الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما حكم الميت ، فمذهب الشافعي أنه يصلى عليه ، ويدفن في مقابر المسلمين على الأحوال كلها ما لم يحكم بردته ، لأن أمره مشتبه ، فجرى مجرى جماعة ماتوا ، وفيهم كافر قد أشكل ، فلم يتعين فإنه يصلى على جميعهم ، ويدفنوا في مقابر المسلمين ، وقال أبو حنيفة : لا يصلى عليه على الأحوال كلها إلا بعد العلم بإسلامه ، وليس هذا بصحيح لما استشهد بأنه من الجماعة الموتى ، إذا علم أن فيهم كافرا قد أشكل ، فإن الصلاة على جميعهم وفاق ، لأن الإسلام يستظهر له ، ولا يستظهر عليه .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ولو كانت دار في يدي رجل والمسألة على حالها ، فادعاها كل واحد من هذين المدعيين أنه ورثها من أبيه ، فمن أبطل البينة تركها في يدي صاحبها ، ومن رأى الإقراع أقرع بينهما أو يجعلها بينهما معا ، ويدخل عليه شناعة ، وأجاب بهذا الجواب فيما يمكن فيه البينتان أن تكونا صادقتين في مواضع ، ( قال المزني ) رحمه الله : وسمعته يقول في مثل هذا لو قسمته بينهما كنت لم أقض لواحد منهما بدعواه ولا ببينته ، وكنت على يقين خطإ بنقص من هو له عن كمال حقه أو بإعطاء الآخر ما ليس له ، ( قال المزني ) : وقد أبطل الشافعي القرعة في امرأتين ، مطلقة ، وزوجة ، وأوقف الميراث حتى يصطلحا ، وأبطل في ابني أمته اللذين أقر أن أحدهما ابنه القرعة في النسب والميراث ، فلا يشبه قوله في مثل هذا القرعة وقد قطع في كتاب الدعوى على كتاب أبي حنيفة في امرأة أقامت البينة أنه أصدقها هذه وقبضتها وأقام رجل البينة أنه اشتراها منه ونقده الثمن وقبضها قال : أبطل البينتين لا يجوز إلا هذا أو القرعة ( قال المزني ) رحمه الله : هذا لفظه وقد بينا أن القرعة لا تشبه قوله في الأموال ( قال المزني ) رحمه الله : وقد قال الحكم في الثوب لا ينسج إلا مرة والثوب الخز ينسج مرتين سواء " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اختلف أصحابنا في صورة هذه المسألة ، فذهب بعضهم إلى أنها المسألة الأولى أعادها لغرض زاده فيها ، لأنه قال : " ولو كانت دار والمسألة بحالها ، فادعاها كل واحد من هذين " ، فإذا تداعى الابنان المسلم والنصراني ، في ميراث دار عن أبيهما ، والدار في يدي رجل غير أبيهما ، وأقام كل واحد منهما البينة أن هذه الدار ورثها عن أبيه لموافقته على دينه ، فلا يخلو حال هاتين البينتين من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يحكم بإحداهما لأحدهما فتنتزع بها الدار من يد صاحب اليد ، وتدفع إلى مستحق ميراث الأب ، لقيام البينة بملكها للأب .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يحكم بها ، ويجعل الميراث يليها على ما ذكرنا من التفصيل المختلف فيه ، فتنتزع بها الدار من صاحب اليد ، وتدفع إلى الابنين بالإرث .

                                                                                                                                            [ ص: 334 ] والقسم الثالث : أن تسقط البينتان ، ولا يحكم بواحدة منهما ، فتكون الدار مقرة في يد صاحب اليد ملكا .

                                                                                                                                            فإن قيل : فهلا انتزعت من يده ، وأزيلت عن ملكه ، لاجتماع البينتين على أنها للميت دونه قيل : لأنه لما لم يكن فيهما بيان لمستحقها من أحد الابنين ، سقط الحكم بهما في الدار ، كما سقط الحكم بهما لأحد الابنين ، وصارا كشاهدين شهدا على دار في يدي رجل ، أنها لأحد هذين الرجلين وجب إقرارها في يده ، وإن شهدت البينة عليه بعدم ملكه ، لأن الشهادة لم تعين مستحقها ، فبطلت كذلك في مسألتنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية