الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما القسم الأول : فيما اختص بالأبدان .

                                                                                                                                            فهل قتل نفس أو قطع طرف بشهادتهم على رجل أنه قتل فقتل ، أو قطع فقطع ، ثم رجعوا على شهادتهم بعد أن قتل أو قطع ، فقد اختلف الفقهاء فيما يلزمهم برجوعهم إذا عمدوا :

                                                                                                                                            فمذهب الشافعي رضي الله عنه : أن عليهم القود ، وهو قول ابن شبرمة ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن عليهم الدية دون القود .

                                                                                                                                            وقال مالك : لا قود عليهم ولا دية ، واستدل أصحاب أبي حنيفة على سقوط القود بأن الشهادة سبب أفضى إلى القتل موجب أن يتعلق به الحكم الغرم دون القود ، كحفر البئر ووضع الحجر .

                                                                                                                                            واستدل أصحاب مالك على سقوط الدية بأن الشهادة سبب اقترن به مباشرة الحاكم ، فلما سقطت الدية عن الحاكم بالمباشرة كان أولى أن تسقط عن الشهود بالسبب ، لأن السبب سقط بالمباشرة .

                                                                                                                                            والدليل على وجوب القود : إجماع الصحابة في قضيتين مشهورتين عن إمامين منهم لم يختلف عليهما أحد منهم .

                                                                                                                                            إحداهما : عن أبي بكر رضي الله عنه أن شاهدين شهدا عنده بالقتل وقيل بالقطع فاقتص منه ، ثم رجع الشاهدان وقالا : أخطأنا الأول وهذا هو القاتل أو القاطع ، فقال : لو علمت أنكما تعمدتما لأقدتكما .

                                                                                                                                            والقصة الثانية : " وهي أثبت " رواها الشافعي عن سفيان ، عن مطرف ، عن الشعبي ، أن رجلين شهدا عند علي ، عليه السلام ، على رجل أنه سرق ، فقطعه ، ثم أتياه بعد برجل آخر وقالا : أخطأنا في الأول ، وهذا هو السارق ، فأبطل شهادتهما على الآخر ثم ضمنهما دية [ ص: 257 ] الأول ، وقال : لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما .

                                                                                                                                            وقال أحمد بن حنبل ، عن مطرف ، عن الشعبي ، عن علي ، عليه السلام غير مرفوع ، أن رجلين شهدا عند علي رضي الله عنه بخبر مرفوع .

                                                                                                                                            وقد رواه مع سفيان أسباط ، عن مطرف هذا وليس لهذين الإمامين مخالف في الصحابة ، فثبت بهما الإجماع .

                                                                                                                                            ويدل عليه من الاعتبار ، أن كل إتلاف ضمن بالمباشرة ضمن بالشهادة كالأموال .

                                                                                                                                            ولأن الشهادة إلجاء ، فوجب أن يضمن به النفوس بالقود كالإكراه .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن استدلال أبي حنيفة بأن الشهادة سبب يسقط به القود ، كحفر البئر ، ففاسد بالإكراه ، ثم حفر البئر لم يقصد به القتل فسقط به القود ، والشهادة مقصود بها القتل .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن استدلال مالك بالحاكم ، فهو أن الحاكم لزمه الحكم بالشهادة فلم يضمن ، والشاهد متبرع بالشهادة فضمن بها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية