الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ القول في أحوال رجوع شهود القتل ] .

                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر أن الشهود بالقتل كالقتلة ، لم يخل حالهم في الشهادة به إذا تغيرت من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يشكو فيها بعد استيفاء الحق بها ، أو يقولوا لعلنا أخطأنا فيها ، فهذا قدح في الضبط لا يتغير به حكم الشهادة بعد نفوذ الحكم بها ، ولا ضمان عليهم به ، لأن الضمان لا يجب بالشك .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يرجعوا جميعا عنها ، فيسألهم الحاكم عن شهادتهم هل تعمدوها أو أخطأوا فيها ؟ لاختلاف حكم العمد والخطأ في القتل .

                                                                                                                                            ولهم في الجواب عنه ثمانية أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يقولوا : عمدنا كلنا ليقتل بشهادتنا ، فالقود على جميعهم واجب ، لأنهم قتلة عمد .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يقولوا : عمدنا كلنا وما علمنا أن الحاكم يقتله بشهادتنا ، فهم أهل جهالة بمثله ، فهذا منهم قتل عمد شبه الخطأ ، ولا قود عليهم ، وتؤخذ الدية منهم مغلظة لما فيه من العمد ، ومؤجلة لما فيه من الخطأ .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يقولوا : أخطأنا كلنا ، فعليهم دية الخطأ مخففة ومؤجلة [ ص: 258 ] يؤخذون بها دون عواقلهم ، لوجوبها باعترافهم ، والعاقلة لا تتحمل عنهم ما وجب باعترافهم إن لم يصدقوهم ، فإن صدقوهم تحملوها عنهم .

                                                                                                                                            والحال الرابعة : أن يتفقوا على أنه عمد بعضهم وأخطأ بعضهم ، فلا قود على العامد لمشاركته الخاطئ ، وعلى العامد قسطه من الدية مغلظة حالة ، وعلى الخاطئ قسطه من الدية مخففة مؤجلة .

                                                                                                                                            والحال الخامسة : أن يختلفوا ، فيقول بعضهم عمدنا كلنا ، ويقول بعضهم : أخطأنا كلنا ، فعلى من أقر بعمد جميعهم القود ، وعلى من أقر بخطأ جميعهم قسطه منه الدية مخففة ومؤجلة .

                                                                                                                                            والحال السادسة : أن يختلفوا ، فيقول اثنان منهم : عمدنا وأخطأ هذان الآخران ، ويقول الآخران : بل عمدنا وأخطأ هذان الأولان ، ففي وجوب القود عليهم قولان : أحدهما : عليهم القود جميعا ، لأن كل واحد منهم قد اعترف بالقتل بالعمد في حقه ، وأضاف الخطأ إلى من قد اعترف بعمده ، فصاروا كالمعترفين جميعا بالعمد .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو أصح ، لا قود على واحد منهم ، لأن كل واحد منهم مقر بمشاركة للخاطئ ، فلم يلزمه إقرار الخاطئ بعمده ، ولأن أحدا لا يؤاخذ بإقرار غيره ، ويكون على كل واحد منهم قسطه من دية العمد مغلظة حالة .

                                                                                                                                            والحال السابعة : أن يقول اثنان منهم : عمدنا كلنا ، ويقول الآخران : عمدنا وأخطأ الأولان ، فعلى المقر بعمد جميعهم القود ، وفيما على المقر بعمده وخطأ غيره قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : القود .

                                                                                                                                            والثاني : قسطه من دية العمد مغلظة حالة .

                                                                                                                                            والحال الثامنة : أن يقول أحدهم : عمدت وما أدري ما فعل أصحابي ، سألنا أصحابه ، فإن قالوا : عمدنا ، وجب القود على الكل ، وإن قالوا : أخطأنا ، سقط القود عن الكل .

                                                                                                                                            فهذا حكمهم إذا رجعوا جميعا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية