخالف فيه ما لا يجوز الاجتهاد معه : من نص أو إجماع أو قياس لا يحتمل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية