فصل : فأما القسم الأول : فيما اختص بالأبدان .
فهل قتل نفس أو قطع طرف بشهادتهم على رجل أنه قتل فقتل ، أو قطع فقطع ، ثم ، فقد اختلف الفقهاء فيما يلزمهم برجوعهم إذا عمدوا : رجعوا على شهادتهم بعد أن قتل أو قطع
فمذهب الشافعي رضي الله عنه : أن عليهم القود ، وهو قول ابن شبرمة ، وأحمد ، وإسحاق .
وقال أبو حنيفة : إن عليهم الدية دون القود .
وقال مالك : لا قود عليهم ولا دية ، واستدل أصحاب أبي حنيفة على سقوط القود بأن الشهادة سبب أفضى إلى القتل موجب أن يتعلق به الحكم الغرم دون القود ، كحفر البئر ووضع الحجر .
واستدل أصحاب مالك على سقوط الدية بأن الشهادة سبب اقترن به مباشرة الحاكم ، فلما سقطت الدية عن الحاكم بالمباشرة كان أولى أن تسقط عن الشهود بالسبب ، لأن السبب سقط بالمباشرة .
والدليل على وجوب القود : إجماع الصحابة في قضيتين مشهورتين عن إمامين منهم لم يختلف عليهما أحد منهم .
إحداهما : عن أبي بكر رضي الله عنه أن شاهدين شهدا عنده بالقتل وقيل بالقطع فاقتص منه ، ثم رجع الشاهدان وقالا : أخطأنا الأول وهذا هو القاتل أو القاطع ، فقال : لو علمت أنكما تعمدتما لأقدتكما .
والقصة الثانية : " وهي أثبت " رواها الشافعي عن سفيان ، عن مطرف ، عن الشعبي ، أن رجلين شهدا عند علي ، عليه السلام ، على رجل أنه سرق ، فقطعه ، ثم أتياه بعد برجل آخر وقالا : أخطأنا في الأول ، وهذا هو السارق ، فأبطل شهادتهما على الآخر ثم ضمنهما دية [ ص: 257 ] الأول ، وقال : لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما .
وقال أحمد بن حنبل ، عن مطرف ، عن الشعبي ، عن علي ، عليه السلام غير مرفوع ، أن رجلين شهدا عند علي رضي الله عنه بخبر مرفوع .
وقد رواه مع سفيان أسباط ، عن مطرف هذا وليس لهذين الإمامين مخالف في الصحابة ، فثبت بهما الإجماع .
ويدل عليه من الاعتبار ، أن ضمن بالشهادة كالأموال . كل إتلاف ضمن بالمباشرة
ولأن الشهادة إلجاء ، فوجب أن يضمن به النفوس بالقود كالإكراه .
فأما الجواب عن استدلال أبي حنيفة بأن الشهادة سبب يسقط به القود ، كحفر البئر ، ففاسد بالإكراه ، ثم حفر البئر لم يقصد به القتل فسقط به القود ، والشهادة مقصود بها القتل .
وأما الجواب عن استدلال مالك بالحاكم ، فهو أن الحاكم لزمه الحكم بالشهادة فلم يضمن ، والشاهد متبرع بالشهادة فضمن بها .